افرحوا أيها اللبنانيون: "حزب الله" و"المستقبل" انسحبا عن الجدران

06 فبراير 2015
إزالة صورة للرئيس نبيه بري في بيروت (حسين بيضون)
+ الخط -
أعلن محافظ بيروت زياد شبيب، بعد إشرافه على حملة إزالة الشعارات الحزبية من أحياء العاصمة، أن "محافظة بيروت ستعمل من الآن وصاعداً على أن يكون مظهر بيروت لائقاً وحضارياً".

هكذا جاء الخبر. وفي مبرراته أن الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله، برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري، قد توصّل بعد مباحثات مطوّلة إلى سحب هذه الشعارات من الشوارع. إذاً ستكون بيروت مدينة خالية من الشعارات، كذلك طرابلس وصيدا.

ليس الأمر "مزحة". استطاعت القوى السياسيّة الأبرز التوصل إلى هذا القرار الجريء في الجولة الخامسة من الحوار. وأكّدت هذه القوى جديتها في الحوار، عبر الاستفادة من ساعات الحوار الطويلة للوصول إلى قرارات جذرية. كيف لا، وقد سبقت هذا الاتفاق، خطوات اكتساب الثقة، بدأت عبر الاتفاق على محاربة رئيس رابطة الأساتذة الثانويين، الشيوعي حنا غريب، لإبعاده عن رئاسة الرابطة، وهي التجمّع النقابي الأقوى في لبنان. جاءت الخطوة الثانية لاكتساب الثقة عبر عرقلة إجراءات الزواج المدني في لبنان، لمن يُريد من اللبنانيين. رغم إتمام عشرات عقود الزواج التي نتج عن بعضها أطفالٌ رفض موظفون في وزارة الداخليّة الاعتراف بهم. ثم توّج الأمر بالاتفاق على نزع الشعارات الحزبية.
 
يُمكن للمقيمين في بيروت الاحتفال. فقد أدت هذه الخطوة إلى حلّ أزمة السير المستمرّة منذ سنين. وأمّنت مزيداً من المساحات الخضراء في المدينة، إضافةً إلى المكتبات العامة والأماكن المخصصة للأطفال. وأعادت لبيروت شاطئها الذي صودر على غفلة، إن كان في مشروع "الزيتونة باي" أو في الروشة و"داليتها" (ميناء تراثي قديم للصيادين الفقراء).

أمّا عموم اللبنانيين، فعليهم الابتهاج. فمقررات الحوار هذه، عالجت مشكلة البطالة والتضخّم وارتفاع الدين العام والميزانيّة العامّة. كما أعادت الاعتبار إلى هيبة الدولة ومؤسساتها، وقلّصت من الفساد المستشري في الإدارات العامّة. كل ذلك من دون أن ننسى تأثير هذه الخطوة على مستوى التعليم الرسمي، إن في المدارس أو الجامعات.

وكأنه بات يُمكن لأهل طرابلس الاحتفال. ستزال الشعارات السياسيّة من المدينة. وهذا سيؤدي إلى تخفيف الحرمان الذي تعيشه المدينة. فبحسب "دليل الحرمان الحضري" وهي دراسة صدرت منذ أسابيع عن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، فإن "نحو 4 في المائة من الأسر في طرابلس فقط غير محرومة من كل المؤشرات (12 مؤشراً اجتماعياً واقتصادياً)، و6 في المائة، محرومة في مؤشر واحد فقط". وتطال هذه المؤشرات التعليم والسكن والوضع الاقتصادي والصحة. أمّا لدى حساب النتائج على أساس الأسر الأشد حرماناً، أي التي تجتمع لديها ثمانية مؤشرات وأكثر، فإن النسبة المتوسطة لطرابلس هي 26 في المائة من الأسر، وتصل هذه النسبة إلى أعلى مستوى لها في منطقة التبانة، إذ تطال 52 في المائة من الأسر.

ولا بد لمن يقرأ دراسة الإسكوا، أن يُصاب بالإحباط، لكن هذا الأمر صار من الماضي بعدما صدر قرار إزالة الشعارات الحزبية من المدينة! أمّا في صيدا (جنوب)، فالحال لا يختلف كثيراً.
لكن مهلاً. مَن قرّر رفع هذه الشعارات مسبقاً؟ من الذي منع القوى الأمنيّة من إزالتها، رغم أنها تُعد مخالفةً للقانون؟ يقول المنطق البسيط إن من أعطى الغطاء لإزالتها، بعد خمس جلسات حوارية، هو من قرر وضعها وأمّن حمايتها.

هذا يعني، أن صور حزب الله عند مداخل مدينة صيدا، والتي أُزيلت حتى لا تستفز جمهور تيار المستقبل، وضعت في سياق استفزاز هذا الجمهور، ورفع الاحتقان. وهذا ينطبق على صور حزب الله في أحياء بيروت. كما أن صور وشعارات تيار المستقبل التي أزيلت من طرابلس، وُضعت لاستفزاز العلويين والشيعة. جميل جداً. وبطبيعة الحال، فإن الكثير من هذه الصور والشعارات لن يُزال من الأحياء الصافية مذهبياً وسياسياً. وإذا أُزيلت اليوم، ستعود غداً. فلهذه الصور وظيفة أخرى هنا. هي ليست للاستفزاز، بل لتعبئة الجمهور الخاص بكل فريق.

في جمهورية متداعية، كلبنان، تحوّل أمرّ بديهي كمنع رفع صور حزبية ومذهبية في الأملاك العامة من شوارع وجدران وأعمدة، إلى إنجاز سياسي عظيم، يُسجّل لأبرز قوتين سياسيتين في البلد. واحدة تُحارب إسرائيل وتُهدد بإزالتها، وتدعم نظاماً إقليمياً، وتمنعه من السقوط في وجه ثورة شعبية. والثانية تدّعي تمثيل طائفة كبيرة، داخل لبنان، وتتجاوزه إلى سورية. وسعت إلى تسليح ثورة شعبيّة، وربط زعيمها عودته من المنفى الاختياري بإسقاط هذا النظام الإقليمي. هاتان القوّتان، اتفقتا أخيراً. اتفقتا على إزالة بعض الشعارات من شوارع. أسوأ ما في الأمر، أن هناك من صدّق أن هذا إنجاز وصفق له.