تدخل السعودية كلاعب أساسي في مسار التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وذلك عبر إعلانها فتح أجوائها أمام الطيران الإسرائيلي، على الرغم من تمسكها إعلامياً بالمبادرة العربية كحل لتحقيق السلام في المنطقة. هذا القرار السعودي لاقى ترحيباً سريعاً من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي وصفه بـ"التحول الهائل"، وهو كان قد تحدث سابقاً عن اتصالات سرية مع عدد من قادة الدول العربية، وذلك فيما لا تضع أبوظبي حدوداً للتطبيع بسعيها لفتح سفارة مع تل أبيب سريعاً.
وأعلنت السلطات السعودية أنّها وافقت على السماح لكافة الرحلات الجوية القادمة إلى الإمارات والمغادرة منها بعبور أجوائها، وذلك بعد رحلة تجارية إسرائيلية إلى أبوظبي عبرت في سماء المملكة يوم الإثنين الماضي. وأعلنت هيئة الطيران المدني السعودية، في تغريدة، "الموافقة على الطلب الإماراتي بالسماح بعبور أجواء المملكة للرحلات الجوية القادمة إليها والمغادرة منها إلى كافة الدول". وهذا أول تأكيد رسمي سعودي على السماح للطائرات من كافة الدول، وبينها إسرائيل، بعبور أجوائها من الإمارات وإليها، بعدما كان مستشار الرئيس الأميركي وصهره جاريد كوشنر قد كشف عن ذلك، الاثنين، في أبوظبي لدى وصوله مع وفد إسرائيلي.
وسارع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، عقب هذا القرار، للقول إن "مواقف المملكة الثابتة والراسخة تجاه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني لن تتغير بالسماح بعبور أجواء المملكة للرحلات الجوية القادمة لدولة الإمارات والمغادرة منها إلى كافة الدول". وأعرب في تغريدة، عن تقدير السعودية لـ"جميع الجهود الرامية إلى تحقيق سلام عادل ودائم وفق مبادرة السلام العربية".
وصف نتنياهو قرار الرياض بفتح الأجواء أمام الطيران الإسرائيلي بأنه تحول هائل
وبعيد الإعلان السعودي، وصف نتنياهو قرار الرياض بأنه "تحول هائل آخر"، معتبراً أن أول رحلة تجارية بين إسرائيل والإمارات لن تكون الأخيرة. وأوضح في بيان، أن "هناك الآن انفراجا كبيرا آخر"، مشيراً إلى أن "الطائرات الإسرائيلية وتلك القادمة من جميع دول العالم ستكون قادرة على الطيران مباشرة من إسرائيل إلى أبوظبي ودبي والعودة". وقال في بيان: "أعمل منذ سنوات على افتتاح سماء إسرائيل نحو الشرق، والآن تم تحقيق إنجاز عملاق آخر... هذا سيؤدي إلى تخفيض أسعار الرحلات الجوية وإلى تقصير مدة الرحلات، كما أن هذا سيطور السياحة بشكل هائل ويعزز اقتصادنا". وتابع مخاطباً الإسرائيليين "هذا سيحقق شيئاً آخر، هذا سيفتح أبواب الشرق، عندما ستسافرون إلى تايلاند أو إلى أي مكان آخر في آسيا، هذا سيؤدي إلى تقليص مدة الرحلات وإلى تخفيض الأسعار". وختم بيانه قائلا "هذه هي بشرى عظيمة بالنسبة لكم، أيها المواطنون الإسرائيليون... هذه هي ثمار السلام المرتبطة بالسلام الحقيقي. أود أن أشكر جاريد كوشنر و(ولي عهد أبوظبي) محمد بن زايد، على هذه المساهمة المهمة... ستكون هناك بشريات سارة كثيرة أخرى". من جهتها، ذكرت قناة التلفزة الإسرائيلية "كان" أن هذا التطور حصل في أعقاب الاجتماع الذي عقده كوشنر اليوم في الرياض، مع ولي عهد السعودية محمد بن سلمان.
ودخل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على الخط، مرحباً خلال اتصال تلقاه من نتنياهو، بما وصفها بـ"الخطوات التي من شأنها إحلال السلام بالمنطقة بما يحافظ على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ويتيح إقامة دولته المستقلة ويوفر الأمن الإسرائيلي"، مشيداً بالإعلان عن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي برعاية الولايات المتحدة باعتباره خطوة في هذا الاتجاه، وفق بيان للرئاسة المصرية. وذكر البيان أن السيسي أكد أهمية عدم إقدام الجانب الإسرائيلي على اتخاذ أي إجراءات أحادية الجانب تقوض فرص إحلال السلام، خصوصاً الامتناع عن ضم أراض فلسطينية، وذلك بهدف إتاحة المجال لتضافر الجهود بين مختلف الأطراف الإقليمية والدولية لتحريك الجمود الحالي الذي تشهده القضية الفلسطينية، والدفع باتجاه استئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وصولاً لحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين وفق المرجعيات الدولية، وتحقيق الأمن والسلام والاازدهار لشعوب المنطقة.
في غضون ذلك، ذكر المعلق السياسي لموقع "والاه" الإسرائيلي براك رفيد، أن الانطباع العام الذي تكرس في أعقاب اللقاءات التي أجراها الوفدان الإسرائيلي والأميركي مع المسؤولين الإماراتيين، هو أن أبوظبي معنية بتدشين تحالف يضم الدول الثلاث، يركز على الجوانب الأمنية والعسكرية ولا يستهدف إيران فقط. ولفت رفيد، الذي قام بتغطية زيارة الوفدين الإسرائيلي والأميركي إلى أبوظبي، إلى أن الإماراتيين معنيون بتطوير العلاقة مع إسرائيل بشكل سريع، وضمن ذلك فتح سفارتين في أبوظبي وتل أبيب، وتنظيم رحلات جوية مباشرة قبل نهاية العام الحالي، مشيراً إلى أنه منذ الإعلان عن الاتفاق حرصت أبوظبي على إشهار العلاقة مع تل أبيب، واصفاً السلوك الإماراتي تجاه إسرائيل بأنه "هجمة من العناق". ودل رفيد على ذلك بحرص وسائل الإعلام الإماراتية على الاحتفاء بوصول الوفد الإسرائيلي إلى أبوظبي وتغطية الزيارة بشكل موسع.
أكد أمير قطر لكوشنر موقف الدوحة الداعي إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية وعلى أساس حل الدولتين
في هذا الوقت، واصل كوشنر جولته في المنطقة والتقى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي أكد خلال اللقاء موقف دولة قطر الداعي إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية وعلى أساس حل الدولتين وبما يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة. وكان كوشنر قد التقى، الثلاثاء، في البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وانتقل بعدها إلى السعودية حيث التقى ولي العهد محمد بن سلمان.
في المقابل، أعلن المئات من المثقفين والجمعيات والأحزاب والنقابات في المغرب رفضهم للتطبيع مع إسرائيل ولزيارة متوقعة لكوشنر إلى بلادهم. جاء ذلك في عريضة شعبية ضد زيارة كوشنر وقّعت عليها أكثر من 300 جهة وشخصية مغربية بعد ساعات قليلة من إطلاقها اليوم. وتحت عنوان "فلسطين ليست للبيع ولا للمقايضة"، قال الموقّعون إن العريضة تأتي ردا على "الترويج الإعلامي لجولة جديدة لكوشنر إلى المغرب على أصداء ما يسمى اتفاق السلام الخياني الإماراتي الصهيوني ومحاولات واشنطن والكيان الصهيوني إقحام المغرب نحو مربع التطبيع". وأكد الموقّعون أن "المغاربة يعتبرون فلسطين قضية وطنية، ويعتبرون الكيان الصهيوني كيان غصب واحتلال وعنصرية وإجرام لا يمكن مطلقاً التطبيع مع وجوده ولا التعامل معه".