الأردن... في جذور العنف الجامعي

30 نوفمبر 2016
شكلت الجامعات سابقاً رافعة للعمل الوطني (صالح مالكاوي/الأناضول)
+ الخط -
نجحت المنظومة العقابية في الجامعات الأردنية خلال أشهر مضت بالحد من المشاجرات الطلابية، لكنها لم تنجح في القضاء على جذور الظاهرة. فالعقوبات المشددة التي أوقعتها الجامعات بحق طلبة تورطوا في المشاجرات، ووصلت في بعض الحالات إلى الفصل النهائي، لم تحقق الردع المطلوب، بدليل تكرر المشاجرات. وقبل أسبوع ضرب العنف الجامعة الأردنية (أم الجامعات)، بعد أشهر على غيابه، فخاض طلبة ينتمون إلى منطقتين جغرافيتين معركة للدفاع عن هويتهم المناطقية والعشائرية. وبعد تحشيد معلن استمر أياماً، وقعت المشاجرة التي أُسند فيها الطلبة بعناصر من خارج الجامعة واستخدمت فيها الحجارة والعصي والسكاكين، وأطلقت خلالها الأعيرة النارية، في مشهد ليس طارئاً على الجامعات الأردنية، لكنه كلما تكرر أثار الرعب.

بالضرورة سيعاقب الطلبة الذين يثبت، خلال التحقيق، تورطهم في المشاجرة، لكن السؤال الذي يفرض نفسه، بعد كل مشاجرة تشهدها الجامعات الأردنية ويتخذ بحق المتورطين فيها عقوبات قاسية، هل ستكون هذه المشاجرة الأخيرة؟ وفي الواقع العملي فإن الإجابة تكون دائماً لا. هذه ليست دعوة لإفلات الطلبة من العقوبات التي تعهدت رئاسة الجامعة الأردنية بتطبيقها، وسط تأييد مجتمعي ورسمي لتعهدها، لكنها دعوة لبحث حقيقي عن جذور ظاهرة العنف الجامعي، ووضع حلول لاجتثاثها لا تتوقف عند حدود تطوير المنظومة العقابية. وخلال عقود مضت، شكلت الجامعات رافعة للعمل الوطني ومحركاً للنشاط السياسي في البلاد، واستمرت كذلك حتى في عهد الأحكام العرفية، حين كان الطلبة يتنظمون بناءً على توجهات ومعتقدات فكرية، ويخوضون صراعاتهم بالحجة والمنطق. وخلال تلك الحقبة شكلت الجامعات مقصداً للباحثين عن العلم والمعرفة، ضمن معايير صارمة في التنافس على المقاعد الجامعية. خلال العقدين الأخيرين، تحولت الجامعات إلى مؤسسات ربحية، فتضاعفت رسوم الدراسة فيها مراراً، واستحدثت العديد من البرامج الدراسية باهظة الكلفة، وتنافست في ما بينها على استقطاب أعداد أكبر من الطلبة لرفد ميزانياتها. كما أفرغت الجامعات من العمل السياسي، وتم تفعيل المنظومة العقابية أيضاً لمطاردة المنظمين سياسياً، ليصبح الفراغ بيئة مؤاتية لتنمية الهويات الفرعية. بين الصورتين يكمن الخلل، وتصويبه يقتضي مراجعة عميقة للسياسات التعليمية والأمنية قبل فوات الأوان.

دلالات