تعد أزمة تدني الأجور وعدم تناسبها مع الأسعار، إحدى نتائج أزمة الاقتصاد المصري، خاصة مع ارتفاع معدلات التضخم (تجاوزت31% بعد قرار تعويم الجنيه) كما تتصف بالظلم والتمييز، نظرا للخلل في توزيع الأجور ما بين عموم الموظفين وكبار المسؤولين من جهة، وبين القطاعات التي تتوزع فيها العمالة المختلفة من جهة أخرى.
ويمثل بند الأجور عبئاً على الموازنة، نظرا لبؤس نمط الاقتصاد وعجزه عن تحقيق عوائد من القطاعات الإنتاجية، واعتماده على الضرائب التي يدفعها المواطنون، وهذا العبء ليس كما يروج أتباع السلطة ـ أنه نتاج حجم العمالة، فقد تعرضت قوة العمل بالقطاع الحكومي لانخفاض مستمر منذ 2014 (انخفضت 13%)، لذا تبرير انخفاض الأجور بزيادة حجم العمالة باطل، بالإضافة إلى أن مسؤولية انخفاض ناتج أي قطاع حكومي ترجع أساسا إلى أسلوب الإدارة وعمليات النهب وعدم استثمار الموارد البشرية والمادية بشكل جيد.
وفى النهاية فإن ضعف موارد الدولة، يجب إلا يتحمله العاملون بل نكاد نقول إن ضعف الموارد يتحمله من يقود دفة الاقتصاد ونوع السياسات الاقتصادية والإدارة، وكلها تتسم بثلاثية سوء الإدارة والفساد وانحياز السياسات، وعدم ترتيب الأولويات بشكل صحيح، والسياسات الاقتصادية هي المسؤولة عن تراجع فرص العمل وتدني مستوى الأجور وزيادة الأسعار.
يؤثر الخلل المتزايد بين الأجور والأسعار على العاملين بالدولة، والذين يقدرون بـ 5 ملايين و22 ألفاً حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2017، ومجمل المشتغلين الذين يقدرون بـ 26 مليوناً، وكذلك يؤثر على القدرة التفاوضية لمجمل قوة العمل التي تزيد عن 29.5 مليوناً، والتي تعيش تحت ضغوط تؤدي إلى تخفيض سعر قوة العمل إلى أدنى مستويات له.
اقــرأ أيضاً
في ظل هذا البؤس والإفقار الممنهج الذي كرسته الحكومات المتتالية، وصعدت وتيرته منذ 2016، عبر تحرير سعر الصرف، وتقليص النفقات الاجتماعية، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي زيادة الحد الأدنى للأجور من 1200 جنية إلى 2000 جنية، وأيضا رفع الحد الأدنى للمعاشات.
وهنا لا بد من الإشارة إلى عدة نقاط ومؤشرات تتوه في خضم الدعاية الواسعة للقرار، وهو ذاته الذي كان محل هجوم واسع تقريبا من ذات الفئات التي تهلل له اليوم.
أولا: يشمل قرار زيادة أجور العاملين في جهاز الدولة دون غيرهم، وهم نسبة محدودة، وبالتالي فهناك ظلم للعاملين في القطاع الخاص، خاصة أن الدولة لم توجه القطاع بالالتزام به، ومع الأخذ في الاعتبار أن القرارات الخاصة بالحد الأدنى للأجور لا بد من أن تشمل كافة العاملين، وهذا ينقلنا إلى تحليل دور الدولة في تنظيم سوق العمل، وعلاقتها بقوى الرأسمال، والمستثمرين، ويبين تغافلها وعجزها عن تطبيق القرار بالقطاع الخاص، ويبرز في ذات الوقت قوة القطاع الخاص في مواجهة متخذي القرار، وموقف الدولة من علاقات العمل في القطاع الخاص.
اقــرأ أيضاً
ثانيا: يتضح من توقيت القرار أنه يرتبط بمحاولة رسم صورة عن مؤسسة الرئاسة أنها تؤمن بمبادئ العدالة الاجتماعية، وتنحاز إلى العاملين بأجر، إلا أن القرار المتعلق بزيادة الأجور يتزامن كما هو واضح للجميع مع عدة أحداث أولها ما يجري على الساحة السياسية من دعوات لتأييد التعديلات الدستورية التي تسمح بمد فترات رئاسة الجمهورية وبقاء الطبقة الحاكمة في السلطة متمثلة في السيسي وهيمنة الأجهزة المعاونة له، وإخضاع السلطات التنفيذية والتشريعية بشكل كامل.
ثالثا: يأتي هذا القرار في ظل زيادة حدة الأزمة الاقتصادية وما يترتب عليها من احتقان اجتماعي ملحوظة بعض مظاهره، في تعبيرات هنا وهناك صحيح أنها لم تسفر عن حراك لكن لا يعني ذلك عدم وجودها.
رابعا: ترتبط قرارات رفع الأجور والعلاوات بالعاملين بجهاز الدولة، وهي من ناحية تحاول استرضاءهم، بوصفهم أدوات البيروقراطية المصرية المرتبطة اغلبها بالسلطة، ويمثل العاملون للدولة بالنسبة للسلطة أدوات ممكن تحريكها الفترة القادمة في تمرير التعديلات الدستورية، وكذلك ضمان اتباع التوجيهات في مسألة إظهار التأييد والتعبئة والحشد، أي أن القرار جاء ليضمن استجابة العاملين في الدولة للأوامر أو التوجهات التي ستصدر للقطاعات العاملة بجهاز الدولة سواء في التصويت أو الحشد أو الدعاية، وهنا تظهر العلاقات الاقتصادية بوصفها إحدى أدوات الإخضاع والهيمنة والاستمالة والاستقطاب، وهو ما يقل بالنسبة للقطاع الخاص نسبيا، بحكم هشاشة علاقات العمل.
خامسا: عند قياس معدلات التضخم بعد تعويم الجنية، وخاصة ما طرأ من زيادات في الأسعار سنجد أن القوة الشرائية أصبحت في تراجع مستمر، وأن زيادة الأجور لن تضيف كثيرا أو تعوض تراجع القوة الشرائية للأجور، وهذا لا يعني إن القرار ليس صحيحا أو ضروريا، لكنه في نفس الوقت يعد زيادة ورقية لا تعيد القوة الشرائية للحد الأدنى للأجور كما كان قبل 2014.
سادسا: في مغالطة كبرى تستخدم الزيادات في الأجور لتبرير برنامج الإصلاح الاقتصادي بوصفها إحدى نتائج وثمار برنامج الإصلاح الاقتصادي والذي تضمن إجراءات مالية ونقدية كتعويم الجنية وإجراءات أخرى اقتصادية كرفع أسعار السلع والخدمات وتخفيض الدعم، وفي الحقيقة فإن تجارب المصريين مع برامج الخصخصة والتكيف الهيكلي وكل ما يندرج تحت بنود الإصلاح الاقتصادي كانت ومازالت مريرة، وأنتجت كوارث، منها انسحاب الدولة من مجالات الاستثمار الزراعي والصناعي، وتراجع الخدمات، ورفع أسعارها بشكل لا يسمح للأجور بتلبية تلك الخدمات والسلع.
ويمثل بند الأجور عبئاً على الموازنة، نظرا لبؤس نمط الاقتصاد وعجزه عن تحقيق عوائد من القطاعات الإنتاجية، واعتماده على الضرائب التي يدفعها المواطنون، وهذا العبء ليس كما يروج أتباع السلطة ـ أنه نتاج حجم العمالة، فقد تعرضت قوة العمل بالقطاع الحكومي لانخفاض مستمر منذ 2014 (انخفضت 13%)، لذا تبرير انخفاض الأجور بزيادة حجم العمالة باطل، بالإضافة إلى أن مسؤولية انخفاض ناتج أي قطاع حكومي ترجع أساسا إلى أسلوب الإدارة وعمليات النهب وعدم استثمار الموارد البشرية والمادية بشكل جيد.
وفى النهاية فإن ضعف موارد الدولة، يجب إلا يتحمله العاملون بل نكاد نقول إن ضعف الموارد يتحمله من يقود دفة الاقتصاد ونوع السياسات الاقتصادية والإدارة، وكلها تتسم بثلاثية سوء الإدارة والفساد وانحياز السياسات، وعدم ترتيب الأولويات بشكل صحيح، والسياسات الاقتصادية هي المسؤولة عن تراجع فرص العمل وتدني مستوى الأجور وزيادة الأسعار.
يؤثر الخلل المتزايد بين الأجور والأسعار على العاملين بالدولة، والذين يقدرون بـ 5 ملايين و22 ألفاً حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2017، ومجمل المشتغلين الذين يقدرون بـ 26 مليوناً، وكذلك يؤثر على القدرة التفاوضية لمجمل قوة العمل التي تزيد عن 29.5 مليوناً، والتي تعيش تحت ضغوط تؤدي إلى تخفيض سعر قوة العمل إلى أدنى مستويات له.
يصبح المواطن في ظل الدخل المنخفض وخاصة شرائح الطبقات الفقيرة وأغلب شرائح الطبقة الوسطى (ما يقارب 70%) ما بين فكي الرحى، دولة لا تقوم بعملية تنمية صناعية وزراعية توفر السلع والخدمات بأسعار تناسب دخولهم، وفي ذات الوقت تطبق برنامجا للإصلاح الاقتصادي يخفض بنود الإنفاق الاجتماعي مما يحمل المواطن أعباء جديدة، تخلق موجات تضخمية متتالية تدل عليها مؤشرات التضخم التي عاودت الارتفاع منذ بداية عام 2019.
ومع التضخم يكون المواطن صريع السوق الذي تتركه الدولة بلا ضابط ولا محددات، بل تتعاون معه وتسمح للاحتكارات بمد أنشطتها لتستغل المستهلكين، بداية من أسعار الغذاء والدواء وانتهاء بخدمات السكن والعلاج والتعليم والمواصلات، وتتقلص أدوار الدولة في مواجهة التضخم بدعوات زائفة عن المقاطعة لا تصلح لمجمل السلع.في ظل هذا البؤس والإفقار الممنهج الذي كرسته الحكومات المتتالية، وصعدت وتيرته منذ 2016، عبر تحرير سعر الصرف، وتقليص النفقات الاجتماعية، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي زيادة الحد الأدنى للأجور من 1200 جنية إلى 2000 جنية، وأيضا رفع الحد الأدنى للمعاشات.
وهنا لا بد من الإشارة إلى عدة نقاط ومؤشرات تتوه في خضم الدعاية الواسعة للقرار، وهو ذاته الذي كان محل هجوم واسع تقريبا من ذات الفئات التي تهلل له اليوم.
أولا: يشمل قرار زيادة أجور العاملين في جهاز الدولة دون غيرهم، وهم نسبة محدودة، وبالتالي فهناك ظلم للعاملين في القطاع الخاص، خاصة أن الدولة لم توجه القطاع بالالتزام به، ومع الأخذ في الاعتبار أن القرارات الخاصة بالحد الأدنى للأجور لا بد من أن تشمل كافة العاملين، وهذا ينقلنا إلى تحليل دور الدولة في تنظيم سوق العمل، وعلاقتها بقوى الرأسمال، والمستثمرين، ويبين تغافلها وعجزها عن تطبيق القرار بالقطاع الخاص، ويبرز في ذات الوقت قوة القطاع الخاص في مواجهة متخذي القرار، وموقف الدولة من علاقات العمل في القطاع الخاص.
ثانيا: يتضح من توقيت القرار أنه يرتبط بمحاولة رسم صورة عن مؤسسة الرئاسة أنها تؤمن بمبادئ العدالة الاجتماعية، وتنحاز إلى العاملين بأجر، إلا أن القرار المتعلق بزيادة الأجور يتزامن كما هو واضح للجميع مع عدة أحداث أولها ما يجري على الساحة السياسية من دعوات لتأييد التعديلات الدستورية التي تسمح بمد فترات رئاسة الجمهورية وبقاء الطبقة الحاكمة في السلطة متمثلة في السيسي وهيمنة الأجهزة المعاونة له، وإخضاع السلطات التنفيذية والتشريعية بشكل كامل.
رابعا: ترتبط قرارات رفع الأجور والعلاوات بالعاملين بجهاز الدولة، وهي من ناحية تحاول استرضاءهم، بوصفهم أدوات البيروقراطية المصرية المرتبطة اغلبها بالسلطة، ويمثل العاملون للدولة بالنسبة للسلطة أدوات ممكن تحريكها الفترة القادمة في تمرير التعديلات الدستورية، وكذلك ضمان اتباع التوجيهات في مسألة إظهار التأييد والتعبئة والحشد، أي أن القرار جاء ليضمن استجابة العاملين في الدولة للأوامر أو التوجهات التي ستصدر للقطاعات العاملة بجهاز الدولة سواء في التصويت أو الحشد أو الدعاية، وهنا تظهر العلاقات الاقتصادية بوصفها إحدى أدوات الإخضاع والهيمنة والاستمالة والاستقطاب، وهو ما يقل بالنسبة للقطاع الخاص نسبيا، بحكم هشاشة علاقات العمل.
خامسا: عند قياس معدلات التضخم بعد تعويم الجنية، وخاصة ما طرأ من زيادات في الأسعار سنجد أن القوة الشرائية أصبحت في تراجع مستمر، وأن زيادة الأجور لن تضيف كثيرا أو تعوض تراجع القوة الشرائية للأجور، وهذا لا يعني إن القرار ليس صحيحا أو ضروريا، لكنه في نفس الوقت يعد زيادة ورقية لا تعيد القوة الشرائية للحد الأدنى للأجور كما كان قبل 2014.
يمكن التدليل على ذلك بعدة طرق منها حساب الحد الأدنى للأجر السابق 1200 جنيه بما يوازيه بالدولار قبل قرار التعويم (132 دولاراً تقريبا) وحساب القيمة حين تطبق مستقبلا 2000 جنية (115 دولاراً تقريبا)، سنجد إن الأجور / القدرة الشرائية انخفضت، ويزيد هذا التأثير المرتبط بالتعويم نظرا لاعتماد المواطنين والدولة على تغطية أغلب السلع عبر الاستيراد بالدولار، وهناك طريقة أخرى وهي حساب تكلفة سلة السلع الأساسية للفرد قبل 2016 وحسابها اليوم، ستجد أن القدرة الشرائية لـ 1200 جنيه قبل التعويم أكبر من الحد الأدنى الجديد، يمكنك حساب تكلفة عناصر محددة كالطعام الضروري والمواصلات والسكن والتعليم وفاتورة المياه والكهرباء، بعدها تمكن المقارنة حتى بدون إضافة باقي البنود لنعرف الفرق.
سادسا: في مغالطة كبرى تستخدم الزيادات في الأجور لتبرير برنامج الإصلاح الاقتصادي بوصفها إحدى نتائج وثمار برنامج الإصلاح الاقتصادي والذي تضمن إجراءات مالية ونقدية كتعويم الجنية وإجراءات أخرى اقتصادية كرفع أسعار السلع والخدمات وتخفيض الدعم، وفي الحقيقة فإن تجارب المصريين مع برامج الخصخصة والتكيف الهيكلي وكل ما يندرج تحت بنود الإصلاح الاقتصادي كانت ومازالت مريرة، وأنتجت كوارث، منها انسحاب الدولة من مجالات الاستثمار الزراعي والصناعي، وتراجع الخدمات، ورفع أسعارها بشكل لا يسمح للأجور بتلبية تلك الخدمات والسلع.