الأردن وإسرائيل صراع خفي متدثر بسلام بارد

06 يناير 2020
+ الخط -
الناظر في العلاقات الأردنية الإسرائيلية لا يُمكنه تجاهل التوتر الراهن فيها، وقد زاد هذا التوتر أخيراً عبر حملة تسريبات ولغة تحريضية دائمة في الإعلام الإسرائيلي ضد الأردن وقيادته. وكان الملك عبدالله الثاني، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، عقب تسلمه جائزة "رجل الدولة - الباحث" لعام 2019، التي منحها إياه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، قد وصف هذه العلاقات بأنها في "أسوأ حالاتها"، وهو وصف نادر لها منذ توقيع معاهدة السلام (وادي عربة) عام 1994، تبعته عدة مواقف تلت إعلان الأردن مسبقاً عدم الاستمرار بالسماح لإسرائيل باستخدام أراضي الغمر والباقورة، والتي كانت مستخدمةً بموجب ملحق خاص بالمعاهدة، وهو رفضٌ، وإن أزعج إسرائيل، إلا أنه لم يكن السبب الأوحد في تصعيد الطرف الإسرائيلي ضد الأردن الذي لا يملك أوراق ضغط قوية ذات جدوى على إسرائيل، كما تملك الأخيرة في موضوعات المياه واللاجئين، ولكنه يراهن على موقف موحّد أردنياً وفلسطينياً وعربياً في أن معارضة سياسات إسرائيل، وفي مقدمتها ترويج ما سمّيت صفقة القرن، ما كان يمكن أن تتم لولا وجود جبهة أردنية موحدة، تقف خلف قيادة سياسية لا تخفي شيئاً ولا تساوم في الموضوع الفلسطيني، وهي جبهةٌ موحدةٌ وصلبةٌ، أنتجت موقفاً رسمياً بدا واضحاً أنه يتكئ على الموقف الشعبي كثيراً في مواجهة مهدّدات البقاء، ما جعل الملك عبدالله الثاني، منذ ساعة الإعلان عن التهيئة لصفقة القرن، ثم تخفيضه التمثيل الأردني في ورشة المنامة في
يونيو/ حزيران 2109 إلى الحد الأدنى، يواصل الاستدارة إلى الداخل الأردني الموحد معه، بعدم الحماس لأي تواصل مع الكيان الصهيوني، فموجة الغضب الإسرائيلي ليست وليدة اللحظة، وهو ما يؤكّده مقرّبون من الملك الذي قال، في عدة لقاءات مع نخب سياسية وطنية، إنه لا يمكنه المساومة على الموضوع الفلسطيني وعلى قضايا الحل النهائي والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والتي تضغط إسرائيل من أجلها، الأمر الذي جعل بعض الإعلام الإسرائيلي، وعبر صحيفة معاريف خصوصاً، يصنّف الأردن وقيادته عدواً يجب الضغط عليه بفعل مواقفه التي يحافظ فيها على سيادته واستقلالية قراره.
لذلك، توالت التصريحات الإسرائيلية أخيراً التي لا ترى أن هناك سلاماً مع الأردن، وأن اتفاقية وادي عربة قرّرت الواقع وحسب، وأنتجت سلاماً بارداً، في حين يمضى الأردن شعبياً ورسمياً إلى مزيد من التعنت في التواصل أو التعامل مع كيان العدو، وحكومة يرأسها نتنياهو، في محاولةٍ أردنيةٍ ليست سهلة العواقب على رهان البديل الذي يمكن أن تنتجه الانتخابات المقبلة، والتي للأسف لا تعني، بالضرورة، غياب نتنياهو الذي قد يكون أمّن عودته إلى رئاسة الحكومة مبكراً، ما يعني مزيداً من الحماقات الإسرائيلية تجاه الأردن، في ظل ارتفاع منسوب توقع عودة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى ولاية ثانية، وفشل محاولات عزله.
الهجوم الإعلامي والسياسي الإسرائيلي أخيراً، وتوالي التصريحات فيه، ليس، في رأي مصدر 
مقرّب من القصر الأردني، مجرّد سحابة صيف في الإعلام، بل إنّ كل رؤوس الحكم في إسرائيل لا يطيقون الملك عبد الله الثاني، ولا يحبّذون حديثه في المحافل الدولية عن القضية الفلسطينية، لما يحوزه من ثقة في الغرب، باعتباره صوتاً عقلانياً في منطقةٍ ملتهبةٍ، ولاعتبارات أخرى.
لا تصنّف إسرائيل الأردن عدوّاً، وإنما ترى في قيادته حجر عثرة ضد مشاريعها. ويلفت خبير عسكري عمل مع الملك عبد الله إلى أن العقيدة القتالية للملك واضحة، بعدم التنازل أو التساهل مع الحكم في إسرائيل، ما جعل مواقف الأردن عبئاً على حكومة تل أبيب التي أخذت أبواقها تروّج أن الأردن مقبل على انتفاضة، وأن الاستقرار فيه مهدّد. ولم يجر ذلك كله من دون ارتياب إسرائيل من إعلان الأردن عن تمرين عسكري باسم "سيوف الكرامة"، في إشارة إلى إحياء المعركة الوحيدة، بعد النكبة والنكسة (1968)، والتي انتصر فيها جيش عربي على إسرائيل في معركة دروع مع مساهمة الفدائيين الفلسطينيين، وهو ما اعتبرته قناة 13 العبرية رسالةً سياسيةً قويةً من الأردن تجاه إسرائيل، سيما وأن التمرين ركّز على احتمال تعرّض الأردن لغزو أو عدوان من الغرب، وبالضرورة هو إسرائيل. ويُذكر أن علية القوم من أهل الحكم، وبحضور الملك، كانوا من شهود التمرين، وعرضت فيه خريطة رملية لتفاصيل الهجوم المحتمل. وقال رئيس مجلس النواب، المهندس عاطف الطراونة: "التفت إلى من كان بجانبي، قلت له إن الأسهم تشير إلى أن العدو قادم من الغرب، ولا يوجد عدو من الغرب غير إسرائيل. وكان الجواب بإقرار التخمين والتوقع"، في إشارة إلى أن الأردن يتوقع الأسوأ بعد إعلان نتنياهو عزمه ضمّ غور الأردن من الجهة الغربية.
.. لا بوادر تشير إلى تحسن العلاقات بين الطرفين، ولا يسعى الأردن إلى ذلك، دافعاً كل الشكوك التي تروّج قبوله "صفقة القرن"، ومؤكداً دوره في الوصاية على المقدّسات في القدس المحتلة، كما أنه غير مضطر كثيراً لتلك العلاقة التي لم تأت بأي إنجاز على الأرض بالنسبة للطرف الفلسطيني، الشريك مع الأردن في قضايا الحل النهائي، في سلام بات مجمّداً، وتلاشت كلّ آماله المزعومة.
F1CF6AAE-3B90-4202-AE66-F0BE80B60867
مهند مبيضين
استاذ التاريخ العربي الحديث في الجامعة الأردنية، ويكتب في الصحافة الاردنية والعربية، له مؤلفات وبحوث عديدة في الخطاب التاريخي والتاريخ الثقافي.