استراتيجية النظام السوري وروسيا لإفشال مبكر للمفاوضات

26 ديسمبر 2015
النظام والروس يكسبان الوقت لإبقاء الأسد (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
تبيّن التصريحات الأخيرة لنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، مدى التناقض بين ادعاءات روسيا بأنّها تنشد حلّاً سياسياً في سورية، وبين ما تقوم به فعلا في الواقع من استمرار ضرب مناطق المعارضة، وتحقيق مكاسب ميدانية لصالح النظام الذي تعمل على إعادة تأهيله ليكون نظاماً موالياً لها. فيما تظهر تصريحات وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم، استمرار النظام السوري في سياسة كسب الوقت عبر تعطيل أية عملية سياسية من خلال إغراقها بالتفاصيل. وعلى ما يبدو، فإن النظام وحلفاءه قد وجدوا في قرار مجلس الأمن الدولي الأخير مخرجاً لكل ما يخططون له. 


اقرأ أيضاً: خطة دي ميستورا: معارضة ضد معارضة... و"إنقاذ الأزمة"

وجاء تصريح الممثل الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوغدانوف، الذي قال فيه إنه "في حال التوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار، فإن ذلك لن يؤدي إلى إنهاء العملية العسكرية الروسية ضدّ "داعش" في سورية"، ليثبت أن روسيا لن تسمح بخلق بيئة مؤاتية لإجراء مفاوضات بين النظام والمعارضة، وذلك من خلال عدم التزامها بوقف ضرب المعارضة السورية بحجة ضرب تنظيمات إرهابية مستندة إلى قرار مجلس الأمن.

في المقابل، يبدو أن إعلان المعلم عن استعداد نظامه للانخراط في العملية التفاوضية، التي أعلن عنها القرار 2254، وكلف الأمم المتحدة برعايتها، قد جاء للإيحاء للمجتمع الدولي بالمرونة الدبلوماسية بهدف إحراج المعارضة واتهامها بأنها الطرف المعرقل للعملية السياسية.

ويبدو أن المعلم ارتكز على عدة نقاط غامضة في قرار مجلس الأمن، خصوصاً تلك المتعلقة بمصير رئيس النظام السوري بشار الأسد، وإجراءات بناء الثقة، وهي ثغرات تساعد النظام كثيراً في كسب الوقت، من خلال إدخال المفاوضات بين أخذ ورد وإغراق الوفد المعارض بالتفاصيل، وهي الطريق نفسها التي اعتمدها النظام منذ بداية الثورة حتى الآن، وتحدث عنها وليد المعلم منذ العام 2012 حين قال "سنغرقكم بالتفاصيل".

وعلق رئيس اللجنة الإعلامية في الهيئة العليا للمفاوضات لقوى الثورة والمعارضة السورية سالم المسلط، على تصريحات المعلم، قائلاً لـ"العربي الجديد"، إن "تصريحات المعلم ما هي إلا بضغط من روسيا لاستكمال صيغة فيينا الإلزامية، والتي تعتبر موسكو فيها الضامن الرئيس للنظام".

 أوضح المسلط أن تصريحات المعلم لا تتوافق مع سلوك النظام وحلفائه على الأرض؛ فبعد صدور القرار 2254 زادت حدة المجازر والهجمات بحق المدنيين، مضيفاً أن تشكيل حكومة "وحدة وطنية" يخالف تماماً نص بيان جنيف1، والذي تم تأكيده في ورقة فيينا، والقرار 2254 حول هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات وليس حكومة وحدة وطنية.

وعبّر المسلط عن استغرابه من رفض المعلم للتدخل الخارجي في سورية، معتبراً أن النظام هو الذي استدعى روسيا وإيران لسورية، وجلب إليها عشرات الجماعات الإرهابية والطائفية من إيران ولبنان وأفغانستان بهدف إخضاع السوريين.

وأشار المسلط إلى أن النظام يسعى من خلال هذه التصريحات إلى الالتفاف على القرارات الأممية وعرقلة العملية السياسية قبل بدايتها، عبر خلق إشكالات تفاوضية لكسب المزيد من الوقت، مشدداً على أن التفاف المعلم قبل بدء المفاوضات حول أكثر النقاط وضوحاً يعتبر مؤشر عدم ثقة وينذر بتعثر سير العملية السياسية.

من جهتها، قالت نائب رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية نغم غادري لـ"العربي الجديد"، إن النظام السوري يسعى إلى حرف بوصلة القرارات الأممية لصالحه عبر الالتفاف عليها، واستغلال ثغراتها لكسب المزيد من الوقت وتحسين شروط التفاوض الخاصة بوفده بمظلة روسية أممية متمثلة بالمبعوث الخاص للأمم المتحدة دي ميستورا وضوء أخضر أميركي.

ورأت غادري أن تصريحات المعلم إشارة مهمة للمجتمع الدولي بضرورة تحديد النقاط الخلافية بين الدول، والتي لم تأت على ذكر مصير الأسد، وتعتبر من الثوابت الوطنية ومطالب الشعب السوري، وضرورة ذكرها بطريقة لا تقبل التأويل وفق قرارات إلزامية بضمانات دولية.

وأضافت أنه "لا مكان للحوار في الواقع الحالي، ومفردة حوار لا يقبل بها الشعب السوري في التعاطي مع نظام الأسد. الحل السياسي المتاح سيكون نتيجة عملية (تفاوضية) تضمن نتائجها الانتقال بسورية إلى دولة ديمقراطية مدنية تعددية لا مكان للمستبدين والقتلة فيها، تبدأ بإطلاق سراح المعتقلين ووقف القصف على المدنيين وفك الحصار عن المناطق المحاصرة".

وأشارت غادري إلى أن ما حصل في مخيم اليرموك والحجر الأسود هو اتفاق بين منظمتين إرهابيتين هما النظام وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وبطريقة مباشرة دون وسطاء، وهذا دليل على أن هناك تنسيقا تاما بينهما، وهو ما ذكره الائتلاف مراراً وتكراراً منذ نشأة التنظيم.

وفي السياق، رأى المعارض السوري محمود حمزة، أن تصريحات المعلم حول استعداد نظامه للدخول في محادثات السلام في جنيف تكرر نفس أسلوب النظام الكاذب على مدى 50 عاماً، فهو يقول شيئا ويفعل شيئا آخر. وأضاف حمزة المقيم في العاصمة الروسية موسكو: "سبق للنظام أن وافق على جنيف 2، لكنه أفشل المفاوضات، لأنّه أصر على جدول عمل يترأسه موضوع الإرهاب، بينما جنيف 1 في عام 2012 لم يشر أصلاً إلى الإرهاب، إذ إن تنظيم "داعش" ظهر بعد مقرّراته". 

وأشار حمزة في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أنّ القيادة الروسية دعمت النظام في إفشال المفاوضات، واتضح أنّهم يريدون كسب الوقت وإطالة عمر النظام، ونجحوا في ذلك. وأعرب عن اعتقاده بأنّ النظام "لا يريد حلا سياسياً ويتوهم بالحلّ العسكري بدعم من روسيا، ولكنه يوافق على المفاوضات لكسب الوقت وإدخال المعارضة في متاهات، وخلق فتنة بين بعض الجهات التي تقاتل النظام".

وقال حمزة إن "الحل السياسي لن يكون إلا بإرادة دولية خصوصاً روسية وأميركية، مضيفاً "ما نشعر به ونعرفه أن واشنطن غير معنية بالحل، وموسكو تريد إبقاء نظام الأسد المجرم"، على حد تعبيره. وخلص إلى أن المعارضة السورية، وبعد توحيد كلمتها في الرياض، ليس أمامها سوى الصمود على موقف مبدئي، أولوياته رحيل الأسد وعصابته.