بدأت سُبحة الاستقالات تكرّ من الحكومة اللبنانية والبرلمان، حيث إنّه على الرغم من تعيين بديل لوزير الخارجية المستقيل، ناصيف حتّي، بسرعة قياسية للمحافظة على استمرارية مجلس الوزراء وتمسّك رئيسه بولايته، بيد أن الانفجار الذي هزّ بيروت الثلاثاء فرضَ واقعاً جديداً.
وحرّك انفجار مرفأ بيروت الشارع اللبناني الذي انتفضَ لعدالة أكثر من 150 ضحية و6000 جريح ومفقودين، ولإعادة بناء عاصمة تهدّمت في 4 أغسطس/ آب الجاري وشرّدت آلاف العائلات بسبب فساد طبقة سياسية أودت بصفقاتها وتسوياتها ومحاصصاتها بالبلد إلى الانهيار الشامل.
وأعلنت وزيرة الإعلام اللبنانية منال عبد الصمد، اليوم الأحد، استقالتها من الحكومة بكلمة مباشرة اعتذرت خلالها من اللبنانيين الذين "لم نتمكن من تلبية طموحاتهم، وبقيَ التغيير بعيد المنال". وقالت: "بما أن الواقع لم يطابق الطموح، وبعد هول كارثة بيروت، أتقدّم باستقالتي من الحكومة".
ولم تلقَ استقالة عبد الصمد الكثير من الترحيب في الشارع اللبناني الذي يعتبر أن استقالة الحكومة برمّتها واجب، لا بل انتفاضتهم التي علّقها نسبياً فيروس كورونا كانت ولا تزال تدعو إلى سقوط الحكومة التي عجزت عن إدارة الأزمة وأكثر، أودت بالبلد إلى أسوأ أزمة اقتصادية ومعيشية تخطّى فيها سعر صرف الدولار الـ10 آلاف ليرة لبنانية، فيما لا يزال سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة.
لم تلقَ استقالة عبد الصمد الكثير من الترحيب في الشارع اللبناني الذي يعتبر أن استقالة الحكومة برمّتها واجب
كذلك كانت وزيرة الإعلام مطالبة بالاستقالة، نتيجة ارتفاع مستوى القمع الذي تعرّض له الصحافيون في عهدها، والتوقيفات التي طاولتهم ومحاولة كمّ أفواه وأقلام المؤسسات الإعلامية والمواقع الإلكترونية الإخبارية التي تكتب عن وجع الشعب اللبناني وتضيء على ممارسات حكومة حسان دياب.
وعلى صعيد الحكومة، من المتوقع أن يتقدّم عدد من الوزراء باستقالتهم، ومن أبرز الأسماء التي باتت خطوتهم شبه مؤكدة، وزير الاقتصاد راؤول نعمة، ووزير البيئة والتنمية الإدارية دميانوس قطار.
وتأتي هذه التطوّرات السياسية بعد زيارة قام بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للبنان، جال خلالها على الرؤساء الثلاثة، ميشال عون ونبيه بري وحسان دياب، واجتمع برؤساء الكتل النيابية، واتسمت مواقفه بالحادة المطعّمة بالتوبيخ، موجهاً انتقادات لاذعة إليهم، وداعياً إلى تغيير النظام وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
ويقول مصدر حكومي لـ"العربي الجديد" إنّ هناك بحثاً جدياً لاستقالة رئيس الحكومة، لكن القرار لم يتخذ بعد، وهناك اتصالات مكثفة تجري وتتابع في الساعات القليلة المقبلة قبل إعلان الموقف نهائياً.
وتعتبر الحكومة مستقيلة بحسب المادة 69 من الدستور اللبناني، إذا استقال رئيسها، إذا فقدت أكثر من ثلث عدد أعضائها المحدد في مرسوم تشكيلها وبوفاة رئيسها، وعند بدء ولاية رئيس الجمهورية وعند بدء ولاية مجلس النواب، كذلك عند نزع الثقة منها من المجلس النيابي بمبادرة منه أو بناءً على طرحها الثقة.
وعند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة، يصبح مجلس النواب حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة.
وعلى وقع الاحتجاجات الشعبية أمس السبت التي شهدت مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والقوى الأمنية لأكثر من سبع ساعات، وأدت إلى سقوط أكثر من 200 جريح ومقتل الرقيب أول توفيق الدويهي، خرج رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب بكلمة مباشرة أكّد فيها أنه ليس متمسّكاً بالسلطة و"يريد حلاً وطنياً ينقذ البلد".
ودعا دياب "كل الأطراف السياسية للاتفاق على المرحلة المقبلة، وليس لديهم الكثير من الوقت، أنا مستعد لتحمّل هذه المسؤولية لمدة شهرين، ليتفقوا. والمطلوب عدم الوقوف ضد إنجاز إصلاحات بنيوية حتى ننقذ البلد".
وقال رئيس الوزراء اللبناني: "سأطرح على جلسة مجلس الوزراء في قصر بعبدا يوم الاثنين المقبل مشروع قانون لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، بالإضافة إلى متابعة البحث في مستجدات وتطورات الأوضاع الناتجة من كارثة الانفجار في مرفأ بيروت".
وعلى الصعيد النيابي، علّق النائب نعمة إفرام نشاطه في البرلمان النيابي إلى حين تصويت مجلس النواب على تقصير الولاية، وذلك بعدما أعلن في وقتٍ سابق استقالته من مجلس النواب، قبل أن يقول في حديث تلفزيوني إنه أخطأ في التعبير.
بدوره، غرّد رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع على حسابه عبر "تويتر"، كاتباً: "إلى جانب أعمال الإغاثة القائمة في بيروت، نحن نعمل الآن على إغاثة الجمهورية من خلال تخليصها من هذا المجلس النيابي، كما نجري الاتصالات اللازمة ونقوم بالجهود الحثيثة لجمع ما يكفي من الاستقالات للوصول في أسرع وقت ممكن إلى انتخابات نيابية مبكرة".
وكان رئيس "حزب الكتائب اللبناني" النائب سامي الجميّل قد أعلن، السبت، استقالة نواب الحزب من البرلمان والانتقال إلى "المواجهة مع جميع اللبنانيين الشرفاء في سبيل لبنان سيّد حرّ ومستقلّ"، وذلك خلال مراسم دفن الأمين العام للحزب نزار نجاريان، الذي راح ضحية انفجار مرفأ بيروت.
ويمثل "حزب الكتائب" ثلاثة نواب في البرلمان اللبناني، هم سامي الجميّل، إلياس حنكش، ونديم الجميّل، ويتخذ لنفسه موقع المعارض للعهد الممثل برئاسة الرئيس ميشال عون، ولم يمنح الثقة لحكومة الرئيس حسان دياب.
كذلك، تقدمت النائبة بولا يعقوبيان باستقالتها من البرلمان، في ظلّ وجود مؤشرات تتحدث عن بحث جدي لدى نواب مستقلين لاتخاذ الخطوة نفسها، اعتراضاً على ممارسات السلطة السياسية والحكومة اللبنانية، وتضامناً مع الضحايا الذين راحوا ضحية انفجار مرفأ بيروت من دون أن يصار إلى محاسبة الرؤوس الكبيرة حتى الساعة أو تستقيل الحكومة.
وأعلن النائب في "اللقاء الديمقراطي" (يرأسه النائب تيمور نجل وليد جنبلاط) مروان حمادة، نيته الاستقالة يوم وقوع التفجير قبل أن يقدمها رسمياً الأربعاء الماضي، علماً أنّ زملاءه في الحزب لم ينضموا إليه، واقتصرت استقالته على مبادرة فردية، وسط إصرار رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي"، وليد جنبلاط، على بقاء نوابه في البرلمان "منعاً لإحداث فراغ يزيد من قوّة الموالين للسلطة".