اكتشفت سر الجائزة

14 مايو 2015

موهبتي السردية واضحة جدا

+ الخط -
الآن، وقد عرفت سر الجائزة، عليّ أن أشرع بكتابة روايتي التي ستفوز، إن شاء الله، في (بوكر) العام المقبل. صحيح أنني كاتب ناشئ، وأن عمري لم يتجاوز اثنين وعشرين عاما، وأن في رصيدي مجموعة شعرية واحدة، طبعتها على نفقتي الخاصة (لأن دور النشر عندنا لا تعترف بالأدباء الشبان)، وقصائد عديدة على "فيسبوك" (أقل قصيدة تحصل على 600 لايك) إلا أن موهبتي السردية واضحة جداً. هكذا يقول لي أصحابي، وهكذا تؤكد حبيتي التي ستصبح خطيبتي بعد شهرين، منال. 
القصة كلها تتعلق بالذكاء الحدسي للمتقدم للجائزة، ومعرفته بأهواء أعضاء لجنة التحكيم وميولهم وخياراتهم الفنية، وعلى الرغم من أنني لا أعرف لجنة التحكيم للعام المقبل، سأفترض أسماء أعضائها افتراضا، مثلاً: هناك ناقد فلسطيني شهير يعيش في عمان، يعشق الروايات التي موضوعها عن فلسطين، شعباً وثورات، وروائي لييبي معروف جدا، الصحراء بطلة دائمة في رواياته، وروائي مصري معروف أيضا، يستلهم التاريخ في رواياته. أعرف تماماً خيارات هؤلاء الفنية، والموضوعات التي يفضلونها، الناقد يعشق فلسطين بشكل غريب، وهو على استعداد لتقديم أي رواية تتحدث عنها وعن نضال شعبها. الروائي الليبي لا تخلو رواية له من موضوعة الصحراء، وما يتخللها من أبطال صحراويين، وصراعات في المكان نفسه. الروائي المصري يعشق التاريخ، واستلهم في معظم رواياته أزماناً تاريخية معينة.
ولأني سأفترض أن أحد هؤلاء المذكورين سيكون رئيساً للجنة التحكيم، سأجعل من روايتي ثلاث نسخ، أولها مادة دسمة عن نضال فلسطين، والثانية عن صحراء النقب وجمالياتها وتاريخها، والثالثة عن تاريخ القدس روائياً. سأقدم نسخة فلسطين، وسأرسل نسخة الصحراء باسم صديقتي، لبنى، وهي شاعرة مشهورة على "فيسبوك"، (كل قصيدة تكتبها تحوز على 400 لايك)، وسأتفق معها على تقاسم المبلغ في حال فازت نسختها. ونسخة ثالثة باسم ابن عمي رشيد، وهو طالب جامعي ذكي، وموهوب في رسم جداريات ثورية للمخيم. قال لي رشيد إنه يتنازل عن حصته في الجائزة لي، فهو متعاطف معي، لأنني أحاول، منذ سنوات، بناء طابق ثان فوق بيت أهلي، حتى أتزوج وأستقر، أما طباعة هذه النسخ في دار نشر، فسيتكفل بها صديقي أشرف، وهو شقيق حبيبتي منال التي ستصبح خطيبتي بعد شهرين. أشرف ومنال سيقنعان حماي المقبل، تاجر الجرافات المعروف في رام الله، بتأسيس دار نشر، بهدف طباعة الرواية بنسخها الثلاث، ثم يقفلها. يحبني والد حبيبتي جدا، وقد حاول إقناعي بالعمل لديه في تجارة الجرافات، وقال لي إن رام الله تشهد طفرة بناء غريبة، وهذا يحتاج إلى جرافات. وعدته بالتفكير، ويبدو أني سأوافق، ليس سيئاً أن أكون روائيا وتاجر جرافات، فزكريا تامر قاص مشهور، واشتغل في بداية حياته حدادا شرساً، على حد وصف محمد الماغوط. يا سلام، ما أروع أن ُيكتب عني حين أفوز في (بوكر) العام المقبل: هذا ويعمل الروائي الفائز بالجائزة، فلان الفلاني، في تجارة للجرافات.
ستكون هناك دراسات نقدية عميقة حول علاقة الجرافة بلغتي الروائية، سيكون هناك ناقد عبقري (أنا على يقين بذلك) سيكتشف أن لغتي الروائية المجنونة جرفت الأرض تحت أقدام اللغة السائدة، وهذا ربط جدا مهم. وستنفتح في الدراسات آفاق نقدية متعددة، سيكون هناك مصطلحات نقدية جديدة، مثل الشخصية الروائية المجروفة، وبنية الانجراف الروائي، والسياق الانجرافي، وتجريف الرؤية الفنية، وغيرها كثير.
سأصلي لله عز وجل، ليجعل حدسي حقيقة، ويجعل الأسماء التي ذكرتها أعضاء في لجنة التحكيم، أو، على الأقل، يكون هناك واحد فقط من الثلاثة، هل سيحدث ذلك؟ هل سيتحقق حلمي، وحلم حبيبتي التي ستصبح خطيبتي بعد شهرين؟ هل سأبني الطابق الثاني فوق بيت أهلي وأستقر؟
يا رب يا رب.

4855FC54-64E3-49EB-8077-3C1D01132804
زياد خداش

كاتب قصة فلسطيني، مواليد القدس 1964، يقيم في رام الله، يعمل معلما للكتابة الإبداعية، له عدد من المجموعات القصصية.