الأدب الجزائري في عشر سنوات: محاولة لجسر هوّة

18 يوليو 2020
من "جامعة الجزائر" في الجزائر العاصمة (Getty)
+ الخط -

تبدو المسافة بين الحقلَين الأدبي والأكاديمي في الجزائر، وربما في البلاد العربية بشكلٍ عام، متباعدةً إلى حدّ كبير: يتّسمُ الأوّل بتغيُّرٍ مستمرٍّ لا يكاد يتوقّف عن إفراز أسماء وقضايا وثيمات وتقنيات جديدة، بينما يبدو الثاني ثابتاً عند قضايا محدَّدة وأسماء بعينها عادةً ما تكونُ الأكثر تكريساً وطنياً أو عربياً أو عالمياً، وعادةً ما تُستعاد من الأجيال السابقة (من جيل الروّاد خصوصاً) التي استهلكتها البحوث الأكاديمية، مع اهتمامٍ خاصٍّ بالكتّاب الأكاديميّين الذين تلعب العلاقات العامّة الدور الأبرز في تناوُل نصوصهم بالبحث والدراسة، حتّى أنَّ جزءاً منهم يفرضُ على طلبته، بشكلٍ ضمني أو صريح، اتّخاذ كتاباته موضوعاً لرسائل التخرُّج.

جَسرُ هذه الهوّة الشاسعة بين الأدبيِّ والأكاديمي يبدو أحد أهداف مشروعٍ أعلن عنه مؤخّراً "مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية" في مدينة وهران غربَي الجزائر، ويتمثّل في إنجاز قاعدة بيانات حول الأدب الجزائري الذي كُتب ونُشر خلال الفترة بين 2010 و2020، وإتاحتها للأساتذة والطلبة والباحثين.

يضمُّ المشروع عشرة باحثين من عدّة جامعات جزائرية، يتوزّعون ضمن ثلاث فرقٍ تتولّى كلٌّ منها لغةً من اللغات الثلاث الرئيسية التي كُتبت بها تلك النصوص؛ العربية والأمازيغية والفرنسية.

توثيق التراث الأدبي الجزائري قد يتيح فهمه بشكل أفضل

في حديثه إلى "العربي الجديد"، يقول الباحثُ والأكاديمي الجزائري محمد بن داود، الذي يُشرف على الشقّ المخصّص للأدب المكتوب بالعربية، إنَّ المشروع يُجسّد اشتغالاً بدأه منذ التحاقه بـ "مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية" قبل عشرين عاماً؛ حيثُ "أنشأنا عدّة فِرقٍ للبحث حول الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية ونظّمنا عدداً من الندوات والملتقيات الوطنية والدولية ونشرنا مجموعةً من المؤلّفات، بمشاركة أكاديميّين يشتغلون على الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية، مِن بينهم الباحث الحاج ملياني الذي التقيتُ به قبل سنةٍ وفكّرنا في إعداد خريطةٍ للأدب الجزائري الذي كُتب في السنوات العشر الأخيرة، ثمّ قدّمنا المشروع للمجلس العلمي للمركز الذي وافق عليه. وتقرّر أن أتولّى الشقّ المكتوب بالعربية، ويتولّى ملياني الشقّ المكتوب بالفرنسية، ويتولّى الأكاديمي محند آكلي صالحي الشقّ المكتوب بالأمازيغية".

تكمنُ أهمية المشروع، بحسب داود، في سعيه إلى توثيق التراث الأدبي الجزائري وتقديم معلوماتٍ وافيةً عنه، مضيفاً: "ما مِن شكّ في أنَّ إنجاز معاجم خاصة بالكتّاب ومصنّفات للأعمال الأدبية ونشرها على نطاق واسع يُسهم في حفظ المُنجَز الأدبي وتوثيقه علمياً والتعريف به، وفهمه بشكل أفضل".

ويعتبرُ الأستاذُ في "جامعة أحمد بن بلّة" بوهران أنَّ الوفرةَ التي تُميّز المدوّنة الأدبية الجزائرية، إضافةً إلى تعدُّدها من حيث الأجناس والثيمات واللغات المكتوب بها والتوزُّع الجغرافي للكتّاب (توزيع داخل الجزائر وآخر خارجها) تُلقي على فريق البحث مزيداً مِن الأسئلة التي تعلّق بالمنهجية التي يُمكن اعتمادها، ومعايير الانتقاء والتصنيف، والانعكاسات التي تترتّب عنها.

حول الطرائق التي يعتمدُها فريق البحث في إجراء مسحٍ للأعمال الأدبية الجزائرية والمدّة المقرّرة لإكمال المشروع، يوضّح داود أنَّ العملية ستستمرُّ طيلة ثلاث سنواتٍ، على أنْ يُجرى نهاية كلّ سنةٍ تقييمٌ لما أُنجز خلالها، مضيفاً أنَّ العمل يتّخذ طرائق عدّة؛ مثل الاستقصاء الميداني، وجمعُ كلّ ما كُتب عن الأعمال المنشورة خلال عقدٍ من مقالاتٍ صحافية ورسائل جامعية، إضافةً إلى إحصاء المدوّنات الشخصيّة للكتّاب الجزائريّين، والاتصال المباشر بالفاعلين في الحقل الأدبي: "في هذا السياق، قدّمنا استمارةً أُولى لعددٍ من الكتّاب حول إصداراتها، وسنُلحقها باستمارة ثانية تتضمّن تفاصيل ومعطياتٍ أكثر حول الكاتب وكُتُبه". 

ويُشير المتحدّث، هنا، إلى أنَّ المشروع استُبق بلقاءَين شارك فيهما أكاديميّون وباحثون وطلبةٌ وكتّابٌ وناشرون وصحافيّون، تناول الأوّل "المعاجم الأدبية" والثاني "الملاحق الأدبيةَ في الصحف الجزائرية"، ليضيف بأنَّ اللقاءات ستتواصُل بمجرّد رفع الحجر الصحّي المفروض بسبب وباء كورونا "بغيةَ تعميق الأسئلة وضبط منهجية العمل وتدقيق خطّته وتقييم البرنامج المنجَز".

لكن، لماذا جرى حصرُ المجال الزمني للخريطة بين 2010 و2020؟ وهل يعني ذلك أنَّ ثمّةَ مشاريع بحثية مماثلة أُنجزت في السنوات الأخيرة حول الأدب الجزائري المكتوب قبل الألفية الجديدة؟ يُجيب محمّد داود عن سؤال "العربي الجديد" بالقول إنّ المشروع ينحصر في هذه الفترة لكونها شهدت نشر إنتاج أدبي غزير، وبروز عددٍ كبير من الأسماء في أجناس أدبية مختلفة، وهو ما يقتضي من الباحثين "إمعان النظر النقدي في هذه النصوص وتصنيفها وإنجاز دراسات وتحاليل معمّقة حولها"، وفق تعبيره، مضيفاً أنّ المشروع يأتي كامتدادٍ لدراساتٍ ومعاجمَ وموسوعاتٍ تناولت الأدب الجزائري منذ القِدَم إلى العصر الحالي؛ من بينها: "موسوعة العلماء والأدباء الجزائريّين" لـ رابح خدوسي، و"معجم الأدباء الجزائريّين" لعاشور شرفي، و"معجم الروائيّين الجزائريّين" لسليم الجاي.

 

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون
The website encountered an unexpected error. Please try again later.