في غفلة وبعد محاولات وضغوط أربع، وافقت اللجنة الدائمة المشكلة من وزارة الآثار المصرية على إقامة مشروع سياحي على أرض مملوكة للوزارة بمنطقة العلمين في الساحل الشمالي، بعد سنوات رفضت خلالها الوزارة أكثر من طلب للحصول على الأرض، بدأ الأمر عندما حاول رئيس الوزراء السابق الفريق، أحمد شفيق، استصدار قرار من وزارة الآثار بالتنازل عن الأرض من أجل إنشاء طريق في عام 2010، إلا أن طلبه رُفض، وفي عام 2016 تقدم وزير الإسكان آنذاك مصطفى مدبولي (رئيس الوزراء الحالي) بطلب إلى وزير "الآثار" ممدوح الدماطي للاستحواذ على 30 فدانًا. ورفضت اللجنة الدائمة التي شكلتها وزارة الآثار طلبه. أما المحاولة الثالثة، فكانت طلباً من قبل اتحاد ملاك "مارينا" لاستئجار 13 فدانًا لإقامة بركة سباحة، وكافيتريا، وشاليهات، وتم رفض الطلب أيضًا. وقالت عضو اللجنة الدائمة، أستاذة الآثار اليونانية الرومانية بجامعة الإسكندرية الدكتورة، منى حجاج، لـ"العربي الجديد" إنه "في عام 2015 تبرعت شركة "دلمار" المالكة للفندق المتاخم للموقع بمبلغ 250 ألف جنيه لتطوير الموقع، حيث إن من مصلحتها أن تبدو المنطقة بشكل رائع، وعندما عرض مستثمرو مارينا تطوير الموقع، طرحنا فكرة أن تقوم وزارة الآثار بتطوير الموقع بنفسها واستثماره". وأضافت رئيس جمعية الآثار بالإسكندرية أنه "عندما وضع هذا الطرح، تبرع أحد أعضاء اللجنة وهو أستاذ للهندسة المعمارية، بوضع تصميم لتطوير المنطقة لصالح وزارة الآثار، لكننا فوجئنا عند عرض تصميمه أنه وضع ضمن التصميم 20 غرفة فندقية (شاليه) في الركن الشمالي الغربي بنظام إيجار اليوم الواحد، كما فوجئنا أن التصميم ستنفذه وزارة الإسكان وليس الآثار، وأن وزارة الإسكان ستستثمر تلك المنطقة في مقابل المبالغ التي ستصرفها في المشروع"، وأوضحت حجاج أن "تصميمات المشروع تشتمل على مسرح وكافيتيريا وغيره"، وأكدت أنه "بعد تقديم التصميمات أخذ رئيس اللجنة (رئيس المجلس الأعلى للآثار) الآراء بالتصويت من دون مناقشة، وأن الحضور كانوا أقل من نصف عدد أعضاء اللجنة"، مشيرة إلى أن "عضوين فقط طلبا تأجيل عرض الموضوع لجلسة أخرى لحين اكتمال العدد"، و"أنها الوحيدة التي رفضت المشروع، ورغم ذلك اتُّخذ القرار بالموافقة، وكان ذلك في اجتماع اللجنة الأخير الاثنين الماضي 25 يونيو/ حزيران الماضي".
وأثارت الموافقة على التنازل عن قطعة من الأرض المملوكة لوزارة الآثار بالقرار رقم 1743 لسنة 2000 ومساحتها 90 فدانا، غضب آثاريين في مصر، لا سيما أن الأرض عبارة عن أطلال لمدينة قديمة تعود إلى عام 50 قبل الميلاد، وتضم الكثير من المنازل ذات التصميم النادر بعضها يتخذ شكل الفيلات الحديثة، حيث تنقسم المنازل إلى نوعين؛ يُعرف النوع الأول باسم "منازل العائلة-Domus"، وهي منازل الأسر الغنية التي تشبه الفيلات، وتتكون من طابقين أو أكثر، أما النوع الثاني فيُعرف باسم "منازل العامَّة-Insula". وبحسب مسؤولة الوعي الأثري بقطاع الآثار المصرية ومنطقة آثار مارينا إيمان عبد الخالق، تشير الدلائل الأثريَّة إلى أن معظم المنازل تعود إلى القرن الأول الميلادي، وقد تم استخدامها دون حدوث تغيير في تخطيطها حتى القرن الرابع الميلادي، إلى أن تم تدمير معظمها بسبب الهزَّة الأرضيَّة التي تعرَّضت لها المدينة عام 365.
وتُرجع عبد الخالق تاريخ الحياة في مدينة مارينا العلمين الأثرية، من خلال بعض الأدلة الأثرية الثابتة والمنقولة، إلى 101 ق.م، وأن الحياة توقفت بالمدينة نتيجة الهزَّة الأرضية التي حدثت بجنوب البحر المتوسط، وأدَّت إلى تدمير معظم المدن الساحلية الواقعة على البحر المتوسط، ومنها مدينة مارينا العلمين الأثرية، وقالت في تصريحات صحافية إن أعمال الحفر الأثرية، من خلال البعثة البولندية للترميم والمركز الأميركي للبحوث والبعثة المصرية، كشفت عديداً من العناصر المعمارية المختلفة والمتنوعة الطُّرز، والتي تعود إلى العصرين البطلمي والروماني، مثل الفوروم الروماني (السوق الروماني القديم)، وملحقاته (الحمام البطلمي والحمام الروماني والبازيليكا)، وبعض المحال التجارية، وصهاريج مياه، ورصيف الميناء القديم، والمقابر المتنوعة، كما أن التخطيط في مدينة مارينا الأثريَّة يتبع النَّمط الهيبودامي. وتضم المدينة أيضًا مقابر كثيرة مدفونة لم تكتشف حتى الآن، وكنيسة ترجع إلى القرن الثاني الميلادي، وآثارًا أخرى يونانية ورومانية وقبطية، كما تعتبر أقدم ميناء ملاحي معروف وموثق في مصر.
وبحسب ما أكدت الخبيرة الآثارية مونيكا حنا لـ"العربي الجديد" فإن اللجنة الدائمة بوزارة الآثار وافقت على بيع 11 فدانًا من أرض "مارينا" الأثرية لبناء Boutique Hotel لوزارة الإسكان ضمن مشروع استثماري تصل قيمته إلى 26 مليار جنيه، وقالت إن مثل ذلك القرار يفتح الباب لبيع الأراضي الأثرية وضياع التراث المصري للأبد، مضيفة أن "الحل لسداد ديون وزارة الآثار التي وصلت إلى 8 مليارات جنيه، لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال عن طريق بيع الأراضي الأثرية، وأن الاستثمار الحقيقي هو الذي يؤدي إلى تنمية مستدامة وليس إلى ضياع الأصول المصرية والأثرية والتاريخية مقابل بناء مشروعات سياحية على شاطئ البحر"، مؤكدة أن تسليم الأرض جاء بالمخالفة للقانون رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته بالقانون رقم 3، و61 لسنة 2010 وللدستور المصري الذي ينص على أن "تلتزم الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها، ورعاية مناطقها، وصيانتها، وترميمها، واسترداد ما استُولي عليه منها، وتنظيم التنقيب عنها والإشراف عليه"، كما "يحظر إهداء أو مبادلة أي شيء منها"، ويعتبر "الاعتداء عليها والاتجار فيها جريمة لا تسقط بالتقادم".