استراتيجية الاحتلال... عِبَر ومصالح من الأزمة التركية الروسية

01 ديسمبر 2015
تتمتع موسكو وتل أبيب بعلاقات متينة ومستقرة (ديمتري أزاروف/Getty)
+ الخط -
لا تترك إسرائيل وقادتها، بدءاً من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، مروراً بوزير الأمن، موشيه يعالون، فرصة من دون انتهازها لاستغلال الأزمة التركية ـ الروسية، بعد سقوط الطائرة الروسية من قبل مقاتلات تركية، لتحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية على صعيد العلاقات الثنائية بين موسكو وتل أبيب.

ويكفي، في هذا السياق، الإشارة إلى الثناء الذي كاله، أمس الأوّل الاثنين، خلال قمة المناخ، في باريس، كل من نتنياهو والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لأهمية التنسيق المشترك بين إسرائيل وروسيا في سورية، على صعيد تقاسم المجال الجوي بين سلاحَي جو البلدَين لتفادي وقوع "أحداث مؤسفة" أو معارك جوية. كما اعترف كل من يعالون ورئيس الطاقم السياسي في وزارة الأمن الإسرائيلي، الجنرال عاموس جلعاد، بامتناع إسرائيل عن إسقاط طائرة روسية اخترقت المجال الجوي الإسرائيلي بنحو ميل واحد "عن طريق الخطأ"، يوم الأحد، آتية من سورية، وما لبثت أن عادت أدراجها، خلافاً للتصرف التركي الذي أدى في نهاية المطاف، إلى أزمة تتواصل تداعياتها على صعيد العلاقات التركية الروسية.

وفي السياق نفسه، دعا مدير عام مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، الجنرال المتقاعد عاموس يدلين، إلى وجوب استخلاص عِبَر إسرائيلية من الأزمة التركية ـ الروسية لتفادي أي طارئ يمكن أن يضرّ بالتنسيق الأمني الروسي ـ الإسرائيلي ومنع وقوع "حوادث" مشابهة.
ويقول يدلين إنّه "على الجانب الإسرائيلي أن يحرص، كعبرة لما جرى مع الطائرة الروسية، الإبقاء على سيطرة كاملة وتامة في عملية اتخاذ القرار العسكري الميداني الذي قد يحمل في طياته مخاطر تصعيد عسكري في المواجهات التي قد تتورط فيها إسرائيل مستقبلاً".

ويصل يدلين في هذه النقطة إلى مسألة التنسيق الأمني الروسي ـ الإسرائيلي على ضوء التدخل الروسي في سورية ليشير إلى "وجوب الاحتفاظ والمحافظة على التفاهمات التي توصّل إليها نتنياهو في أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي مع بوتين، وفحص مدى الحاجة لتطوير وتحسين هذه التفاهمات كجزء من العِبَر التي يتعيّن استخلاصها من الحادثة التركية". ويرى يدلين، في تقريره، أنّ نصب منظومة صواريخ إس 400 في الأراضي السورية يغيّر من قواعد اللعبة في المجال الجوي، وقد سبق لمحلّل الشؤون العسكرية في "هآرتس"، عاموس هرئيل، أن تطرق لهذه المسألة باعتبارها تفرض على إسرائيل قواعد جديدة. وبالتالي فهو واقع جديد يحتّم بلورة آلية محكمة لمنع صدام روسي ـ إسرائيلي، لكن أيضاً آلية تضمن عدم حدوث مواجهة مع تركيا التي أثبتت، بحسب زعم يدلين، أنّ يدها على الزناد خفيفة.

أما على الصعيد الاستراتيجي، فيلفت الجنرال المتقاعد إلى أن الأزمة التركية ـ الروسية تطرح سؤالاً عما إذا كان على إسرائيل اتخاذ موقف لجهة تأييد طرف ضد الآخر أو لا. ويقرّ أنّ إسرائيل ليست طرفاً في النزاع بين الطرفَين، ولا حتى في الحرب الداخلية السورية، باستثناء الهجمات التي تُنسب لها فوق الأراضي السورية وضد قوافل أسلحة نوعية كانت في طريقها إلى حزب الله اللبناني.

اقرأ أيضاً: نتنياهو وبوتين يثنيان على التنسيق الأمني بين بلديهما

ويبدو واضحاً على صعيد العلاقات الثنائية، بحسب يدلين، أنّ المصلحة الإسرائيلية تقتضي تأييد الموقف الروسي، وخصوصاً أنّ موسكو وتل أبيب لديهما علاقات جيدة متينة ومستقرة، بل إنّ الطرفين تمكّنا من تجاوز مسألة الوجود الروسي في سورية وتوجيه دفته جيداً، خلافاً للعلاقات التركية الإسرائيلية التي تعترضها أزمات، ويسودها العداء منذ العام 2010 (مجزرة أسطول مرمرة ). بالإضافة إلى ذلك، فإنّ دعم الطرف الروسي، قد يعود بالفائدة الاقتصادية على إسرائيل، إذ يمكن للأخيرة أن تزوّد روسيا بكل ما كانت تستورده من تركيا وبات الآن ضمن دائرة العقوبات والمقاطعة الاقتصادية التي فرضها بوتين على تركيا خصوصاً في مجالَي الزراعة والسياحة.

في المقابل، تخدم هذه الخطوة مصالح إسرائيلية ليست استراتيجية جوهرية، باعتبار أنّ دعم الطرف التركي في النزاع الروسي التركي الحالي، ناجم عن كون تركيا ناشطة ضد المحور المتطرف في سورية، ما يعكس المنطق الاستراتيجي الإسرائيلي ويخدم المصالح الإسرائيلية الجوهرية، إذ إنّ النشاط الروسي في سورية ضد "داعش"، يمنح عملياً شرعية دولية لأعداء إسرائيل الأكثر خطراً عليها (إيران وحزب الله والنظام السوري).

وفي هذا السياق، تلتقي مصلحة تركيا، بحسب المنطق الاستراتيجي الإسرائيلي، بالمصلحة الإسرائيلية، بإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، وإضعاف الهيمنة الإيرانية في سورية وضرب حزب الله لإضعاف إيران. وفي هذه النقطة، يرى يدلين أن القرار التركي سيكون حاسماً لجهة تطوير العلاقات بين الطرفَين، في حال وافقت تركيا على التعاون مع إسرائيل لمواجهة هذه الأخطار والتحديات المشتركة، ومن شأن ذلك أن يخفّف منسوب العداء لإسرائيل، ويمكن حينها، أن يُطرح على جدول الأعمال المشتركة، مواضيع ومسائل أخرى قد تعود بالفائدة على الطرفين، مثل فتح السوق التركية أمام الغاز الإسرائيلي (وهو ما ستحتاج إليه تركيا لاحقاً مع تقليص حجم الغاز الذي تحصل عليه من روسيا)، تحسين فرص اندماج إسرائيل في حلف شمال الأطلسي الذي يواجه مصاعب حالياً بفعل المعارضة التركية واستعادة تركيا لدور أكثر فاعلية في العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين وبين إسرائيل والعالم العربي، وفق تعبير الجنرال ذاته.

ولعلّ أهم المصالح المتضاربة المتعلقة بإسرائيل في مسألة استغلال وتوظيف النزاع التركي الروسي، هي بناء ائتلاف واستراتيجية لإبعاد القوتين السلبيتين في سورية، وهما الأسد والدولة الإسلامية. وفي هذا السياق، يقترح يدلين أن تبرز إسرائيل اقتراحاتها "الخلّاقة" بشأن عدم القدرة على حل الملف السوري من دون تقسيم سورية واللجوء لعملية إعادة ترسيم الحدود، ربما ضمن اتحاد فدرالي.

ويخلص يدلين إلى القول إن "العبرة الأساسية من الأزمة التركية ـ الروسية، تكمن في عدم شرعنة دخول طرف ثالث بفعل خصومة بين طرفَين. أي أن الرغبة لإضعاف الدولة الإسلامية، يجب أن لا تشرعن نظام الأسد بدعم إيراني، كما أنّ معارضة التدخل الروسي الإيراني في سورية، يجب أن لا تشرعن داعش وجبهة النصرة كبديل لنظام الأسد".

اقرأ أيضاً سيناريوهات الرد الروسي: أوراق بالجملة في أيدي أنقرة وموسكو
المساهمون