انتهى جدل قانون الانتخابات المحلية في تونس بعد أشهر من التجاذبات، التي لم تتبيّن جدواها عدا بعض المكاسب الجزئية لهذا الحزب أو ذاك، وربح مزيد من الوقت لأحزاب غير مستعدة، وأخرى تحاول أن تكسب رهاناً قد يغيّر من طبيعة المشهد السياسي. ولم يعد أمام هذه الأحزاب إلا الانطلاق في الاستعداد الفعلي لمعركة ستبيّن حقيقة انتشارها بين الناس، وتنهي أوهاماً لدى أخرى.
وستبيّن نتائج الانتخابات البلدية التونسية نهاية هذا العام، على الرغم من نسبيتها، مدى وصول هذه الأحزاب إلى التونسيين في قراهم ومدنهم، وحقيقة اهتمامها بمشاكلهم البسيطة اليومية، وأيضاً مدى ثقة التونسيين في هذه الكيانات السياسية التي سيطرت على كامل المشهد.
ولكن الأرقام تشير إلى تراجع مخيف في العلاقة بين الطرفين، على الرغم من أن الانتخابات البلدية لا تشهد مشاركة شعبية واسعة، إلا أن ما كشفته أرقام الاستطلاعات أخيراً تبعث على القلق وتدعو إلى التساؤل. فقد كشفت دراسة لمؤسسة "سيغما كونساي"، المتخصصة في سبر الآراء، عن أن نسبة المقاطعين للانتخابات البلدية قد تبلغ 22.3 في المائة في حين أن 45.1 في المائة من المستجوبين لا يعرفون لمن سيصوّتون و9.9 في المائة رفضوا الإجابة عن السؤال، ما يعني ان نسبة 77.3 في المائة تقريباً تبقى إلى حد الآن خارج حسابات الأحزاب.
وأفادت الدراسة بأن 9.3 سيصوتون لـ"نداء تونس" و7.4 لحركة "النهضة" و3.8 لـ"الجبهة الشعبية"، و1.3 لـ"الاتحاد الوطني الحر" و0.8 لـ"إرادة تونس" و"المؤتمر" و0.3 لـ"آفاق تونس" و0.5 لـ"تيار المحبة" و0.4 لـ"التيار الديمقراطي". وعلى الرغم من أن هذه الأرقام تبقى نسبية ومرشحة للارتفاع مع انطلاق الحملات الانتخابية، إلا أنها تشكل أرضية عمل لهذه الأحزاب لتبني عليها برامجها الانتخابية.
وقد تكشف نتائج الانتخابات عن أن حقيقة الشارع التونسي مخالفة للتوقعات، خصوصاً أن هذه الأرقام لم تشر إلى عامل مهم في الانتخابات البلدية، وهو عامل القرب، إذ تترشح عادة شخصيات محلية معروفة في هذه المناطق الصغيرة. وستسعى الأحزاب طبعاً إلى محاولة استقطابها في قوائمها وتسخير الواقع المحلي لصالحها، بينما سيتركز الصراع بالضرورة حول نسبة الـ45 في المائة التي لا يُعرف بعد لمن ستمنح أصواتها، ما يفترض أولاً إقناعها بالتصويت في ظل عزوف شعبي عن صندوق الاقتراع، بانت معالمه منذ الانتخابات التشريعية والرئاسية الماضية، وعكس واقعاً سلبياً عن علاقة التونسيين عموماً بالممارسة الانتخابية وبالأحزاب السياسية المطالَبة بتغيير مناهجها في إقناع الناخبين بالتوجه إلى صندوق الاقتراع وبأهمية هذا الأمر في المرحلة الانتقالية.
اقــرأ أيضاً
ولكن كل هذا العمل يتطلب فترات زمنية طويلة، لا تتوفر للأحزاب التونسية المنشغلة دائماً في معارك جانبية ومناكفات أيديولوجية لا تنتهي، ولم يبق على الانتخابات إلا بضعة أشهر. وقد أكد رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات، شفيق صرصار، أن أجندة الانتخابات البلدية جاهزة وتم إعدادها منذ أشهر ولم يبق سوى نشر القانون في الجريدة الرسمية للجمهورية التونسية، ليتم تحديد الموعد الانتخابي في مرحلة ثانية، ثم يجري الإعلان بصفة رسمية عن تفاصيل الخريطة الانتخابية وكل المواعيد الخاصة بيوم الاقتراع والحملة الانتخابية وقبول الطعون ومواعيد الإعلان عن النتائج.
وتشير المعطيات الأولية، التي حصلت عليها "العربي الجديد"، إلى أن هناك مقترحاً لكي يكون يوم الاقتراع في الانتخابات البلدية المقبلة موافقاً ليوم الأحد 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 على أن يُخصص يوم لاقتراع الأمنيين والعسكريين قبل أسبوع من انتخاب المدنيين أو أكثر وقد يُقترح يوم الأحد 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 موعداً لذلك.
وتبدو الانتخابات البلدية عملية صعبة جداً على الأحزاب الصغيرة، التي لن تقدر على التنافس في كل الدوائر، وهي صعبة أيضاً على الأحزاب الكبيرة، بما فيها "النهضة" و"نداء تونس"، إذ سيدور التنافس في 350 منطقة بلدية و24 مجلساً مناطقياً موزعاً على مختلف محافظات البلاد، مما يعني أن على الأحزاب التنافس على حوالى 7224 مقعداً وترشيح أكثر من 14500 شخص موزعين على القوائم الأساسية والاحتياطية، وسيتطلب الترشح في 350 دائرة انتخابية والحملات الانتخابية لكل القوائم إمكانيات مادية ولوجستية جبّارة، لا تتوفر لأغلب الأحزاب التونسية التي ستبحث عن تقاسم هذه الأعباء وتقديم قوائم مشتركة. ولكن هذا الأمر يفترض تقارباً سياسياً مسبقاً، واتفاقاً مستقبلياً على إدارة الشأن المحلي في كل المناطق بما يعنيه من ذلك من توافق حول تقاسم الحكم، بالنظر إلى أهمية هذه الانتخابات في رسم مستقبل البلاد. وقد شرعت بعض الأحزاب بالفعل في الاستعداد لذلك، على الرغم من أن تجربة الانتخابات الماضية أثبتت حالة من الفشل العام في التنازل المتبادل وتشكيل قوائم ائتلافية واسعة.
ولكن الاتفاق الحقيقي، الذي يمكن أن يسيطر على أغلب المشهد المحلي، هو الاتفاق الممكن بين "النهضة" و"نداء تونس". وقد أشار رئيس "النهضة"، راشد الغنوشي، في حوار مع وكالة "الأناضول"، إلى حرصهم "على ألا يحدث في الانتخابات البلدية استقطاب ثنائي بين تيارين، وإنما أن تتمّ الانتخابات في ظلّ توافقات"، مضيفاً: "نحن منفتحون على التوافقات مع الجميع، بما في ذلك تشكيل قوائم مشتركة". وأعلن أن "النهضة لم تضبط استراتيجيتها بعد، وهي حريصة على العمل المشترك والتوافق وعلى انتخابات بلدية تعزز ديمقراطيتنا ولا تجعل منها صدمة وتراجعاً إلى الوراء وإنما مُضيٌّ إلى الأمام"، قائلاً إن "بلادنا احتاجت ولا تزال محتاجة وستستمر إلى أمد محتاجة إلى تجربة التوافق".
ولكن "نداء تونس" غير قادر في ظل حالة الانقسامات التي يعيشها، أن يجيب بالسرعة المطلوبة على اقتراح كهذا، على الرغم من أن بعض قياديّيه لمحوا إلى الرفض، وربما تكون هذه الانتخابات فرصة جديدة لاستمرار التنافس بين الحزبين وامتحاناً جديداً لجديّة التوافق بين الحزبين.
اقــرأ أيضاً
وستبيّن نتائج الانتخابات البلدية التونسية نهاية هذا العام، على الرغم من نسبيتها، مدى وصول هذه الأحزاب إلى التونسيين في قراهم ومدنهم، وحقيقة اهتمامها بمشاكلهم البسيطة اليومية، وأيضاً مدى ثقة التونسيين في هذه الكيانات السياسية التي سيطرت على كامل المشهد.
وأفادت الدراسة بأن 9.3 سيصوتون لـ"نداء تونس" و7.4 لحركة "النهضة" و3.8 لـ"الجبهة الشعبية"، و1.3 لـ"الاتحاد الوطني الحر" و0.8 لـ"إرادة تونس" و"المؤتمر" و0.3 لـ"آفاق تونس" و0.5 لـ"تيار المحبة" و0.4 لـ"التيار الديمقراطي". وعلى الرغم من أن هذه الأرقام تبقى نسبية ومرشحة للارتفاع مع انطلاق الحملات الانتخابية، إلا أنها تشكل أرضية عمل لهذه الأحزاب لتبني عليها برامجها الانتخابية.
وقد تكشف نتائج الانتخابات عن أن حقيقة الشارع التونسي مخالفة للتوقعات، خصوصاً أن هذه الأرقام لم تشر إلى عامل مهم في الانتخابات البلدية، وهو عامل القرب، إذ تترشح عادة شخصيات محلية معروفة في هذه المناطق الصغيرة. وستسعى الأحزاب طبعاً إلى محاولة استقطابها في قوائمها وتسخير الواقع المحلي لصالحها، بينما سيتركز الصراع بالضرورة حول نسبة الـ45 في المائة التي لا يُعرف بعد لمن ستمنح أصواتها، ما يفترض أولاً إقناعها بالتصويت في ظل عزوف شعبي عن صندوق الاقتراع، بانت معالمه منذ الانتخابات التشريعية والرئاسية الماضية، وعكس واقعاً سلبياً عن علاقة التونسيين عموماً بالممارسة الانتخابية وبالأحزاب السياسية المطالَبة بتغيير مناهجها في إقناع الناخبين بالتوجه إلى صندوق الاقتراع وبأهمية هذا الأمر في المرحلة الانتقالية.
ولكن كل هذا العمل يتطلب فترات زمنية طويلة، لا تتوفر للأحزاب التونسية المنشغلة دائماً في معارك جانبية ومناكفات أيديولوجية لا تنتهي، ولم يبق على الانتخابات إلا بضعة أشهر. وقد أكد رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات، شفيق صرصار، أن أجندة الانتخابات البلدية جاهزة وتم إعدادها منذ أشهر ولم يبق سوى نشر القانون في الجريدة الرسمية للجمهورية التونسية، ليتم تحديد الموعد الانتخابي في مرحلة ثانية، ثم يجري الإعلان بصفة رسمية عن تفاصيل الخريطة الانتخابية وكل المواعيد الخاصة بيوم الاقتراع والحملة الانتخابية وقبول الطعون ومواعيد الإعلان عن النتائج.
وتشير المعطيات الأولية، التي حصلت عليها "العربي الجديد"، إلى أن هناك مقترحاً لكي يكون يوم الاقتراع في الانتخابات البلدية المقبلة موافقاً ليوم الأحد 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 على أن يُخصص يوم لاقتراع الأمنيين والعسكريين قبل أسبوع من انتخاب المدنيين أو أكثر وقد يُقترح يوم الأحد 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 موعداً لذلك.
وتبدو الانتخابات البلدية عملية صعبة جداً على الأحزاب الصغيرة، التي لن تقدر على التنافس في كل الدوائر، وهي صعبة أيضاً على الأحزاب الكبيرة، بما فيها "النهضة" و"نداء تونس"، إذ سيدور التنافس في 350 منطقة بلدية و24 مجلساً مناطقياً موزعاً على مختلف محافظات البلاد، مما يعني أن على الأحزاب التنافس على حوالى 7224 مقعداً وترشيح أكثر من 14500 شخص موزعين على القوائم الأساسية والاحتياطية، وسيتطلب الترشح في 350 دائرة انتخابية والحملات الانتخابية لكل القوائم إمكانيات مادية ولوجستية جبّارة، لا تتوفر لأغلب الأحزاب التونسية التي ستبحث عن تقاسم هذه الأعباء وتقديم قوائم مشتركة. ولكن هذا الأمر يفترض تقارباً سياسياً مسبقاً، واتفاقاً مستقبلياً على إدارة الشأن المحلي في كل المناطق بما يعنيه من ذلك من توافق حول تقاسم الحكم، بالنظر إلى أهمية هذه الانتخابات في رسم مستقبل البلاد. وقد شرعت بعض الأحزاب بالفعل في الاستعداد لذلك، على الرغم من أن تجربة الانتخابات الماضية أثبتت حالة من الفشل العام في التنازل المتبادل وتشكيل قوائم ائتلافية واسعة.
ولكن "نداء تونس" غير قادر في ظل حالة الانقسامات التي يعيشها، أن يجيب بالسرعة المطلوبة على اقتراح كهذا، على الرغم من أن بعض قياديّيه لمحوا إلى الرفض، وربما تكون هذه الانتخابات فرصة جديدة لاستمرار التنافس بين الحزبين وامتحاناً جديداً لجديّة التوافق بين الحزبين.