اقتصادات الخليج وتهاوي أسعار النفط

14 يناير 2015
اقتصادات الخليج مدعوة إلى بتنويع مواردها (أرشيف/Getty)
+ الخط -

يستدعي الانخفاض المستمر في أسعار النفط إجراء مراجعة لاقتصادات الدول المعتمدة على النفط بشكل أساسي، مثل دول مجلس التعاون الخليجي، ويأتي في مقدمة هذه المراجعة، التساؤل حول نتائج هذا الانخفاض على مستقبل التنمية في هذه الدول، وعلى ما تم فعله بالموارد المالية أثناء ارتفاع الأسعار، لناحية بناء اقتصادات أخرى متنوعة، لا تعتمد على النفط بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

ماذا تم تحقيقه حتى الآن في دول مجلس التعاون؟ وما هو الاقتصاد المنشود الذي أريد تحقيقه؟ ولماذا لم تصل هذه الدول بعد إلى مبتغاها؟

تشير النتائج التي رصدتها المنظمات العالمية، والأجهزة المحلية في دول مجلس التعاون، إلى أنها كانت متفاوتة من دولة لأخرى، ولكنها بشكل عام، كانت أقل من الطموحات وأقل مما خطط له، حيث تحددت الطموحات، وبنيت الخطط الاستراتيجية، خلال السنوات العشر الماضية، على ضرورة تنويع اقتصادات هذه الدول حتى تخرج من عباءة الاعتماد على النفط.

أكثر من عقدين مرا ودول مجلس التعاون تجتر مقولة " التنويع الاقتصادي" كهدف أساسي وكاستراتيجية لمسيرتها التنموية، ولكنها لم تصل بعد إلى هذا " التنويع " المطلوب (سنتحدث في مناسبة أخرى عن ضبابية مفهوم " التنويع " نفسه الذي انتهجته هذه البلدان، حين فهم على أنه اقامة لبعض الصناعات التي تعتمد على النفط).

المنهم الآن هو أن نستعرض، في عجالة، نتائج هذا " التنويع " المزعوم الذي تسعى إليه هذه البلدان من عشرات السنيين.

لا شك أن القطاع غير النفطي تطور في دول مجلس التعاون بسرعة أكبر من تطور القطاع النفطي، حيث بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي لدول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة 7% سنويا بين عامي 2007 و2013، في حين أن متوسط معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لقطاع النفط والغاز بلغ 2% لنفس الفترة (صندوق النقد الدولي، آفاق الاقتصاد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط، أكتوبر، 2014).

ولكن، ومع كل هذا التطور للقطاع غير النفطي، مازال هذا القطاع يشكل نسبة عالية من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، اذ يشكل القطاع النفطي في المملكة العربية السعودية أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي، حيث تزداد هذه النسبة وتنخفض حسب أسعار النفط، وقد تصل إلى نصف الناتج المحلي الإجمالي، وتشكل الايرادات النفطية حوالي 90% من ايرادات الدولة. وكذلك الحال في كل من الكويت وعمان، حيث مازال النفط يساهم بأكثر من 90% وربما 93% في الكويت، و76% من الإيرادات العامة في عمان. لا يعتقد أحد أن هذه هي حالة التي تكون عليها كافة الدول النفطية، فالإيرادات النفطية في النرويج لا تتجاوز 30% من الايرادات.

ربما تكون دولتي الإمارات العربية المتحدة وقطر أفضل حالا من باقي الدول الخليجية، حيث تشكل مساهمة

القطاعات غير النفطية حاليا ما يقارب من 70 % من الناتج المحلي الإجمالي في دولة الإمارات العربية المتحدة (تختلف هذه النسبة حسب أسعار النفط بالطبع)، أي أقل من 60% من ايراداتها، وتشكل في دولة قطر حوالي 46% من الناتج المحلي الاجمالي وحوالي 60% من الايرادات العامة، وتتفوق قطر على كافة الدول الخليجية من حيث نمو ايرادات القطاعات غير الهيدروكربونية.

المشكلة ليست في النسب فقط، أي في نسبة ما تشكله قطاعات النفط والغاز من الناتج المحلي الاجمالي في دول مجلس التعاون الخليجي، وإنما في اعتماد القطاعات غير النفطية على النفط والغاز، سواء عبر الاعتماد على النفط والغاز كمادة أولية، أو كمصدر للتمويل، وعبر آليات توفير مدخلات هذه القطاعات.

من المؤكد أن هناك حاجة لدراسات تحليلية قياسية لمعرفة دور النفط والغاز في تنمية القطاعات الاقتصادية غير الهيدروكربونية، لأن علاقات الارتباط مازالت قوية بين هذه القطاعات وقطاع النفط والغاز. تبدو العلاقة واضحة من خلال تأثر نمو القطاعات غير النفطية بتقلبات أسعار النفط. أي أن ما حدث لا يمكن اعتباره " تنوعا اقتصاديا " بالمعنى الصحيح للكلمة، حيث تبدو هشاشة هذا " التنويع " من اعتماد كافة القطاعات الاقتصادية على النفط وأثر ذلك على ضعف انتاجية العمل وضعف القدرة التنافسية في القطاعات الأخرى. وهذا ما يفسر انتقال تذبذب أسعار النفط إلى كافة القطاعات، وهذا ما يفسر أيضا، وموضوعيا، التذبذب في سوق الأسهم في هذه البلدان.

"التنوع الاقتصادي" الحالي هو عبارة عن نمو قطاعات خارج قطاع النفط ولكنها مرتبطة به ، وليس تنوعا حقيقيا، وإلا لماذا لا نشاهد هذه الحالة في دول نفطية أخرى تملك تنوعا حقيقيا، كما في حالة النروج وكندا، على سبيل المثال.

إن مراجعة للهياكل الاقتصادية للدول الخليجية على درجة كبيرة من الأهمية، خاصة بعد الانخفاض الحالي في أسعار النفط، من أجل الوقوف على نتائج سياسات التنويع الاقتصادي التي انتهجتها كافة هذه الدول، ولماذا لم ينفع " التنويع " الاقتصادي الذي وصلت إليه، إلى درء مخاطر انخفاض أسعار النفط، وتعرض الأسواق المالية للمنطقة لهزات عنيفة، مما يستوجب التشكيك في هذا " التنويع " وطرح السؤال مجددا عن ماهية التنويع الاقتصادي المطلوب، أو الجانب الآخر لاقتصاد المعرفة بكل أبعاده.

المساهمون