على الرغم من الانهيار الاقتصادي والسياسي في ليبيا، يستفيد البعض من الفساد الإداري في البلاد، ويعملون في وظيفتين في ظل انخفاض قيمة الرواتب وعدم كفايتها لسداد احتياجاتهم، علماً أن معظمهم لا يؤدي مهامه الوظيفية. وشكّلت حكومة الوفاق الوطني جهة رقابية جديدة حملت اسم "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" للحدّ من هذا الأمر، وكشفت في آخر بياناتها عن رصد 7000 حالة ازدواج وظيفي جديدة، تضاف إلى آلاف الحالات التي سبق كشفها.
ويقول عضو لجنة تسوية الازدواج الوظيفي في وزارة العمل عبد المطلب البندي، إن "الازدواج الوظيفي هو نتيجة الانقسام الحكومي في البلاد، إضافة إلى أخطاء إدارية". ويقرّ بوجود تزوير في الكثير من تلك الحالات بهدف تقاضي البعض أكثر من راتب شهري.
ويشير البندي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن عدد موظفي القطاع العام في ليبيا يتجاوز المليوني موظف في كافة قطاعات الدولة، موضحاً أن 2.3 مليون شخص يتوزعون على كافة القطاعات، في وقت بلغ عدد الباحثين عن عمل الألف، وما زالوا مسجلين لدى وزارة العمل. ويؤكد أن جهود التسويات الوظيفية التي تقوم بها السلطات ستقلل من عدد الباحثين عن عمل. إلا أن الباحث الاجتماعي عبد العزيز الأوجلي، يؤكد أن البطالة لا يمكن تسويتها من دون روادع قانونية وعقوبات.
ويلفت الأوجلي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن السعي إلى زيادة الرواتب هي إحدى أهم إجراءات الحد من الازدواج الوظيفي. ويتفق معه عمر الخيتوني، الذي سعى إلى تسوية أوضاعه الوظيفية بعد توقف راتبه الشهري منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي بسبب الازدواج الوظيفي. يقول إنه عمل كمدرّس وموظف في مخازن التعليم في الوقت نفسه، مشيراً إلى أن هدفه كان زيادة راتبه المتدني الذي لا يلبي احتياجات أسرته.
ويتقاضى الخيتوني 800 دينار (نحو 587 دولاراً)، من وظيفته في مخازن التعليم شهرياً، إضافة إلى 600 دينار (نحو 440 دولاراً)، من عمله في التعليم، مؤكداً أن الراتبين بالكاد يوفران احتياجاته الشهرية. يؤكد الأوجلي على مخالفة الخيتوني القانونية، لكنه يذكر أن غالبية الساعين إلى تقاضي أكثر من راتب لا يشغلون كلا الوظيفتين ويتغيبون عن العمل بأعذار، نتيجة للثغرات في قانون العمل في البلاد، منها الإجازات المرضية والنزوح من جراء الحروب وغيرها.
من جهته، يشير البندي إلى عدم وجود أرقام واضحة تتعلق بهؤلاء الذين يعملون في أكثر من مهنة بسبب الانقسام الحكومي، لافتاً إلى أن هيئة الرقابة الإدارية التابعة لحكومة مجلس النواب (شرق ليبيا)، أوقفت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي 9581 موظفاً عن العمل بسبب الازدواج الوظيفي. ويقول الأوجلي إن قائمة الرواتب تشمل موظفين عاطلين من العمل أو أسماء وهمية يتقاضون الرواتب.
وكانت تصريحات رسمية سابقة قد أشارت إلى أن الظاهرة ستتسع بسبب وجود آلاف الموظفين من دون دوام رسمي من جراء وجودهم في مناطق الحرب والتوتر الأمني. يضيف البندي أن العديد من المقترحات الموجودة لدى وزارة العمل تشير إلى ضرورة تسوية أوضاع الرواتب بناء على دراسة مستوى الدخل وغلاء المعيشة. ويذكر أنها خطوات ما زالت مؤجلة إلى حين إنهاء الانقسام الحكومي الذي يعرقل كل شيء. فيما يطالب الأوجلي بضرورة إيجاد حلول لأزمات الفقر وتدني الأجور وتوفير الضمان الاجتماعي والضمان الصحي للحد من العمل في أكثر من وظيفة حكومية. يضيف: "علينا السؤال عن أسباب عمل المدرس في وظيفة أخرى".
وعلى غرار الأوجلي، يلفت الخيتوني إلى أن "الإجراءات التي تعمل عليها الحكومة من دون النظر في الأسباب تعني أنها تريدنا أن نعيش رهن الفقر. ولو كان الراتب يدفع بحسب متطلبات الحياة، لما أرهقت نفسي في أكثر من عمل، وتركت أسرتي ساعات طويلة".
وشهدت أخيراً العاصمة طرابلس وعدة مدن احتجاجات على تردي الأوضاع المعيشية، مطالبة بتوفير الكهرباء والماء وتحسين الخدمات الصحية، فيما تظهر البيانات الرسمية ارتفاع معدلات البطالة، خاصة مع الأضرار الإضافية التي خلفتها جائحة فيروس كورونا.
وتظهر البيانات الرسمية أن ليبيا أنفقت 425 مليار دينار (303 مليارات دولار)، خلال السنوات التسع الماضية، عبر الحكومات السابقة، بما فيها الحكومة الموازية في شرق البلاد، من دون تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، في حين أضحت البلاد تتعرض لأخطر أزمة اقتصادية منذ عام 2011.
وكشف تقرير صادر عن وزارة العمل في حكومة الوفاق الوطني أن عدد الباحثين عن العمل خلال النصف الأول من العام الجاري بلغ نحو 128 ألف شخص، بزيادة 62.6 ألف باحث خلال الفترة نفسها من العام الماضي.