رئة القاهرة تكاد تتوقف. الغبار والتلوث والانبعاثات السامة والازدحام السكاني وحرق القمامة، كلها عوامل شكّلت غيمة ضخمة تمنع أي قدرة على التنفس بشكل طبيعي. وتحت هذه الغيمة، يمتد الاقتصاد الأسود، حيث المصانع والمنشآت التي تربح الكثير في مقابل تعميم المرض على السكان.
تؤكد ورقة بحثية لأستاذ علوم الأراضي والمياه بكلية الزراعة في جامعة القاهرة، الدكتور نادر نورالدين محمد، أن تلوث الموارد المائية يكبد الدولة خسائر صحية وزراعية تقدر بحوالي 500 مليون دولار سنوياً. وتقدر الخسارة المترتبة سنوياً عن تلوث هواء القاهرة، بحوالي 1.4 مليار دولار.
كما تأكل النفقات الصحية من جراء الأمراض والأوبئة التي يسببها التلوث، من مداخيل المصريين وتنهش من الموازنة العامة، وتجعل الاقتصاد يتحمل كلفة إهمال حكومي متماد يقتل الإنتاج والبشر.
مصانع وتلوث
مستشفيات علاج أمراض الصدر مكتظة بالمواطنين، وقد جهزت معداتها لاستقبال الآلاف مع بداية حرق قش الأرز. وفي طابور الانتظار، الجدل دائر بصورة مستمرة حول إمكانية الدولة رفع قيمة الدعم على الصحة.
في جنوب القاهرة تقع عاصمة التلوث، مدينة حلوان، التي كانت مشفى وقبلة للراغبين في الاستشفاء، لكنها تحولت إلى مدينة صناعية سكنية مثلها مثل عشرات المدن في القاهرة الكبرى.
حلوان، أصبحت محاطة بكتلة من المصانع المصدرة للتلوث والانبعاثات الخطرة. وبجوار مصنع حلوان للأسمدة، هناك أكثر من 680 مصنع طوب طفلي (أحجار باطون).
تقف حمدية علي، في انتظار ابنتها الطالبة بمدرسة حلوان الابتدائية. خلفها بوابة اختفى لونها واتشحت بسواد الأتربة الصادرة من مصنع قريب للطوب الطفلي. تقول حمدية: "فقدت حملي مرتين بسبب تشوه الأجنة نتيجة للانبعاثات السامة التي تخرج من المصانع. أولادنا أصيبوا بأمراض صدرية، يصعب علاجها، خصوصاً أن العلاج على نفقة الدولة ظاهره الرحمة وباطنه العذاب وهو غير متاح للجميع".
وباستغراب تتابع: "كيف ارتضت الدولة أن تضع المصانع وسط المدارس والمساكن، وهي لا تراقب الانبعاثات ولا توفر حتى مستشفيات لعلاجنا من ويلات المصانع؟".
تروي حمدية أن أصحاب مصانع الطوب الطفلي يحاولون إغراء الأهالي ويقومون بتشغيل أبنائهم في المصانع بأجور زهيدة. وفي ظل الفقر والبطالة التي يعانيها الناس، فهم يقبلون بهذه المعادلة، وذلك برغم أن نسبة الوفيات بين العاملين في تلك المصانع غير عادية".
مسابك الرصاص
تقول الوكيلة الأولى في وزارة الشؤون البيئية، الدكتورة فاطمة الغزالي، لـ"العربي الجديد": "هناك بؤر للتلوث في مصر، ومنها على وجه التحديد منطقة جنوب القاهرة، أي حلوان والتبين. حيث تؤكد التقارير الدولية أن مياه النيل، على سبيل المثال، في حالة جيدة باستثناء منطقة حلوان وبعض المناطق الأخرى".
وتتابع الغزالي: "نسبة التلوث في المصارف التي تخرج من المصانع إلى النيل انخفضت بصورة كبيرة. من سبع سنوات تقريبا كان هنالك 102 منشأة تصرف مخلفاتها في النيل مباشرة. ما أدى إلى ترتيب مصر في مرتبة متقدمة عالمياً في عدد مرضى "فيروس سي" (التهاب الكبد الفيروسي)، والتهابات الكلى وغيرها من الأمراض. إلا أن ما تبقى من كل تلك المنشآت التي لم تعدل أوضاعها حتى الآن 9 منشآت فقط أكبرها في مدينة حلوان في مصنع السكر".
وتعتبر الغزالي أن نقل المصانع من المناطق السكنية أمر شبه مستحيل والعكس أيضاً. خاصة في ظل أزمة المساكن وارتفاع أسعارها.
أمام مشفى في منطقة التبين، يقف محمد عبدالموجود، العامل بأحد مسابك الرصاص. ويقول: "بدأت بالعمل في مصنع الحديد والصلب في حلوان ولكني أصبت بالأمراض، ولم أستطع الاستمرار في العمل فتقاعدت. إلا أن الأموال القليلة التي حصلت عليها انتهت، وأنا لدي خمسة أبناء في مراحل التعليم المختلفة، فاضطررت للعمل مرة أخرى في أحد مسابك الرصاص". ويضيف: "أصابني التهاب رئوي ما أن عالجته حتى فوجئت بإصابتي بفيروس سي، وأصبحت حالتي متدهورة جداً".
ويؤكد عبدالموجود، أن سبب الإصابة بفيروس سي لا ينحصر بظروف عمله "آلاف المواطنين في حلوان مصابون بذات الفيروس بسبب قيام معمل السكر بتصريف مخلفاته في مياه النيل".
كما تأكل النفقات الصحية من جراء الأمراض والأوبئة التي يسببها التلوث، من مداخيل المصريين وتنهش من الموازنة العامة، وتجعل الاقتصاد يتحمل كلفة إهمال حكومي متماد يقتل الإنتاج والبشر.
مصانع وتلوث
مستشفيات علاج أمراض الصدر مكتظة بالمواطنين، وقد جهزت معداتها لاستقبال الآلاف مع بداية حرق قش الأرز. وفي طابور الانتظار، الجدل دائر بصورة مستمرة حول إمكانية الدولة رفع قيمة الدعم على الصحة.
في جنوب القاهرة تقع عاصمة التلوث، مدينة حلوان، التي كانت مشفى وقبلة للراغبين في الاستشفاء، لكنها تحولت إلى مدينة صناعية سكنية مثلها مثل عشرات المدن في القاهرة الكبرى.
حلوان، أصبحت محاطة بكتلة من المصانع المصدرة للتلوث والانبعاثات الخطرة. وبجوار مصنع حلوان للأسمدة، هناك أكثر من 680 مصنع طوب طفلي (أحجار باطون).
تقف حمدية علي، في انتظار ابنتها الطالبة بمدرسة حلوان الابتدائية. خلفها بوابة اختفى لونها واتشحت بسواد الأتربة الصادرة من مصنع قريب للطوب الطفلي. تقول حمدية: "فقدت حملي مرتين بسبب تشوه الأجنة نتيجة للانبعاثات السامة التي تخرج من المصانع. أولادنا أصيبوا بأمراض صدرية، يصعب علاجها، خصوصاً أن العلاج على نفقة الدولة ظاهره الرحمة وباطنه العذاب وهو غير متاح للجميع".
وباستغراب تتابع: "كيف ارتضت الدولة أن تضع المصانع وسط المدارس والمساكن، وهي لا تراقب الانبعاثات ولا توفر حتى مستشفيات لعلاجنا من ويلات المصانع؟".
تروي حمدية أن أصحاب مصانع الطوب الطفلي يحاولون إغراء الأهالي ويقومون بتشغيل أبنائهم في المصانع بأجور زهيدة. وفي ظل الفقر والبطالة التي يعانيها الناس، فهم يقبلون بهذه المعادلة، وذلك برغم أن نسبة الوفيات بين العاملين في تلك المصانع غير عادية".
مسابك الرصاص
تقول الوكيلة الأولى في وزارة الشؤون البيئية، الدكتورة فاطمة الغزالي، لـ"العربي الجديد": "هناك بؤر للتلوث في مصر، ومنها على وجه التحديد منطقة جنوب القاهرة، أي حلوان والتبين. حيث تؤكد التقارير الدولية أن مياه النيل، على سبيل المثال، في حالة جيدة باستثناء منطقة حلوان وبعض المناطق الأخرى".
وتتابع الغزالي: "نسبة التلوث في المصارف التي تخرج من المصانع إلى النيل انخفضت بصورة كبيرة. من سبع سنوات تقريبا كان هنالك 102 منشأة تصرف مخلفاتها في النيل مباشرة. ما أدى إلى ترتيب مصر في مرتبة متقدمة عالمياً في عدد مرضى "فيروس سي" (التهاب الكبد الفيروسي)، والتهابات الكلى وغيرها من الأمراض. إلا أن ما تبقى من كل تلك المنشآت التي لم تعدل أوضاعها حتى الآن 9 منشآت فقط أكبرها في مدينة حلوان في مصنع السكر".
وتعتبر الغزالي أن نقل المصانع من المناطق السكنية أمر شبه مستحيل والعكس أيضاً. خاصة في ظل أزمة المساكن وارتفاع أسعارها.
أمام مشفى في منطقة التبين، يقف محمد عبدالموجود، العامل بأحد مسابك الرصاص. ويقول: "بدأت بالعمل في مصنع الحديد والصلب في حلوان ولكني أصبت بالأمراض، ولم أستطع الاستمرار في العمل فتقاعدت. إلا أن الأموال القليلة التي حصلت عليها انتهت، وأنا لدي خمسة أبناء في مراحل التعليم المختلفة، فاضطررت للعمل مرة أخرى في أحد مسابك الرصاص". ويضيف: "أصابني التهاب رئوي ما أن عالجته حتى فوجئت بإصابتي بفيروس سي، وأصبحت حالتي متدهورة جداً".
ويؤكد عبدالموجود، أن سبب الإصابة بفيروس سي لا ينحصر بظروف عمله "آلاف المواطنين في حلوان مصابون بذات الفيروس بسبب قيام معمل السكر بتصريف مخلفاته في مياه النيل".