استحقاقات مغربية من وحي الانتخابات: اختبار النموذج وقابليته للتعميم

13 يناير 2016
تُعتبر مسألة التشغيل من الأبرز مغربياً (مصطفى حبيس/الأناضول)
+ الخط -
يتفق مراقبون كثر على وصف عام 2016 في المغرب، بـ"المحطة المفصلية في الحياة السياسية المغربية، والسنة الحاسمة التي ستُختبر فيها الديمقراطية الناشئة التي عرفتها البلاد منذ خمسة أعوام"، بالنظر إلى تنظيم الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في هذه السنة، التي ستُفضي إلى تعيين حكومة جديدة تخلف الحكومة الحالية بقيادة حزب "العدالة والتنمية".

وعدا تنظيم الانتخابات التشريعية المقررة مبدئياً في خريف العام الحالي، فإن هناك رهانات وتحديات كثيرة أخرى تقف في طريق التجربة السياسية المغربية، في نسختها الجديدة بعد "الربيع العربي"، ومنها مدى القدرة على تطبيق الدستور، وتلبية المطالب الشعبية المتنامية، واستكمال ورش العمل المفتوحة، التي بدأتها الحكومة قبل أربع سنوات.

في هذا السياق، يؤكد الباحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري، محمد الزهراوي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الانتخابات المقبلة تُعدّ بمثابة تدريب سياسي يشير إلى مدى نجاعة الطريق الثالث للتغيير السياسي، الذي كان قد سلكه المغرب في توقيت وظروف ومحيط مضطربة".

ويوضح الزهراوي أن "الطريق الثالث يتجلّى في التغيير في إطار الاستمرارية وبطرق سلمية، والذي يخطّ مساراً مختلفاً عن واقعين سائدين بالمنطقة العربية، الأول قوامه الركود والانتظار في ظلّ حكومات تتسلّط حين لا تشعر بالضغط الشعبي، والثاني سِمَتهُ الفوضى والخراب وتفكك الدولة، بفعل العجز عن ضبط المطالب الشعبية".

اقرأ أيضاً: أزمة السعودية وإيران..موقف المغرب في الميزان

ويتابع أنّ "الرهان أو التحدّي الذي ينتظر المغرب خلال هذه السنة، يرتبط بشكل مباشر بالانتخابات التشريعية المقبلة، للإثبات داخلياً وخارجياً أن موجة التحوّل السياسي، أو الطريق الثالث، للتغيير الذي اختاره المغرب، يعتبر نموذجاً رائداً في المنطقة العربية، وقابلاً للتطبيق والتصدير".

ويعتبر الزهراوي أن "الانتخابات المقبلة مناسبة لاختبار مدى جدية ونجاعة الإصلاحات السياسية التي قامت بها المؤسسة الملكية، التي يعتبر دستور 2011 أحد أهم مخرجاتها، في سياق الاستجابة لمطالب الشارع، تحديداً حركة 20 فبراير، التي شكّلت قوة ضغط حقيقية، في التأسيس لديمقراطية مغربية ناشئة تستوعب جميع الأطياف السياسية".

وبالإضافة إلى رهان الانتخابات التشريعية لعام 2016، فإن هناك تحديات سياسية أخرى ترتبط بالحقل السياسي وتموّجاته وإفرازاته، يُمكن تصنيفها في خانة "التحديات الظرفية والتكتيكية" بالنسبة لدوائر الحكم في البلاد.

ويشير إلى أن "التحدّي الأول، مرتبط بدمج وضبط القوى السلفية الصاعدة في الحقل السياسي"، مشيراً إلى أن "أنصار التيار السلفي بالمغرب ليسوا على موجة واحدة، فيوجد من يُنعتون بتيار السلفية الجهادية، وجزء منهم خرج من السجن، والآخر لا يزال يقبع فيه، كما يوجد من يمثلون السلفية المعتدلة، الأمر الذي يطرح مدى صعوبة إيجاد إطار تنظيمي يجمعهم ويدمجهم في الحياة السياسية، كقوى لها امتدادات وقاعدة شعبية".

أما التحدي الثاني، بحسب الزهراوي، فـ"يتجلّى في ارتفاع نسبة العزوف السياسي لدى الشباب، إذ تُشكّل الاستحقاقات التشريعية لسنة 2016 امتحاناً للحكومة والأحزاب، لرفع تحدّي مصالحة الشباب بالسياسة، ويظهر أن هناك شرخاً كبيراً وتباعداً على مستوى الأفكار والطموحات والأهداف".

ويستطرد الخبير السياسي، بأن "الشباب المنتفض في الرقعة العربية خلال الربيع العربي تجاوز مفهوم الصراع الإيديولوجي، وباتت المواطنة، وحرية المواطن، ومكافحة الفساد، ومعاقبة الفاسدين، والمطالبة بتطبيق حكم القانون والشفافية، أهم السمات والركائز بالنسبة لهذا الجيل".

أما بالنسبة إلى التحدّي الثالث، يقول الزهراوي، فإن "الأمر يتعلق باتساع حجم المطالب والانتظارات الشعبية، في ظلّ وضع اقتصادي لا يوفر شروط استيعاب تلك التطلعات، مما ينذر باتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية الفئوية، أو الاحتجاجات ذات المطالب الاجتماعية غير القابلة للتأجيل، مثل ارتفاع فاتورة الماء والكهرباء، والتشغيل".

ويسترسل الزهراوي قائلاً إن "ازدياد الضغط الشعبي يؤثر سلباً على السلم الاجتماعي، ويُهدّد بحراك شعبي، بخلفية ومطالب اجتماعية ملحّة. الأمر الذي يضع مصداقية العمل السياسي موضع شك، ومدى أهمية وصدقية الشعارات والبرامج التي ترفعها الأحزاب خلال كل مناسبة انتخابية".

ويخلص الزهراوي إلى أن "نجاح النموذج المغربي (الطريق الثالث) يرتبط بمدى قدرة المؤسسة الملكية، والحكومة، على تدبير الملفات الاجتماعية المستعجلة بانسجام وتناغم مع المكتسبات السياسية والدستورية، التي تعطي صلاحيات واسعة للهيئات المنتخبة في التخطيط والتدبير، وربط المسؤولية بالمحاسبة".

اقرأ أيضاً: معاشات البرلمانيين "توحّد" الأغلبية والمعارضة بالمغرب

المساهمون