15 سبتمبر 2023
استفاقة أردنية
جملة الختام في خطاب العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، في افتتاح الدورة العادية لمجلس الأمة (البرلمان) في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، كانت على قدرٍ من الأهمية، كونها المسألة الوحيدة التي طرحت مع بقية المسائل المحلية، وهي ذات بعد عربي ومتصلة بقضية فلسطين. قال الملك: "سيستمر الأردن بالنهوض بدوره التاريخي في الدفاع عن قضايا أمتنا العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس..". وقبل يومين من الخطاب، التقى وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وسمع منه ما طرح عليه في زيارته الرياض، والذي قيل إنه استدعاء طُلب فيه عباس لإبلاغه بشأن التفاهمات السعودية الأميركية على مستقبل القضية الفلسطينية. وباعتبار أن فلسطين وقضيتها من الهموم المحلية والوطنية الأردنية، جاء عليها خطاب الملك الذي أحيا عبارة "كامل التراب الفلسطيني" والقدس هي العاصمة هنا. ثم تخرج إسرائيل بعد يومين غاضبة مهددة بوقف مشاريع المياه التي تعمل مع الأردن عليها، وأهمها قناة البحرين، وتظهر تسريبات في الإعلام بشأن قلق أردني إزاء مصير اللاجئين والقدس والتسويات النهائية، وتأتي مقالات كتاب أعمدة تشدد على أن ملف اللاجئين أردني بامتياز.
لماذا حدث هذا كله؟ ولماذا قال الملك "كامل التراب الفلسطيني"، ولم يذكر حل الدولتين أو حدود الرابع من حزيران، أو غيرهما من الصيغ التي لازمت القضية الفلسطينية منذ بدأ قطار المفاوضات والتسويات؟
سمع الأردن العرض الذي قُدم للرئيس الفلسطيني الذي لا شك أنه أطلع عمّان على
ما سمعه في الرياض، وعلى ما يُراد له في زمن الحديث عن "صفقة القرن". وكان ما جرى قبل ذلك كافياً لكي يدرك الأردن أنه في غير دائرة الاهتمام المقبولة من الأشقاء شرقاً. وهو يشعر بأن هناك عملاً يتجاوز دوره في موضوع السلام العربي الإسرائيلي، وخصوصا في الملف الفلسطيني المهم، والأردن هو المتأثر أكثر من غيره به، فما الذي عرض على عبّاس؟ قدمت له أربع نقاط، تشكل محور مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي قيل للرئيس عباس إنها منجزة، وتحتاج لوقت قصير، وهي تتمثل في: الاعتراف بدولة فلسطينية "التي أنتم عليها الآن" (هكذا تم إبلاغ عباس)، ومعنى ذلك أقل من 50% مما عرضه الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون، على الزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات. التزام الولايات المتحدة بعدم اضافة أي مستوطنات جديدة، مع القبول بتوسع المستوطنات الحالية، والأراضي التي ضمت. لا تلتزم أميركا بأي ضغوط للقبول بخطتها، أي أنها لن تضغط على إسرائيل أكثر. وستستخدم بشأن قضايا الحل النهائي عبارات مطاطة، مثل "سيتم بحثه لاحقا"، ومن هذه القضايا مستقبل القدس، وعاصمة الدولة المعترف بها. فور الإعلان عن الخطة، يجري التحول إلى كونفيدراليه مع الأردن. (اعترض أبو مازن قائلا: نريد وقتا ليحدث ذلك). وبشأن اللاجئين، فإنهم سيعوضون من خلال صندوق دولي، وسيتم توطين قسم منهم، وهنا التمسك بعبارة العودة أو حق التعويض، وسينتصر مبدأ التعويض، ما يُنهي صفة اللجوء عن الفلسطينيين في المخيمات في الدول العربية، وداخل مناطق السلطة الوطنية. وسيساهم الأردن بضبط الحدود الخاصة بالدولة الفلسطينية، وستحتفظ إسرائيل بحرس حدودها على طول وادي الأردن.
لم يستحسن الرئيس أبو مازن هذا الذي سمعه، والذي لا يعني إلا تصفية القضية الفلسطينية، كما أنه يُغضب الأردن، وينهي دوره شريكا، لكن رغبة الرئيس ترامب وأصدقائه بإنجاز تسوية، وإغلاق ملف الصراع العربي الإسرائيلي، تبدو أكبر من أن يقف أبو مازن وحده ضدها، وهو في ظروف لا تساعده على الرفض، فثمّة عملٌ على إيجاد بديل له في حال رفض.
لن يكون إعلان هذه الخطة (التصفية) سهلاً، لكنه يحتاج تسخينا، وهو ما بدأ من لبنان، والعودة إلى مبدأ مواجهة إيران عبر لبنان، بعدما أرهقت الحرب في اليمن التحالف الذي يواجه دعم إيران الحوثيين، من دون أن تتضرر في هذه المواجهة، فيما يستعاد الحديث بشأن لبنان بعد أربعة عشر عاما على رئاسة جورج بوش الولايات المتحدة، وهو الذي كان اتبع المبدأ نفسه ولم ينجح. وهذه إيران اليوم أقوى، وحزب الله أكثر خبرة في الحرب، بعدما تلقى دروسا جيدة في سورية على الرغم من خساراته.
لكن، هل يكون لبنان بوابة التصعيد ونفق إعلان التسوية. وهل يعبر الأردن عن قلقه من تهميشه بشكل أوضح، بعدما قال وزير الخارجية، أيمن الصفدي، في اجتماعات وزراء الخارجية العرب في جامعة الدول العربية، في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، إن بلاده لا تقبل سياسات هيمنة وسطوة من إيران وغير إيران! ما هو هذا "غير إيران" الذي ألمح إليه الصفدي؟ وكيف يمكن أن تتطور الرؤية الأردنية والدور الإقليمي، في ظل تصاعد انتقادات نخبوية أردنية ترى أن عمّان رهنت خياراتها في السياسات الخارجية بالرياض.
أخيراً، تظل خيارات الأردن الذي أفاق على موجةٍ من الانتقادات، وعبّر عن عدم رضاه عمّا يجري في أكثر من سياق، محدودة، ويظل حدوث انعطافاتٍ في سياساته الخارجية أمراً غير متوقع في المدى المنظور، لكن تعبيراته حيال التهميش قد تأخذ أكثر من صورة، غير أنها لن تكون جذرية أو حادّة.
لماذا حدث هذا كله؟ ولماذا قال الملك "كامل التراب الفلسطيني"، ولم يذكر حل الدولتين أو حدود الرابع من حزيران، أو غيرهما من الصيغ التي لازمت القضية الفلسطينية منذ بدأ قطار المفاوضات والتسويات؟
سمع الأردن العرض الذي قُدم للرئيس الفلسطيني الذي لا شك أنه أطلع عمّان على
لم يستحسن الرئيس أبو مازن هذا الذي سمعه، والذي لا يعني إلا تصفية القضية الفلسطينية، كما أنه يُغضب الأردن، وينهي دوره شريكا، لكن رغبة الرئيس ترامب وأصدقائه بإنجاز تسوية، وإغلاق ملف الصراع العربي الإسرائيلي، تبدو أكبر من أن يقف أبو مازن وحده ضدها، وهو في ظروف لا تساعده على الرفض، فثمّة عملٌ على إيجاد بديل له في حال رفض.
لن يكون إعلان هذه الخطة (التصفية) سهلاً، لكنه يحتاج تسخينا، وهو ما بدأ من لبنان، والعودة إلى مبدأ مواجهة إيران عبر لبنان، بعدما أرهقت الحرب في اليمن التحالف الذي يواجه دعم إيران الحوثيين، من دون أن تتضرر في هذه المواجهة، فيما يستعاد الحديث بشأن لبنان بعد أربعة عشر عاما على رئاسة جورج بوش الولايات المتحدة، وهو الذي كان اتبع المبدأ نفسه ولم ينجح. وهذه إيران اليوم أقوى، وحزب الله أكثر خبرة في الحرب، بعدما تلقى دروسا جيدة في سورية على الرغم من خساراته.
لكن، هل يكون لبنان بوابة التصعيد ونفق إعلان التسوية. وهل يعبر الأردن عن قلقه من تهميشه بشكل أوضح، بعدما قال وزير الخارجية، أيمن الصفدي، في اجتماعات وزراء الخارجية العرب في جامعة الدول العربية، في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، إن بلاده لا تقبل سياسات هيمنة وسطوة من إيران وغير إيران! ما هو هذا "غير إيران" الذي ألمح إليه الصفدي؟ وكيف يمكن أن تتطور الرؤية الأردنية والدور الإقليمي، في ظل تصاعد انتقادات نخبوية أردنية ترى أن عمّان رهنت خياراتها في السياسات الخارجية بالرياض.
أخيراً، تظل خيارات الأردن الذي أفاق على موجةٍ من الانتقادات، وعبّر عن عدم رضاه عمّا يجري في أكثر من سياق، محدودة، ويظل حدوث انعطافاتٍ في سياساته الخارجية أمراً غير متوقع في المدى المنظور، لكن تعبيراته حيال التهميش قد تأخذ أكثر من صورة، غير أنها لن تكون جذرية أو حادّة.