استنفار أردني لمواجهة الاتجار بالبشر

06 اغسطس 2016
عمال في حقل زراعي بالأردن (فرانس برس)
+ الخط -



انتشرت عمليات التلاعب في سوق تصاريح العمل بشكل واسع في الأردن، الأمر الذي دفع السلطات إلى فتح تحقيق موسع فيما وصفه مسؤولون حكوميون بالاتجار في أعداد ضخمة من الأيدي العاملة الوافدة إلى البلاد.
وقال محمد العلاف، رئيس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، إن هناك انتشارا لسماسرة تصاريح العمال والمكاتب التي تقوم بأعمال الاتجار بالأيدي العاملة، لافتا إلى أنه سيتم ملاحقة هؤلاء قانونياً.

وأضاف العلاف في تصريحات صحافية مساء الخميس، أن "هذه الأعمال تندرج في القانون الدولي ضمن الاتجار بالبشر، وليس من سياسة الأردن الاتجار بالبشر والسماح به وسنقف لهؤلاء التجار بالمرصاد"، مؤكدا أن "الهيئة بدأت بفتح تحقيق شامل في قضايا اتجار بالبشر".
وأشار إلى أن 92% من التصاريح المعطاة لعمال الزراعة في الأردن تندرج في باب الفساد، موضحا أن "سوق عمالة الزراعة يفوق حاجة السوق الأردني ويصل إلى نحو 12 ضعفاً".
وقال إن 8% فقط من التصاريح المعطاة لعمال الزراعة يحتاجها السوق، وما تبقى فساد، لافتا إلى أن ما تقوم به وزارة العمل لتنظيم سوق عاملي الزراعة حازمة ومستحقة لإيقاف الهدر بهذا القطاع.

وتقدر أعداد العمال الوافدين في الأردن بحوالي مليون عامل، أكثر من 300 ألف شخص يعملون بصورة مخالفة والغالبية تحمل تصاريح عمل زراعي كون رسوم التصريح الزراعي هي الأدنى وتبلغ نحو 170 دولاراً سنوياً.
وقال مصدر مسؤول في هيئة النزاهة ومكافحة الفساد لـ" العربي الجديد": "هناك بيع واسع لتصاريح العمل وإلزام العمال بدفع مبالغ مالية لسماسرة ومكاتب باتت متخصصة في هذا المجال".
وأضاف المصدر أن الهيئة ستتخذ عدة إجراءات بالتنسيق مع وزارة العمل للتصدي لهذه الحالات من الاتجار بالبشر، إضافة إلى التدقيق في تصاريح العمل.




وقال مراقب عمالي في وزارة العمل لـ"العربي الجديد"، إنه تم إغلاق مديرية العمل في محافظة المفرق شمال شرق العاصمة عمان وسحب ملفات استقدام الأيدي العاملة لوجود شبهات في تصاريح العمل.
وأضاف أنه سيتم التدقيق في سجلات مديريات العمل في عدد من المحافظات، مشيرا إلى أن كثيراً من تصاريح العمل الزراعي تعطى لأراض قاحلة وغير مزوعة وبعضها غير صالح للزراعة؛ وهذا ضمن عمليات الفساد والمتاجرة في تصاريح العمل.
وألمح إلى أن عدداً من موظفي وزارة العمل متورطون في قضايا المتاجرة بتصاريح العمل. وأوقف الأردن اعتباراً من يوليو/تموز الماضي استقدام الأيدي العاملة من الخارج، ضمن إجراءات تهدف إلى تنظيم سوق العمل وضبطه والضغط على العمال الوافدين المخالفين لتصويب أوضاعهم، وكذلك توفير فرص عمل للأردنيين. وتشير البيانات الرسمية إلى ارتفاع معدل البطالة إلى 14.5% في الربع الثاني من العام الحالي 2016.

وقال أحمد عوض، مدير المرصد العمالي الأردني لـ" العربي الجديد"، إن المرصد نبه قبل عدة سنوات إلى خطورة المتاجرة بتصاريح العمل، خاصة وأنها تندرج ضمن عماليات الاتجار في البشر، مشيراً إلى انتشارها على نطاق واسع.
وأضاف عوض، أن أعداد العمال الفعليين في القطاع الزراعي تقدر بحوالي 50 ألفا، بينما غالبية تصاريح العمل التي تصدر هي لغايات العمل في القطاع الزراعي ما يؤكد الاتجار بالبشر.

وتابع أن المرصد العمالي، أوضح في دراسة له أن الانتهاكات التي تتعرض لها العمالة الوافدة في الأردن، لا تقتصر على سوء الأوضاع المعيشية والافتقار للحدود الدنيا من الحقوق الإنسانية والعمالية الأساسية، وتدني الأجور وما يتصل بها من مشكلة هروب العمال، بل تمتد لتدخل في شبهة تعرضهم لحالات الاتجار بالبشر.

ويصف عمال وافدون العمل في الأردن بـ" السوق السوداء"، التي يجري فيها استغلال المهاجرين والوافدين لاستقدامهم مقابل مبالغ مالية يتقاضاها أصحاب العمل، وفق تقرير المرصد العمالي.
وتوزع حصة أصحاب العمل من العمالة الوافدة بالتنسيق بين مكاتب العمل ووزارة الزراعة، ويحدد مكتب العمل حصة المستفيد، الذي يمتلك سند ملكية لأرض زراعية، ويخصص استقدام عامل واحد لكل 10 دونمات زراعية (الدونم يعادل ألف متر مربع).

وقال عوض، إن هناك حالات استغلال مالي للعمال الوافدين مقابل حصولهم على تصاريح العمل، مشيرا إلى أن عمليات الاستغلال يتورط فيها صاحب العمل نفسه وأحيانا العمال أنفسهم، ويمتهن العديد من ملاك الحيازات من الأراضي الزراعية بيع تصاريح العمل للعمالة الوافدة، فبعد تحديد حصصهم من العمالية يقومون من خلال وسطاء بالاتصال بالراغبين بالحصول على تصاريح عمل للأردن، عارضين إرسال تصاريح عمل بأسمائهم مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 700 دولار إلى 1400 دولار لكل تصريح عمل.
وبحسب تقرير المرصد العمالي فإن العمال الذين يوافقون على دفع تلك المبالغ الباهظة للحصول على تصريح عمل غالبا ما يكونون من أصحاب المهن الطامحين للعمل في مجال اختصاصهم، وبالتالي فإن معدل ما يدفعونه مقابل تصريح العمل الزراعي يشكل طوق الوصول إلى الأردن.

وأشار عمال إلى أنه بعد وصولهم إلى الأردن يقوم بعض أصحاب العمال بحجز جوازات سفرهم، ويشترط لاسترجاعها دفع مبالغ إضافية.
وقال عمال إنهم يدفعون سنوياً مبلغاً معينا لأصحاب العمل الوهميين والحاصلين من خلالهم على تصاريح العمل؛ وذلك عند تجديد التصريح.
وتبلغ رسوم تصاريح العمل بالنسبة للعمالة في قطاع التجزئة والجملة وصيانة المركبات وقطاع الفنادق والمطاعم بحوالي 1050 دولارا، وللعاملين في باقي القطاعات حوالي 800 دولار، بحسب بيانات وزارة العمل الأردنية.

ووفقا للمرصد العمالي تعود أسباب المتاجرة بتصاريح العمل كونها تحقق عائدا ماديا للمزارعين أكثر من الزراعة، بينما يتعرض العمال المخالفون لطبيعة تصاريح العمل للمطاردة الأمنية وترحيلهم إلى بلدانهم، وبالتالي خسارتهم للمبالغ التي دفعوها.
وأشار المرصد إلى ضرورة تشكيل لجنة تحقيق متخصصة لدراسة ظروف إصدار تصاريح العمل للعاملين في القطاع الزراعي ومدى أحقية المستفيدين منها من بعض أصحاب الحيازات من الأراضي، وفيما اذا كان العمال الذين تم إصدار تصاريح عمل لهم يعملون لديهم أم لا.

وتشكل الأيدي العاملة المصرية في الأردن غالبية الوافدين وبنسبة تقدر بحوالي 70%. وتتركز العمالة الوافدة في قطاع الزراعة والصيد بنسبة 28.1%، تليها الخدمات الاجتماعية بـ 25.3%، ومن ثم الصناعات التحويلية 21.5%، في حين بلغت النسبة في قطاع تجارة المطاعم والفنادق 13%، وفي قطاع البناء والتشييد 8.9%.



المساهمون