"حسن النوايا"، مصطلح ابتدعه المسؤولون الدوليون الذين زاروا الأراضي الفلسطينية، خلال الفترة التي أعقبت عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة، وتم تداول المصطلح خلال مشاورات آلية إعادة إعمار القطاع، ويقصدون به توزيع مواد البناء إلى غزة على المحتاجين، دون أن "تنحرف" عن مسارها.
ويزعم مسؤولون أمميون، والاحتلال الإسرائيلي، أن مواد البناء الشحيحة، التي تدخل إلى قطاع غزة، يمكن أن تستخدم في بناء الأنفاق بين غزة وإسرائيل من قبل الفصائل الفلسطينية المقاومة، وخاصة حركة المقاومة الإسلامية حماس والجهاد الإسلامي، وبالتالي تبتعد عن الغرض المخصص وهو إعادة الإعمار وترميم المنازل والبنى التحتية والفوقية.
وكان أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، أول من تداول هذا المصطلح خلال زيارته الأخيرة إلى الأراضي الفلسطينية، في الشهر الماضي، تبعه ممثل الأمم المتحدة في فلسطين جون جات روتر، ثم مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موريغيني.
وخلال مؤتمر صحافي، مع رئيس الوزراء في حكومة التوافق الفلسطينية رامي الحمد الله، برام الله الشهر الماضي، قال بان كي مون، "خطوات إعادة إعمار غزة بدأت بشكل جيد، ونتمنى أن يتواصل إدخال مواد البناء، والأهم من ذلك أن يتوفر حسن النوايا في إعادة الإعمار".
بينما أشارت موريغيني خلال زياتها الأخيرة، إلى أن "النوايا ما دامت واضحة وحسنة تجاه المواطنين، في إعادة إعمار بيوتهم ومنشآتهم، فإنه لا مشاكل على إدخال مواد البناء".
وجاء المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط روبرت سيري، ليكون أحدث من تداول مصطلح "حسن النوايا في تنفيذ إعادة إعمار غزة"، يوم الجمعة الماضي، في بيان له، قائلاً، "ما زلت أؤمن أنه إذا نفذت (منح إعادة الإعمار) بحسن نية، فإنها ستنجح، وستكون خطوة إلى الأمام نحو الهدف المتمثل في رفع جميع الإغلاقات المتبقية".
ادعاءات الاحتلال
وأكد وزير الشؤون المدنية الفلسطيني حسين الشيخ، خلال لقاء إذاعي سابق، أن مشاورات إدخال مواد البناء والمعدات، شهدت ادعاءات من قبل إسرائيل، باستيلاء الفصائل على مواد البناء والمعدات واستخدامها في أغراض أخرى، وأضاف، "طلبوا تركيب أنظمة ملاحة (GPS)، على الشاحنات والمعدات الثقيلة الداخلة إلى القطاع بهدف مراقبة تحركاتها".
وتخضع آلية إعمار غزة إلى مراقبة شديدة من قبل الجانبين الإسرائيلي والأمم المتحدة، منذ دخولها عبر معبر كرم أبو سالم، حتى وصولها إلى مستودعات التخزين، انتهاء بتوزيعها على المؤسسات المنفذة للمشاريع والسكان الذين تضررت منازلهم جراء العدوان الإسرائيلي، الذي بدأ في 7 يوليو/تموز الماضي واستمر 51 يوماً، وأسفر عن تدمير أكثر من 60 ألف منزل كليا وجزئياً، إضافة إلى أكثر من خمسة آلاف منشأة حكومية وخاصة ومؤسسات مجتمع مدني، واستشهاد أكثر من 2160 فلسطينيًا وإصابة 11 ألفاً آخرين.
تشديد الإجراءات
يقول أحد المواطنين الغزيين لـ "العربي الجديد"، "لم نر ذلاً أكبر من الطريقة التي نحصل من خلالها على "كوبونات" الإسمنت، علينا أن نقدم كل الإثباتات أن المنزل تعرض للقصف أو للتدمير الجزئي، مرفقاً بالصور والخرائط، وكتاب من الأشغال العامة والأمم المتحدة".
وأضاف المواطن الذي فضل عدم ذكر اسمه، "لا أدري من الذي يجب أن ينفذ حسن النوايا في إعادة الإعمار، يبدو أن الأمم المتحدة التي تدير كل شيء في القطاع في الوقت الحالي، هي أول من يجب عليها أن تبدي حسن نوايا، في تنفيذ آلية إدخال مواد البناء وإعادة الإعمار".
من جهته، أبدى الناطق باسم الحكومة الفلسطينية إيهاب بسيسو، تحفظه على آلية إدخال مواد البناء المعمول بها حالياً إلى قطاع غزة، مشيراً إلى أن إدخال مواد البناء بالشكل الحالي يزيد من بطء إعادة إعمار غزة، "وسيجعل الإعمار يحتاج إلى سنوات طويلة".
وتعهّدت الدول المشاركة في مؤتمر إعمار غزة، الذي عقد في العاصمة المصرية القاهرة يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بدفع مبلغ 5.4 مليار دولار نصفها خصص لإعمار غزة، فيما خصص الجزء المتبقي لتلبية احتياجات الفلسطينيين الأخرى، إلا أن المانحين لم يحددوا برنامجاً زمنياً لدفع المبالغ.
إعادة الحصار
وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح نافز أبو بكر، لـ "العربي الجديد"، إن إسرائيل وضعت شروطاً صارمة على الحكومة الفلسطينية والمنظمات الدولية، لإدخال مواد البناء، وهي نفسها الشروط المطبقة حالياً من قبل الأمم المتحدة.
وأضاف، إن ما يجري حالياً من حديث عن حسن نوايا في استغلال مواد البناء بالشكل الأمثل، هو غطاء لما تقوم به الأمم المتحدة من تجميل لحصارها قطاع غزة، وإعادة شكل الحصار وفق وجهة النظر الإسرائيلية.
واعتبر أن إعادة الإعمار ليس له علاقة بحسن أو سوء نوايا، "لأنه بالإمكان مراقبة مواد البناء بأشكال مختلفة عما هو مطبق الآن، لكن على ما يبدو فإن هناك اتفاقا إسرائيليا دوليا على خلق شكل جديد للحصار الذي يقوده روبرت سيري في الوقت الحالي".
وأعلن روبرت سيري يوم الجمعة الماضي في بيان له، عن التوصل إلى تفاهم إضافي بين إسرائيل وحكومة التوافق، يفضي إلى تمكين ما يقارب من 25 ألفاً من أصحاب المنازل في غزة من الوصول إلى مواد البناء من أجل ترميم بيوتهم المتضررة.
وأضاف سيري، أن حكومة الوفاق الوطني ستقوم قريباً بنشر إعلان عام منفصل بشأن عملية الوصول إلى مواد البناء اللازمة، موضحاً أنه لا يمكن استخدام المواد التي تم شراؤها من خلال الآلية إلا لغرضها المقصود، وستقوم الأمم المتحدة بزيارات تفقدية لمتابعة هذا الالتزام.
ويتخوف الفلسطينيون من تكرار تجربة مؤتمر إعادة إعمار غزة في 2 مارس/آذار 2009 في مدينة شرم الشيخ المصرية، بعد عدوان الاحتلال عام 2008، حيث تعهد المانحون بدفع نحو 4 مليارات و481 مليون دولار، لكن تلاشت الوعود المالية التي رصدت في المؤتمر، فبقيت معالم الدمار على حالها، قبل أن تتضاعف في العدوان الأخير عام 2014، والذي خلف تدميراً أوسع.