استنعاج الأمة

21 يناير 2015
+ الخط -

اليوم، أصبحت، يا عبد الحكيم، أعتقد أنه لا حياة لي في بلدي الذي بتّ أرى فيه جزاء كلمة (اتق الله) هو ما أنا فيه. عندما قلت لكم اتقوا الله، قصدت أن تتقوا الله في هذا الشعب الذي قمنا لخلاصه واسترداد حريته. قلت لكم اتقوا الله، بعد أن ألجمتم جميع الأفواه، إلا أفواه المنافقين والمتزلفين والطبالين والزمارين. قلت لكم اتقوا الله في الحرية التي قضيتم على كل ما كان باقيا من آثارها، وكنا نأمل أن تتفتح لها براعم نامية، نطمئن حين نمضي من هذه الدنيا أننا قد أدينا أمانتنا، فنترك بعدنا هذه البراعم، وقد نضجت وأصبحت قوية قادرة على الصمود.
قلت لكم اتقوا الله، لأنكم أردتم استنعاج هذا الشعب، وأنا لم أكن أرضى بذلك، ولذلك، أصبحت، الآن، لا أطيق الحياة في هذا الجو الخانق.
أنا آسف أن تتحول ثورة الحرية إلى ثورة إرهاب، لا يعلم فيها كل إنسان مصيره، لو قال كلمة حرة يرضي بها ضميره ووطنه، إنني لن أستعطف أحداً، ولن أخاف إلا الله، وأنا حين أكتب إليك الآن، لا أطلب شيئاً غير الرحيل عن هذه الأرض، التي يئست من أن تقال فيها كلمة حق، فضلا عن أن يقام فيها ميزان عدل.
يا عبد الحكيم، ألم أقل لك، في مارس/آذار الماضي، ما هي ضمانات الحرية، فقلت "نحن ضمانات الحرية"، وقلت لك إنني لا أثق في ذلك، وهذه الأيام تأتيني بالبرهان بأن للحرية ضمانات وأنتم الضمانات، كل شيء جائز. ألم أقل لك، يومئذ، إنه إذا لم يتنازل عن تألهه وفرديته، فلا فائدة للعمل معه، فهل، يا ترى، الذي جرى لمواجهة كلمة اتق الله هو دليل لهذا التنازل؟ كلمة صريحة أقولها لك، يا عبد الحكيم، أنا أرثي لهذه الحال، ومع ذلك، أتمنى أن يهديكم الله، لا تغضب أنت الآخر يا عبد الحكيم، راجع نفسك ولا يغلبك الهوى والغرض، راجع ضميرك قبل ثورة 23 يوليو، وعلى مدى سنين من هذه الثورة، ثم انظر أين ينتهي بكم الطريق، طريق الحرية أقدس ما منح الله للإنسان.
يا عبد الحكيم، لا تتصور أنني مبتئس بما جرى، ولكنني حقيقة أشعر بالأسف، وأقول "يا حسرة على الرجال. يا خسارة على الثورة"، وأشعر بذنب واحد، هو أن ثقتي غير المحدودة فيكم مكنت الطغيان أن يسلب هذا الشعب حريته وكرامته وإنسانيته، ومهما كانت الشعارات الزائفة التي ترددت، والادعاءات التي تقال، فالناس جميعا يعرفون حقيقتها والسلام".
هذه أجزاء من رسالة مطولة بعث بها عضو مجلس قيادة ثورة يوليو، كمال الدين حسين، إلى زميله، عبد الحكيم عامر، يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 1965 من سجنه، بعد قرار عبد الناصر باعتقاله، وتحديد محل إقامته، بعد أن أرسل لعبدالناصر خطابا في 12 /10 /1965 يعترض على الفساد، وانتهاكات حقوق الإنسان، والقبض على الإخوان المسلمين، والتعذيب الذي تعرضوا له. والذي توضح بجلاء، ومن دون حاجة إلى مزيد شرح أو تنظير، طبيعة حكم الاستبداد والديكتاتورية التي رسختها ثورة يوليو التي نعيش آثارها حتى الآن، والتي ضاقت بنصيحة من أحد رجالها الذي استيقظ ضميره، وإن كان هذا لا يعفيه من المسؤولية عن المشاركة في الجرائم التي ارتكبتها الثورة، خصوصاً في ملف الحريات وانتهاك حقوق الإنسان، وهي رسالة واضحة، لما ينتظرنا من مصير مظلم لسنوات طويلة، إذا تمكن هذا الانقلاب من تثبيت أركانه، وتنفيذ مخططاته.

avata
avata
صفوت حسين (مصر)
صفوت حسين (مصر)