وسّعت القوات الأمنية التونسية من مجال بحثها عمن يقف وراء العملية التي استهدفت عنصرين من الدرك، الأحد الماضي، عند مدخل مدينة أكودة بالقرب من مدينة سوسة، وأدت إلى مقتل أحدهما وإصابة الثاني، فيما تمّ القضاء على المنفذين الثلاثة بعد ملاحقتهم ومحاصرتهم وتبادل إطلاق النار معهم، كما تم التحقيق مع عشرات المشتبه بهم واحتجاز سبعة مؤقتاً قي انتظار استكمال التحقيقات.
وتتالت المواقف التي تربط بين الاعتداء الذي تبناه تنظيم "داعش" والأجندات السياسية. وكان أول موقف للرئيس التونسي قيس سعيد، الذي قال في تصريح لوسائل الإعلام، عندما انتقل إلى مكان الاعتداء، إنّ الإرهابيين "لن يتصوروا أنهم بمثل هذه الأعمال الإجرامية سيربكون التونسيين أو سيسقطون الدولة"، مضيفاً: "ومن كان يرتب من خلال هذه العمليات لأوضاع سياسية، فهو واهم لأنّ الشعب على يقين ووعي كامل بكل الخفايا".
من جهته، أكد الحزب الجمهوري في بيان أنّ "العقل السياسي الذي يقف وراء الجماعات الإرهابية يعمل على استغلال كل ضعف أو ارتباك في مؤسسات الدولة لتوجيه ضرباته الغادرة لها". ودعا "القائمين على الحكم إلى تحمل مسؤوليتهم السياسية في النأي بمؤسسات الدولة عن كل الصراعات التي تضعف أداءها وتمسّ وحدتها، والتعمق بالبحث في دوافع العملية الإرهابية وأهدافها، وما سُخّر لها من إمكانات تتجاوز مجرد عملية دهس إلى مخططات إجرامية أكبر، وجب الوقوف عندها وكشفها".
المغزاوي: عملية سوسة تحمل دلالات كثيرة
وفي بيان لها، عبّرت حركة "النهضة" عن "إدانتها الشديدة لهذه العملية الإرهابية الغادرة وكل من يقف وراءها داخل البلاد أو خارجها"، مؤكدةً "أنها عملية غادرة وجبانة لن تزيد التونسيين إلا لحمة وتضامناً وتشبثاً بالسلم الأهلي".
واعتبر الأمين العام لـ"حركة الشعب"، زهير المغزاوي، بدوره، أنّ عملية سوسة تحمل دلالات وصفها بالكثيرة، وقال إنّ أبرزها "عدم الرضا عن خطاب رئيس الجمهورية الأخير، وتوجيه رسالة إلى وزير الداخلية توفيق شرف الدين، بأنه غير قادر على الجماعات المتطرفة". ونقلت إذاعة "إكسبرس أف أم" المحلية عن المغزاوي قوله: "ما يجب التشديد عليه هو أنّ العملية تؤكد تواصل الحرب على الإرهاب وضرورة التوحد في مواجهة هذه الآفة".
وتؤكد جلّ المواقف على الترابط المباشر بين الاعتداءات التي شهدتها تونس والزمن السياسي، إذ جاء مثلاً الاعتداء قرب السفارة الأميركية في السادس من مارس/آذار الماضي، أياماً بعد تسلًم حكومة إلياس الفخفاخ لمهامها في 27 فبراير/شباط الماضي، فيما جاء اعتداء سوسة الأحد الماضي بدوره، أياماً بعد المصادقة على حكومة هشام المشيشي. وكذلك أغلب الاعتداءات التي سعت إلى زعزعة الاستقرار في البلاد واستهداف منشآتها الاقتصادية وقطاعاتها الحيوية، ولا سيما السياحة، ما يؤكد أنّ هدفها الحقيقي هو ضرب التجربة الديمقراطية بأي شكل، وهو ما يفسّر ما جاء في بيان حركة "النهضة" عندما تحدث عمن "يقف وراء العملية الإرهابية في الداخل والخارج". فحتى العمليات الإرهابية التي جرت في السنوات الماضية، تؤكد كلها أنها جاءت لضرب التجربة الديمقراطية، وكان أشدها عملية اغتيال اليساريين، شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
وعلى الرغم من تأثير هذه الاعتداءات على الجهد الوطني الذي صُرف في سبيل تعزيز القوات العسكرية والأمنية، بدل الاستجابة للمطالب الاجتماعية، وتحوّل مقاومة الاٍرهاب إلى أولوية تونسية، وعلى الرغم كذلك من الاضطرابات السياسية التي سببتها هذه العمليات وعدد الضحايا المرتفع الذي خلفته، فإنها لم تنجح في إيقاف مسار التجربة الديمقراطية، ولم تحدث أي فارق في خيار التونسيين الديمقراطي ونزوعهم إلى حلّ خلافاتهم دستورياً.
في السياق، قال مدير "مركز الدراسات الإستراتيجية حول المغرب العربي"، عدنان منصر، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ هذه العمليات الإرهابية "تتزامن مع التحولات السياسية الهامة التي تشهدها البلاد، مثلما حصل بعد تسلّم رئيس الوزراء الأسبق الحبيب الصيد مهام الحكومة أو بعد تسلم خلفه يوسف الشاهد مهامه، ثمّ مع حكومة الفخفاخ والآن مع المشيشي". وأشار إلى أنّ "هذه المجموعات تتابع العمل السياسي وتختار توقيت عملياتها بغاية الإرباك"، متسائلاً "عما إذا كانت العملية الأخيرة تستهدف الحكومة الجديدة فقط أم أن أهدافها أشمل؟".
منصر: هذه المجموعات تتابع العمل السياسي وتختار توقيت عملياتها بغاية الإرباك
وأوضح منصر أنّ "هناك معطيات عدة ينبغي الانتباه لها بخصوص هذه العملية، من أهمها أنها انحصرت في محيط عائلي ضيق (شقيقان من بين الإرهابيين الثلاثة)، وجرت من دون أدوات لوجستية كبيرة، ما يعني أنّ الجهد الاستخباراتي الوطني قلّص من فاعلية ونشاط هذه المجموعات وحوّلها إلى مجموعات مُطاردة ومُلاحقة باستمرار، وهو ما يقودها إلى القيام بعمليات يائسة ومحدودة وأقلّ إيذاءً من العمليات السابقة".
ونبّه منصر في المقابل إلى أنّ هذه العملية "تمت في وسط حضري وفي مكان قريب من موقع سياحي، أي أنّ الخطر الإرهابي أصبح داخل المدن وقريباً منها، ثمّ إنّ المجموعة التي نفّذت الاعتداء، لم تكن معلومة لدى الأمن وغير خاضعة للمراقبة والمتابعة، بما يعني أنّ خطر الإرهاب لا يزال قائماً".
من جهته، قال الباحث في علم الاجتماع والمختصّ في الجماعات الجهادية، جهاد الحاج سالم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ العملية التي جرت في سوسة أخيراً "هي السادسة في 2020، والجدير بالملاحظة أنّ هناك انخفاضاً كبيراً في العمليات الإرهابية مقارنةً بالعام الماضي، إذ تمّ تسجيل 29 عملية. لذا فإنّ العام الحالي هو الأضعف من حيث عدد العمليات الإرهابية منذ 2014، وهناك مؤشرات، على الرغم من عدم انتهاء السنة، على حصول تراجع كبير في الهجمات الإرهابية".
وأوضح الحاج سالم أنّ "من بين العمليات الـ6، تمّت أربع في المناطق الجبلية، باستعمال ألغام وعبوات ناسفة، وآخرها تفجير لغم في دورية عسكرية في جبل المغيلة، بالوسط الغربي لتونس، في 19 أبريل/نيسان الماضي ما أدى لإصابة عسكري. فضلاً عن عمليتين تمتا في مناطق حضرية، ومنها التفجير أمام السفارة الأميركية في شهر مارس الماضي". ورأى أنّ "هذا يكشف أنّ هناك تراجعاً كبيراً في العمليات الإرهابية وفي نشاط التنظيمات المتشددة في تونس، وأنّ الأطروحات التي تروج للإرهاب لم تعد تجد صدى كبيراً".
هناك انخفاض كبير في العمليات الإرهابية مقارنةً بالعام الماضي
وتابع أنه "بالعودة إلى عملية سوسة الأخيرة وعملية السفارة الأميركية، باعتبار أنّ العمليتين حصلتا في منطقة حضرية، يتبيّن أنهما كانتا أقل تأثيراً من العمليات التي جرت في مناطق حضرية سابقاً، مثل هجوم متحف باردو عام 2015، والهجوم الذي استهدف فندق "إمبريال مرحبا" في سوسة في 2015 أيضاً، إذ أودت تلك العمليات بحياة عدد كبير من الضحايا، وكان لها تأثير كبير، نظراً لطول فترة الهجوم والمواجهات التي حصلت. وحتى الأدوات المستعملة في الهجوم الأخير كانت مختلفة، إذ استعملت في العمليات السابقة أسلحة نارية، ويمكن القول إنّ هناك تدريبات تلقتها العناصر المنفذة للعمليات على المواجهات الطويلة مع قوات الأمن". وتابع "في حادثة السفارة الأميركية استعملت عبوة ناسفة يدوية الصنع، أمّا الآن فقد تمّ اللجوء إلى الدهس والطعن، أي أنه تمّ استعمال أسلحة بيضاء، ما يكشف أنّ منفذي العملية الإرهابية في سوسة غير مدربين على استعمال السلاح ولا يملكون أسلحة، وربما ليس لديهم مدخل أو منفذ للحصول على الأسلحة، ما يكشف عن محاصرة كبيرة للعناصر الإرهابية وللأماكن التي قد يتدربون فيها، فضلاً عن أنّ التدريبات التي كانت تحصل في ليبيا لم تعد ممكنة".
واعتبر الحاج سالم أنّ "القيام بمثل هذه العمليات مقترن بحسابات سياسية، في محاولة لاستغلال الظرف العام واللعب على التوترات السياسية الموجودة"، مشيراً إلى أنّ "تنظيم داعش تبنى هجوم سوسة، ولكن منفذي الهجوم لم تثبت مغادرتهم للبلاد، ولم يكونوا تحت المراقبة الأمنية، إذ لم تعرف لهم أي تحركات، ويمكن القول إنّ استقطابهم تمّ عن بعد، وكانوا على تواصل مع مجموعات إرهابية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، واطلعوا على مواقع وصفحات متخصصة في عمليات الدهس والطعن، وبالتالي فالتخطيط للهجوم حصل عن بعد، وعبر الشبكات الافتراضية".