تواجه المعارضة السورية العديد من الاستحقاقات السياسية الهامة التي من شأنها إحداث تبدّلات جوهرية في مسار القضية السورية، في ظل محاولات روسية للدفع في اتجاه ترسيخ حلول تحقق رؤيتها لهذا الحل في البلاد، من خلال الإعداد لمؤتمر مثير للجدل ترى فيه المعارضة محاولة "لاستعادة حالة الاستبداد"، وتثبيت الوصاية الروسية على سورية. وتخطو المعارضة باتجاه عقد مؤتمر جامع لها خلال الشهر المقبل، من المتوقع أن يُدخل "تعديلات جوهرية" على بنية الهيئة العليا للمفاوضات، في ظل انقسام المعارضة إلى تيارين: أحدهما يدعو إلى قراءة المشهد السياسي بشكل واقعي، وآخر يتمسك بمبادئ الثورة ويرفض أي دور لرئيس النظام بشار الأسد في راهن ومستقبل سورية.
ويأتي مؤتمر المعارضة في ظل حدثين مهمين ينتظران الساحة السورية، الأول هو عقد جولة جديدة من مسار أستانة في 30 و31 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، ستعمل وفق وزارة خارجية كازاخستان على "تأكيد أسس مجموعة عمل من أجل إطلاق سراح الرهائن والأسرى، ونقل الجثث والبحث عن مفقودين". كما تتناول الجولة المسائل المتعلقة بالإرهاب، ومن المرجح أن يتبنى المشاركون بياناً حول نزع الألغام. أما الحدث الثاني، فيتمثّل بمحادثات جنيف التي حدد المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا يوم 28 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل موعداً لانطلاقتها، معتبراً أنه مع هزيمة تنظيم "داعش" في الرقة ودير الزور تكون عملية السلام السورية قد وصلت إلى "لحظة الحقيقة"، وأن على "الأطراف الدخول في مفاوضات فعلية".
وفي موازاة ذلك، برز موقف أميركي لافت، عبّر عنه وزير الخارجية ريكس تيلرسون، الخميس، إذ قال من جنيف "لا نعتقد أن هناك مستقبلاً لنظام الأسد، وأسرة الأسد"، مضيفاً "عهد عائلة الأسد وصل إلى نهايته، والقضية الوحيدة هي كيفية تحقيق ذلك". وأكد تيلرسون أن "الشيء الوحيد الذي تغيّر هو أنه عندما تولت هذه الإدارة السلطة، رأينا أنه ليس شرطاً مسبقاً أن يغادر الأسد قبل بدء العملية الانتقالية".
في ظل هذه المستجدات، تتجه الهيئة العليا للمفاوضات لعقد مؤتمر الرياض 2 للمعارضة. وفيما لم تحدد بعد موعداً رسمياً لانعقاده، فإن مصادر إعلامية أشارت إلى أن المؤتمر سيعقد في الأول من الشهر المقبل في مقر الهيئة في مدينة الرياض السعودية. واستبق حسن عبد العظيم، المنسق العام لـ"هيئة التنسيق الوطنية"، وهي مكون رئيسي من مكوّنات الهيئة العليا، انعقاد المؤتمر بتصريحات لصحيفة "الوطن" السورية الموالية للنظام، أكد فيها "أن الأمور داخل الهيئة العليا تسير باتجاه استبدال جسمها الحالي بكيان جديد يضم الوفد التفاوضي وفق رؤية ومرجعية واحدة، وبحدود 15 إلى 20 عضواً من منصات الرياض والقاهرة وموسكو وشخصيات جديدة، سيتم الاتفاق على تسميتهم خلال مؤتمر الرياض 2". وأشار عبد العظيم إلى أن اجتماع الرياض المنتظر يأتي "لتحقيق أمرين أساسيين، الأول إشراك شخصيات وطنية مهمة ومعروفة مدنية وعسكرية وممثلين لقوى وتيارات سياسية وشعبية واجتماعية وثقافية، لم تحضر مؤتمر الرياض 1 قبل عامين، والثاني إعادة هيكلة الهيئة العليا وتوسيعها وتشكيل وفد تفاوضي يمثل كل قوى المعارضة والثورة". وأشار إلى أن الهيئة تلقت ما سمّاها بـ"النصائح" من "قوى صديقة"، مفادها "ألا يكون بعد مؤتمر الرياض 2 شيء اسمه الهيئة العليا، والمنسق العام، والوفد التفاوضي، وإنما تشكيل جسم واحد في إطار جديد له رئيس ونائب رئيس وأمين سر، والوفد التفاوضي جزء من هذا الإطار الجديد"، لافتاً إلى أن الجسم الجديد يتشكل من الأطراف التي حضرت مؤتمر الرياض 1، إضافة للقوى والفعاليات الجديدة وممثلين عن منصتي القاهرة وموسكو. وأوضح عبد العظيم أن الباب "سيصبح مفتوحاً أمام مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في الجولات المقبلة من محادثات جنيف"، مشيراً إلى استمرار الخلاف مع منصة موسكو، مؤكداً أن منصة القاهرة باتت "قريبة جداً من رؤيتنا، ولا خلافات أساسية بيننا ولا مانع من تمثيلهم".
تصريحات عبد العظيم لاقت استغراباً من مصدر رفيع المستوى في الهيئة العليا للمفاوضات، قال في حديث مع "العربي الجديد": "يبدو أن الكلمات لم تسعف حسن عبد العظيم"، مشيراً إلى أن الأخير "عبّر عن انتمائه للهيئة في الاجتماع الذي عُقد منتصف الشهر الحالي في الرياض، وأبدى حرصه على بقائها واستمرارها". وأشار المصدر إلى أن المشهد السياسي "كله غامض في الوقت الراهن"، موضحاً أنه لم يتم تحديد موعد نهائي لمؤتمر الرياض 2، لافتاً إلى أن هناك حرصاً من جميع الأطراف على بقاء الهيئة، "على أن يكون الوفد المفاوض من ضمن أعضائها وليس منفصلاً عنها كما هو في الوقت الراهن"، وفق المصدر.
ويعتبر مراقبون اجتماع الرياض 2 مفصلياً في مسيرة قوى الثورة والمعارضة السورية، خصوصاً لجهة تثبيت مطالب الشارع السوري المعارض وفي مقدمتها استبعاد بشار الأسد وعائلته وأركان حكمه من المشهد السياسي. ويتوقع هؤلاء أن يشهد المؤتمر خلافات كبيرة، إذ تنقسم المعارضة إلى تيارين، الأول يرى أن القراءة الواقعية لمشهد الصراع ربما تجنّب البلاد التقسيم، ويمكن من خلالها "إنقاذ ما يمكن إنقاذه من البلاد"، على قاعدة "ليس بالإمكان أفضل مما كان"، داعياً إلى تجاوز عقدة بقاء الأسد في السلطة للوصول لحل. فيما يتمسك تيار آخر بمبادئ الثورة، ويرى أن أي اتفاق لا يُبعد الأسد عن السلطة هو "وثيقة استسلام" للنظام وروسيا وإيران، وصك براءة لهذه الأطراف عن الجرائم التي ارتكبتها في سورية منذ عام 2011. كما يصر هذا التيار على تطبيق قرارات دولية واضحة تدعو لانتقال سياسي جدي يقوم على هيئة حكم كاملة الصلاحيات.
وجوبه المؤتمر برفض من قبل قوى الثورة والمعارضة السورية، التي ترى أن موسكو تحاول خلق مسارات سياسية بديلة عن مفاوضات جنيف لفرض رؤيتها للحل في سورية، ولضرب التمثيل السياسي للمعارضة من خلال دفع شخصيات موالية لموسكو والنظام إلى واجهة المشهد. كما أكدت المعارضة أن المؤتمر الروسي "يأتي خارج سياق الحل السياسي، وتثبيتاً للوصاية أو الانتداب الروسي على سورية، ومحاولة لاستعادة الاستبداد في البلاد"، مستهجنة عنوان المؤتمر، مشيرة إلى أن السوريين "شعب واحد"، ومؤكدة وحدة البلاد.
وكانت قد اختتمت يوم الجمعة في واشنطن فعاليات مؤتمر للمعارضة السورية رعته الجالية السورية المعارضة في الولايات المتحدة، شاركت فيه شخصيات بارزة في المعارضة منهم نصر الحريري، رئيس وفد المعارضة المفاوض في جنيف، إضافة الى جواد أبو حطب رئيس الحكومة السورية المؤقتة، ومنذر ماخوس الناطق باسم الهيئة للمفاوضات. وذكرت مصادر إعلامية معارضة واكبت المؤتمر أن الغاية منه كانت "إنشاء لوبي سوري في أميركا للضغط على الإدارة بخصوص المسائل المتعلقة بالقضية السورية".