انتابت شكوك عديدة، خبراء وكالة "Alfa ألفا" الجزائرية الحكومية المختصة في مكافحة الغش التأميني، بعد فحص ملف محال إليهم من شركة تأمين، باسم العميل موسى عبد الكريم والذي طالب بتعويض قدره 9 ملايين دينار (70 ألف دولار) بعد تلف سيارته في حادث مروري، لكن الاستعانة بمحاضر الدرك وكاميرات المراقبة كشفت تناقض ادعاء العميل وتصريحه الكاذب حول مكان وتوقيت الحادث.
عقب التحقيق ظهر أن عبدالكريم استعار لوحة ترقيم مركبة صديقه المشابهة لسيارته، لعدم امتلاكه عقد تأمين شامل بحسب إفادة رئيس الوكالة عبد الحميد سلطاني.
واقعة التلاعب السابقة بملفات التأمين تتكرر مع 30% من الملفات الموجودة على طاولة الشركات الجزائرية، وفق تأكيد حسان خليفاتي، نائب رئيس الاتحادية الوطنية لشركات التأمين وإعادة التأمين (جمعية مهنية لشركات التأمين الخاصة والحكومية)، والذي قال لـ"العربي الجديد" :"الحوادث الوهمية والتصريحات الكاذبة حول ما جرى في الحادث وتزوير العقود صارت ظاهرة تستنزف شركات التأمين بعد الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ الانتخابات الرئاسية الماضية نتيجة عدم استقرار الوضع آنذاك، كما أن هذا التهديد قد يرتفع، خلال عام 2020 بفعل إجراءات تعليق النشاط الاقتصادي جراء كورونا ما كبد الشركات الاقتصادية والمتعاملين خسائر كبرى، قد تدفع بالكثير منهم إلى اللجوء للتصريح الكاذب، للظفر بتعويضات مالية عن تلف منتوجهم أو كساده".
وعادلت حصيلة قطاع التأمين في الجزائر 152.11 مليار دينار (توازي 1.18 مليار دولار أميركي) خلال عام 2019 مقابل 143.39 مليار دينار(1.16 مليار دولار) في عام 2018 بنسبة نمو قدرت بـ 6.1% وفقا لخبير التأمينات يحيى زان، والذي كشف أن قيمة خسائر المؤمنين المصرح بها، بلغت 82 مليار دينار (638 مليون دولار) عام 2019 مقارنة مع 67.9 مليار دينار (528 مليون دولار) في عام 2018 كما عادلت قيمة التعويضات التي تم صرفها للمؤمنين 73.2 مليار دينار (569) مليون دولار حسب البيان المعلوماتي الذي حصل عليه الخبير زان من الاتحادية الوطنية لشركات التأمين وإعادة التأمين.
5 ملايين دولار تعويضات غير مستحقة
تمكنت وكالة "ألفا" من إحباط 561 تصريحا تأمينيا كاذبا منذ بداية 2018 وحتى مارس/آذار 2010، وإعادة مبلغ 5.3 ملايين دولار لشركات التأمين، بحسب ما كشفه لرئيس الوكالة.
وأحصت "ألفا" 260 بلاغا كاذبا بقيمة تعويضات 370 مليون دينار (2.5 مليون دولار) خلال عام 2018، كما سجلت 258 ملفا كاذبا بقيمة 400 مليون دينار (2.76 مليون دولار)، في عام 2019 ، كما تم تسجيل 43 ملفا خلال أول ثلاثة أشهر من 2020، ويوضح سلطاني أن 70% من ملفات الغش تتعلق بالسيارات والبقية مرتبطة بالحرائق، في حين أن 50% فقط من قضايا الغش التأميني محل التحقيق في مجال السيارات يتم كشفها بسبب نقص المخابر المختصة، وهنا يقول رئيس جمعية حماية مستهلكي التأمين وأستاذ قانون التأمينات بجامعة الجزائر، عادل أمين قويدري أن نقص مخابر معاينة المركبات في الجزائر، وغياب ملف وطني مشترك بين الداخلية والنقل وجهات التأمين يشمل بيانات السائقين والمركبات ساعد على تفشي الظاهرة في مجال السيارات على عكس الحرائق، لأن الشرطة والدرك الجزائريين يتوفران على تكنولوجيات بحث جنائي متطورة تكشف الحرائق المفتعلة وأسبابها.
عقوبات غير كافية
يؤكد المحامي المعتمد لدى المحكمة العليا عبد الرحمن بن عائشة أن ظاهرة الحوادث الوهمية لا سيما في الجانب المروري عرفت اكتساحا واضحا في مجموع الملفات المعروضة على الجهات القضائية في الجزائر تحت مسمى جنحة التصريح الكاذب وتعرف بكونها تقديم إفادات غير صحيحة أمام الجهات الإدارية أو الرسمية بغية الحصول على مزايا يعاقب عليها القانون بموجب المادتين 222 و 223 من قانون العقوبات.
وتنص المادة 223 من القانون رقم 06/23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006 المعدل والمتمم لقانون العقوبات، أن "كل من تحصل بغير حق على الوثائق المبينة في نص المادة 222 أو شرع في الحصول عليها سواء للأدلاء بإقرارات كاذبة أو انتحال اسم كاذب أو صفة كاذبة أو بتقديم معلومات أو شهادات أو إقرارات كاذبة يعاقب بالحبس من 3 اشهر الى 3 سنوات وبغرامة من 20000 (155 دولارا) الى 100000 ألف دينار (779 دولارا)"، وهي "عقوبة وغرامة غير كافية" كما قال بن عائشة لـ"العربي الجديد".
طرق التحايل على الشركات
يمكن حصر طرق التحايل على الشركات في التصريح الكاذب من قبل المؤمن، أو تغيير عقد التأمين، خاصة عندما يكون الاتفاق لا يغطي المؤمن فيحاول إيجاد منفذ للحصول على تعويض شامل من خلال تزوير عقد ثان، ويكون ذلك سواء بالتواطؤ مع بعض موظفي أو شركات التأمين الوسيطة، وفقا لما رصده كل من عبد الحميد سلطاني، وعادل أمين قويدري، لكن "المتواطئ الأول في التزوير هو الخبير الذي توفده شركة التأمين وهؤلاء يستغلون نقص الرقمنة وعدم حفظ معطيات عقود التأمين إلكترونيا للتلاعب بها، إذ يسهل تغيير عقود التأمين أو التلاعب بها في ظل غياب شبكة وطنية للإعلام الآلي تتضمن معطيات كافة شركات التأمين والعقود المبرمة" كما يؤكد المصدران.
ويكشف سلطاني عن تلاعب يقوم به بعض الأشخاص ممن لا يتوفرون على تأمين شامل، ويقتنون بعدها بساعات عقد تأمين، ثم يتم التلاعب بتاريخ العقد بالتواطؤ مع موظفي التأمين، كما قد يتم تغيير اسم السائق غير المؤمن بشخص آخر يمتلك عقد تأمين شامل، ليستفيد من التعويض بسهولة، أو تغيير عقد التأمين حيث يلجأ المتحايل إلى شركة ثانية بحثا عن ضمان يغطي هذا الحادث، ويشرح سلطاني الأمر قائلا "إذا لم تقدم الشركة الأولى للمؤمن تعويضات كافية، يغيّر العقد لشركة ثانية بنفس تاريخ الأولى، وينتظر أن تدفع أكثر، هذه الأمور تتم بسهولة بسبب غياب شبكة معلوماتية موحدة".
وبالنسبة لقطاع التأمين متعدد الأخطار الخاص بالمصانع، والذي تصل تعويضاته إلى مبالغ ضخمة، قد يقوم المؤمن بالتحايل من خلال إتلاف مخزون قديم من المواد الأولية أو مواد مصنعة ويقوم بافتعال حريق، عندما يكون العتاد قديماً لتجديده، وهنا تقوم وكالة "ألفا" وفقا لسلطاني بالاطلاع على الفواتير، وفي حالات أخرى يدّعي المصنّع أن الآلة سرقت منه، وغالبا ما يكشف المحقق تفاصيل القضية، خاصة إذا كانت الآلة ثقيلة الوزن وتصعب سرقتها.
ويتحدث سلطاني عن احتيال رجل أعمال استورد آلة صناعية وافتعل حادثا، قائلا إن الآلة أتلفت لدى إخراجها من الميناء بسبب ارتطامها بجسر في الطريق السيار، مطالبا التأمينات بالتعويض، وبعد التحقيق تبين أن علة الجسر في الطريق التي سلكها من ميناء سكيكدة شرقي البلاد، لا يسمح بوقوع الحادث بحسب المعطيات التي حصلت عليها "ألفا" من الجهات العمومية. وحققت وكالة "ألفا" أيضا مع مصنّع افتعل حريقاً للحصول على تعويض من شركة الكهرباء الحكومية سونلغاز، قائلا إن سبب الحادث شرارة كهربائية سببها جهاز تابع للشركة الحكومية، وبعد الاعتماد على الكاميرات اكتشف المحققون أن مصدر الحريق مواد غير مصنعة وامتد إلى خارج المصنع ليصل إلى شجرة بعيدة، واعترف بعدها المتورط، وطالب بإغلاق التحقيق مقابل التنازل عن التعويضات. كما تحقق الوكالة مع مصنّع مواد غذائية بولاية باتنة شرقي العاصمة، وتدور شكوك حول افتعال الحريق للمطالبة بتعويض 400 مليون دينار (3.1 ملايين دولار).
مواجهة قضائية
وثقت معدة التحقيق بيانات 45 قضية لدى المحاكم تخص 3 شركات مختصة في التأمين، 15 شكوى أودعتها شركة "أليانس" للتأمينات وفقا لتصريح حسان خليفاتي تتعلق بسيارات فاخرة تزيد قيمتها عن 10 ملايين دينار (70 ألف دولار)، غير مؤمنة قام أصحابها بتزوير عقد تأمينها من حيث تاريخ العقد ليكون قد تم إبرامه قبل الحادث وفق ما هو مكتوب، ولكن التحريات أثبتت تواطؤاً بين وكيل التأمين والمؤمن ليبتين أن العقد وقع بعد الحادث وتمت إحالة هذه القضايا للمحاكم، بالإضافة إلى قضايا حرق مصانع مفلسة بغية الحصول على تعويضات أو تضخيم قيمة العتاد الموجود في المصنع المحروق، وقضايا أخرى ترتبط بحرق السلع الكاسدة في المصانع للاستفادة من التعويضات.
ويتابع كل من الصندوق الوطني للتكافل الفلاحي، وهي شركة تأمين مملوكة للحكومة مختصة في التأمين الفلاحي وشركة التأمين الجزائرية "أس .أ .أ" المملوكة للحكومة 30 قضية أخرى، كما يقول شريف بن حبيلس الرئيس المدير العام للصندوق الوطني للتكافل الفلاحي، والذي قال إن التزوير يقع خاصة في حرائق المحاصيل الفلاحية ونفوق الحيوانات، إذ يسعى بعض المؤمنين للاستفادة من قيمة تعويض تفوق حجم الخسائر، في حين تفتعل الحرائق في بعض الأحيان، ولا يوجد غير حل وحيد لمواجهة الظاهرة كما تؤكد مصادر التحقيق ومن بينها الرئيس المدير العام لشركة التأمين الجزائرية الحكومية، سايس ناصر، والذي دعا إلى خلق قاعدة معلوماتية مشتركة بين جميع شركات التأمين لمنع الغش، الذي يشمل في بعض الأحيان قيام الزبون بالتأمين لدى أكثر من شركة والاستفادة من أكثر من تعويض.