يبدو أن توقعات الخروج المبكر لرئيس الوزراء اليوناني، ألكسيس تسيبراس، وحزبه من الحكم باتت الأكثر ترجيحاً من خروج اليونان من منطقة اليورو. فبعد الشتائم والإهانات التي وجهها كل من تسيبراس ووزير ماليته، يانيس فاروفاكيس، لزعماء منطقة اليورو، انتقلت المعركة من "محنة المال" إلى "ألعاب السياسة"، ومن معركة إنقاذ اليونان من الإفلاس إلى معركة إنقاذ اليونان من "التطرف اليساري".
وبالتالي فزعماء أوروبا يريدون رأس تسيبراس، كما قال برلماني بريطاني: "تسيبراس وقع في الفخ ... إنهم يريدون اليونان في أوروبا بدون اليسار".
ورغم أن معركة إنقاذ اليونان من أزمة المال التي أوردتها موارد الإفلاس مثل العديد من أخواتها من منطقة اليورو، بدأت معركة اقتصادية بحتة مشروطة "بالمساعدات مقابل الإصلاحات"، إلا أنها سرعان ما تحولت إلى معركة سياسية في يناير/كانون الثاني الماضي، حينما فاز حزب سيريزا اليساري المتطرف بالحكم في أثينا.
فزعماء بروكسل لا يرغبون في التعامل مع الأحزاب اليسارية أو اليمينية المتطرفة، كما يعني فوزها بالحكم تهديداً لمشروع الاتحاد الأوروبي برمته.
وبالتالي، فإن فوز حزب سيريزا بالحكم في اليونان، رافعاً راياته الحمراء وشعاراته الرافضة لشروط الصفقة التي أنقذت اليونان من الإفلاس التي وضعها كل من صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي والمفوضية الأوروبية، فيما يعرف بـ" الترويكا"، كان كارثة في بروكسل.
من هذا المنطلق، يلاحظ أن الثقة في الآونة الأخيرة انعدمت بين بروكسل وأثينا، ووصلت خلال اليومين الماضيين إلى درجة أن العديد من المسؤولين ووزراء المال في أوروبا يعتقدون أنه "حتى في حال تصويت اليونانيين بنعم، فإنهم لا يستطيعون التفاوض مع الحكومة الحالية التي يقودها تسيبراس".
وهذه إشارة واضحة إلى أن مواقف بروكسل لن تتغير تجاه الحكومة الحالية في اليونان، مهما كانت النتيجة.
في هذا الصدد، يقول وزير المالية البلجيكي، فان أوفرت فيلدت، "هنالك اعتقاد لدى الحكومة اليونانية أننا سنتفاوض معهم حول برنامج الإنقاذ إذا صوت اليونانيون بنعم ... لكن للأسف أنا وزملائي نجد هذا غير ممكن".
ويقول خبراء في لندن "حتى في حال فوز معسكر نعم، كما هو متوقع، فإن التفاوض حول برنامج إصلاح اقتصادي جديد لليونان سيأخذ وقتاً، ومن غير المتوقع أن يتم قبل نهاية الصيف".
ويرجح العديد من الخبراء أن تلجأ منطقة اليورو في حال تصويت اليونانيين بنعم واستقالة حكومة تسيبراس، إلى منح اليونان حزمة طارئة لتسيير أمورها المالية حتى بداية أكتوبر/تشرين الأول.
اقرأ أيضاً: أوروبا تحبس أنفاسها بانتظار نتيجة الاستفتاء في اليونان
ويبررون ذلك بقولهم إن اليونان بحاجة إلى برنامج إنقاذ جديد ومفاوضات جديدة إذا خرجت الحكومة اليسارية من الحكم، وسيكون من الصعب تصميم مثل هذا البرنامج في موسم الصيف الذي يصادف إجازات زعماء منطقة اليورو.
ولكن رغم ذلك، يبقى أن اليونان بحاجة إلى حزمة إنقاذ جديدة إذا صوت اليونانيون بنعم قبل يوم 20 يوليو/تموز، حتى تتمكن من تسديد قسط 3.5 مليارات يورو للبنك المركزي الأوروبي.
وتسديد هذا القسط مهم لأنه بدونه سيوقف البنك المركزي الأوروبي السيولة، ويعلن اليونان دولة مفلسة.
ووصلت أزمة الثقة بين حكومة أثينا وقادة بروكسل إلى "مرحلة اللاعودة"، ومهما كانت نتيجة الاستفتاء، فالمؤكد أن قادة بروكسل لن يجلسوا في طاولة المفاوضات مع حكومة تسيبراس.
إضافة إلى ذلك فإن ساسة أثينا يفسرون بشكل خاطئ التصريحات الأوروبية. فبينما يعتقد تسيبراس أن التصويت بـ "لا" سيقوي موقفه التفاوضي، يؤكد المسؤولون الأوروبيون أن التصويت بـ "لا" سيعني خروج اليونان من منطقة اليورو.
وقال رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتس للإذاعة الألمانية بهذا الصدد "إنه سيتعين على اليونانيين طرح عملة أخرى إذا صوتوا بالرفض في استفتاء يوم الأحد على صفقة، لتقديم المساعدات في مقابل تطبيق إصلاحات".
وذكر شولتس، في المقابلة التي جرى تسجيلها يوم الخميس وأذيعت يوم الأحد، أنه إذا صوت اليونانيون بالرفض "فسيكون عليهم طرح عملة أخرى بعد الاستفتاء؛ لأن اليورو لن يكون متاحا كوسيلة للسداد".
وأضاف قائلاً "في اللحظة التي يطرح فيها أحد عملة جديدة يخرج من منطقة اليورو".
وسيواجه اليونانيون على الأرجح المزيد من الاضطرابات المالية والسياسية في الأيام والأسابيع المقبلة، مهما كانت نتيجة الاستفتاء. ويرى الخبير المالي ولفغانغ بيكولي، من شركة تينيو انتيليجانس الاستشارية، "مع وضع كل شيء في الاعتبار فإن الخروج المبكر لرئيس الوزراء ألكسيس تسيبراس من السلطة لا يزال أكثر احتمالاً من خروج اليونان".
وأضاف "بصرف النظر عن نتيجة الأحد، فسوف تظل هناك مستويات كبيرة من التقلبات السياسية".
ورغم معاناة الشعب اليوناني خلال سنوات برنامج الإنقاذ المالي، يقول اقتصادي يوناني لتلفزيون "آر تي الروسي"، اليونان حظيت بحزمة مالية سخية وشروط دفع غاية في السخاء من قبل الاتحاد الأوروبي.
وهذا صحيح، حيث تقرض منطقة اليورو اليونان بنسبة فائدة قدرها 1.8% وتمنحها فترة إعفاء حتى العام 2023، مقابل الفائدة التي يتقاضاها المشترون لسنداتها والتي تفوق 15%.
وربما يكون الشرخ الذي سيحدثه خروج اليونان من منطقة اليورو وما يحمله من كلفة سياسية وشكوك حول مستقبل "أوروبا الواحدة"، هو الذي يحمل زعماء أوروبا على التفاوض مجدداً مع اليونان، وليس الكلفة المالية التي جمعت عيدانها وحسبت جيداً خلال الشهور الأخيرة وللدرجة التي لم تعد معها الأزمة تؤثر على مجريات الأسواق.
ويرى الدائنون الأوروبيون أن التصويت بـ "نعم" سينعش الآمال في تقديم مساعدات لليونان، لكن إجراءات فرض قيود على رأس المال، والعجز عن سداد دين صندوق النقد الدولي أضعف الوضع الاقتصادي لليونان وقوض الجدارة الائتمانية، لذا فإن حزمة إنقاذ جديدة ستضم على الأرجح شروطًا أكثر قسوة من تلك التي عرضت حتى الأسبوع الماضي.
وتقدر ديون اليونان العامة بحوالي 370 مليار دولار، حسب تقديرات الاقتصادي العالمي جوزيف ستيغلتس الحائز على جائزة نوبل، ولكن إذا أضيفت إليها ديون المصارف فإنها تصل إلى قرابة نصف ترليون دولار. وبالتالي فإن إعادة ترتيب هذه الديون تحتاج إلى فترة أطول في كل الأحوال، ومهما كانت النتيجة.
اقرأ أيضاً: اليونانيون يبدأون التصويت في استفتاء تحديد المصير