استعدّ الطفل، يزيد الزامل، طويلاً لحفل زفاف أحد أبناء جيرانه الذي كان مدعواً إليه هو وعائلته. لكن خلال الحفل، حدث ما لم يكن متوقعاً. استقرت رصاصة طائشة في رأسه، فسقط قتيلاً.
كان قد رقص طويلاً ذلك المساء. لكنه لم يتمكن من نثر حبات "الملبّس" التي كانت بحوزته على العريس، بحسب التقاليد.
أُضيف هذا الطفل إلى لائحة ضحايا إطلاق الأعيرة النارية في الأفراح. حدث ذلك نهاية أغسطس/آب الماضي. كان يزيد يُراقب حفل الزفاف من على سطح منزله برفقة والديه وأخوته وعمه. بدا شديد الانسجام مع الموسيقى.
يقول والده غازي إنه "عندما اقترب طفله من حافة السطح ليلقي بالملبّس على العريس، أُصيب على الفور بطلقة من بندقية بومب أكشن أطلقها شاب عشريني".
يعجز الوالد عن إخفاء دموعه وهو يستذكر المشهد. "جاءت الطلقة في رأس يزيد، وفقأت عينيه. وتناثر الدم على وجه عمه الذي كان قريباً منه". سريعاً نقل الطفل إلى المستشفى، لكنه وصل في حالة وفاة دماغية، بحسب الطبيب سعود عجيلات الذي أشرف على علاجه.
يقول عجيلات لـ"العربي الجديد" إنّ "الطفل استمرّ في حالة موت سريري نتيجة لإصابته بتلف دماغي شديد ناتج من طلقة اخترقت الدماغ وتسببت بكسر في الجمجمة، ونزيف حاد وتلف بالعينين، ليفارق الحياة بعدها بتسعة أيام".
تُدرك الأسرة أنّ طفلها "لن يعود إلى الحياة ثانية". لكنّ الوالد الذي جلس طويلاً خارج غرفة العناية المركزة التي مكث فيها يزيد، يريد للآخرين أن يتعظوا. تغلبه الدموع ويقول: "تعالوا تفرجوا على ابني، اللي بيطخّو (الذين يطلقون النار) بالأعراس خلّهم يروا إبني. لو كان ابنهم شو بدهم يعملوا؟ خلّهم يحسّوا، ابني راح بسببهم".
سمير الزامل، وهو عمّ الطفل الذي كان الأقرب إليه لحظة الحادثة، يقول لـ"العربي الجديد" إنه "بعدما أُصيب يزيد، حملته وصرخت: الولد مات، الولد مات. فجأة توقفت الزغاريد والغناء واتجهت الأنظار إلى الأعلى".
يتابع: "أُصيب شقيقي غازي بصدمة عصبية ولم يستطع الكلام. أما والدة يزيد فأُصيبت بانهيار عصبي. نقلناهما إلى المستشفى للعلاج بالسيارة نفسها التي نقلت يزيد".
أما مازن (16 عاماً)، وهو الأخ الأكبر ليزيد، فقد لازم شقيقه طوال أيامه في المستشفى. يقول لـ"العربي الجديد"، وقد بدا شديد الحزن: "روحي كانت معلقة بروحه، والآن راح أخي".
في المقابل، أُودع مطلق النار السجن، في انتظار محاكمته، وسط إصرار عائلة الطفل، على عدم التنازل عن حقهم، حتى ينال العقوبة الرادعة.
قبل وفاة يزيد أشارت إحصائيات الأمن العام إلى مقتل شخصين، نتيجة للعيارات النارية التي أطلقت في الأفراح، منذ مطلع العام الجاري، فيما أصيب 34 آخرون توزعت إصاباتهم بين المتوسطة والشديدة، رغم حملات التوعية الهادفة للقضاء على الظاهرة، وتشديد العقوبة على مطلقي الأعيرة النارية.
ويبدو أن الفشل هو مصير حملات التوعية الكثيرة، رغم أنها طالت العشائر. حتى أنّ عدداً من الزعماء وقعوا على مواثيق شرف، تدعو إلى عدم إطلاق الأعيرة النارية في الأفراح. ومع ذلك لا تلاقي عبارة "ممنوع اطلاق الأعيرة النارية" التي بدأت تظهر في بطاقات الدعوة آذاناً صاغية من قبل المدعوين، الذين يعتبرونه شكلاً من أشكال الفرح.
خطر الأعيرة النارية في الأفراح دفع وزير الصحة الأردني، علي حياصات، الشهر الماضي، إلى دعوة الأردنيين إلى عدم المشاركة في الأفراح التي يتخلّلها إطلاق الأعيرة.
وكانت وزارة العدل الأردنية قررت مطلع العام 2010، تحويل مطلقي الأعيرة النارية في الأفراح والمناسبات الاجتماعية إلى محكمة أمن الجنايات الكبرى. كما قررت إسناد تهمة القتل العمد لهم في حال الوفاة، وهي التهمة التي تصل عقوبتها إلى السجن لمدة 15 عاماً.
وتجدر الإشارة إلى أن السلاح ينتشر بكثافة بين الأردنيين. وتشير دراسة للباحث المتخصص بدراسات السلام والنزاعات محمود الجندي إلى "وجود نحو مليون و200 ألف قطعة سلاح بيد الأردنيين، أي بنسبة 23.8 في المئة".
وتكفي مشاهدة مقاطع الفيديو المنتشرة على موقع "يوتيوب" للمناسبات الأردنية، لمعرفة حجم الخطر الذي يشكله إطلاق الأعيرة النارية خلالها، إذ يشعر المشاهد أنه في حرب لا في مناسبة اجتماعية.