رأى المحلل السوري عمر كوش أن استثناء مدينة حلب من اتفاق وقف النار المؤقت، الذي توصلت إليه واشنطن وموسكو أول من أمس الجمعة، يؤكد استهداف حلب ليتم الاجهاز على ما تبقى فيها من منشآت وبنى تحتية وبشر.
وأشار المحلل الحلبي إلى أن المدينة تتعرض للاستهداف، اقتصادياً وديموغرافيا، منذ عام 2012 للحد الذي حول اقتصادها إلى "حربي يعتمد على التهريب وبعض الورشات الصغيرة التي نجت من القصف والطيران"، محذراً خلال تصريحه لـ"العربي الجديد" من أن الأخطر فيما تعانيه حلب من استهداف الآن، إنما يأتي من استهدافها ديموغرافيا بعد تهجير معظم سكانها، لمشاريع تصب في مصالح الإيرانيين ومخططات الأسد، فضلاً عن فصلها عن تركيا التي تعتمد عليها، حتى بمعظم غذاء من تبقى فيها.
وتتعرض بعض أحياء حلب، ثاني أكبر مدينة، وعاصمة سورية الاقتصادية، إلى قصف من الطائرات الروسية والسورية، منذ عشرة أيام، أدت لمقتل 250 مدنياً بينهم 20 طفلاً، إضافة إلى تهديم المنازل ومشفى ومراكز طبية، وأتت بحسب مصادر معارضة، على الورش الصناعية والأسواق والمساكن، في أحياء السكري والمشهد والكلاسة والمغاير والقاطرجي والفردوس، بالقسم الشرقي من المدينة.
وقدر الصناعي محمد الدباغ الخسائر الاقتصادية التي لحقت بحلب، بأكثر من 55 مليار دولار، موزعة على سرقة وتدمير منشآت مدينة الشيخ نجار الصناعية بأكثر من 25 ملياراً، والباقي على البنى والمنشآت الأخرى الموزعة على أطراف المدينة والمقدرة قبل الاستهداف والثورة بنحو 40 ألف منشأة في حلب.
وفي حين لم ينكر الصناعي السوري أن بعض المنشآت الصناعية "خطوط إنتاج" تم نقلها إلى تركيا، خوفاً من استهدافها من قصف الأسد وسرقة بعض المخربين، أشار خلال حديثه لـ"العربي الجديد" إلى ما وصفه بالسرقة المنظمة التي جرت عبر نقل أهم منشآت الغزل والنسيج والغذائيات والصناعات الطبية، إلى مدينتي طرطوس واللاذقية التي يسيطر عليها نظام الأسد، مؤكدا أن "هذا أخطر من القصف الذي تتعرض له المدينة اليوم، فقد تم بمساعدة ما يسمى رئيس غرفة صناعة حلب، فارس الشهابي الموالي للأسد، من نقل المنشآت والرساميل إلى مدن الساحل السوري تحضيراً للدويلة، أو ما يسمى سورية المفيدة".
ولفت المتخصص بالصناعات النسيجية، الدباغ، أن بعض صناعيي حلب آثروا البقاء رغم محاولات نظام الأسد، تخسيرهم وتفليسهم إن لم ينقلوا منشآتهم لمناطق ومدن سيطرته، فقد رفع النظام أسعار الكهرباء والفيول والمازوت مرات عدة خلال الثورة، كما يمنع تجار حلب، إلا قلة تؤيده، من استيراد المواد الأولية من الخارج "وقد فلت قطعان جيشه والمليشيات على المنشآت الصناعية الذين يفرضون إتاوات على أصحابها تحت ذريعة حمايتهم".
مشيراً إلى أن 70% من منشآت حلب البالغة أكثر من 40 ألف منشأة قبل الثورة، تهدمت أو سرقت أو تم نقلها لمناطق سيطرة الأسد أو إلى خارج القطر، ولم يبق على قيد الإنتاج الجزئي اليوم، سوى 1065 منشأة، منها 170 في مدينة الشيخ نجار، من أصل 3392 منشأة بالمدينة الصناعية مطلع عام 2011 ونحو 360 منشأة بمنطقة الراموسة الصناعية من أصل 1370 وبعض المعامل والمنشآت الصغيرة في تجمع جبرين الصناعي.
ومن ريف حلب أفادنا الباحث تركي مصطفى أن الحملة الجوية التي تشنها طائرات نظام الأسد على حلب قبل أسبوع مضى، استهدفت منشآت خدمية عامة كمشفى شوقي خلال ومشفى القدس في حي السكري ومركز للرعاية الطبية في حي المرجة، كما طاول القصف سوق الهال في حي الحلوانية وهو مركز لبيع الخضار.
وأضاف مصطفى لـ"العربي الجديد" أن القصف الجوي السوري الروسي ركز على منشآت اقتصادية خاصة في حي الجلوم ( سوق بيع الألبسة ) وتصنيعها، وكان الطيران الروسي دمر ثلاثة معامل للأدوية، وكذلك شهد السوق الرئيسي في حي بستان القصر.
ويرى خبراء سوريون أن أخطر ما تتعرض له حلب، الواقعة شمالي غرب سورية وتشترك بحدود برية مع تركيا، هو التهجير السكاني والعبث ببنيتها الديموغرافية.
ويقول الاقتصادي السوري صلاح يوسف إن الظروف الإنسانية والمعيشية الصعبة التي يتعرض لها سكان حلب، دفعتهم للهجرة "وتحولت معظم أحياء حلب لمناطق أشباح بعد أن كان سكان المحافظة ثلث عدد سكان سورية".
وألمح يوسف المقيم باسطنبول، إلى أن عدد سكان الأحياء المحررة الـ65 اليوم لا يزيد عن 130 ألف نسمة، يعتمد جلهم على المساعدات والسلال الغذائية، بعد تهديم المنشآت والمنازل وتلاشي أي فرص للعمل، في حين يسكن الأحياء الـ15 التي يسيطر عليها النظام نحو مليوني سوري، بعضهم من محافظة إدلب.
وحذر يوسف خلال حديثه لـ"العربي الجديد" من استمرار تهديم أسواق ومعالم حلب، وسرقة ما تبقى من منشآتها الاقتصادية، معتبراً أن من أكبر الخسائر، هو الإنسان الحلبي الرائد صناعياً وتجارياً على مستوى سورية.
وتشتهر مدينة حلب التي تضم ثاني أقدم غرفة تجارة بالعالم تأسست عام 1885 للميلاد، بمصانع نسيجية وغذائية وصناعات تحويلية، وتشتهر فيها مدينة الشيخ نجار الصناعية والتي تعد من أكبر المدن الصناعية في الشرق الأوسط.
وكانت منظمات غير حكومية في واشنطن، قد حذرت من آثار حصار جيش الأسد على حلب، على غرار مدينة سريبرينتسا البوسنية في 1995.
وقال زاهر سهلول، المسؤول في الجمعية الطبية السورية الأميركية "إن حلب ستكون سريبرينتسا القادمة"، في إشارة الى مجزرة راح ضحيتها أكثر من 8000 مسلم على الأقل في البوسنة في يوليو/تموز 1995 على أيدي مليشيات صرب البوسنة.
وأضاف أن الطريق الوحيد الذي يربط تركيا بحلب التي كانت تلقّب قبل الثورة بعاصمة سورية الاقتصادية، تم قطعه بالكامل من قبل مجموعة كردية سورية حليفة لحكومة الأسد، ما يخشى على 300 ألف شخص في حلب.
وتعد حلب إحدى أقدم المدن المأهولة في العالم، ومنذ ما لا يقل عن أربعة آلاف عام، وقت كانت عاصمة لمملكة يمحاض الأمورية، وتعاقبت عليها بعد ذلك حضارات عدة مثل الحيثية والآرامية والآشورية والفارسية والهيلينية والرومانية والبيزنطية والإسلامية. وفي العصر العباسي برزت حلب كعاصمة للدولة الحمدانية.
وتشتهر حلب بمبانيها التاريخية الكثيرة مثل قلعتها الشهيرة، كما أن أبوابها وأسواقها من أعرق أسواق الشرق، وكنائسها ومساجدها ومدارس العلم فيها، حيث اعتبرتها منظمة "اليونسكو" مدينة تاريخية هامة، نظرا لتنوع وغنى التراث الإنساني الذي تشمله، خاصة وأن فيها أكثر من 150 معلما أثريا هاما تمثل مختلف الحضارات الإنسانية والعصور.