ارفع صوتك

16 مايو 2018
هذه مسؤوليّتك... فلتتحمّلها (Getty)
+ الخط -

ارفع صوتك. ربّما لم تعد تذكر كم مرّة رغبت في رفع صوتك غير أنّك كنت تجد نفسك عاجزاً، دوماً. ربّما لم تعد تذكر كم مرّة رغبت في جعل صوتك يخترق حنجرتك وقفصك الصدريّ وجلدك الثخين، لينفذ إلى مَن حولك. جلدك، أنت أردته ثخيناً ليستر كلّ ذلك الألم. لا بدّ للألم، ذلك الألم على وجه الخصوص، أن يستتر.

إرادة. أنت مطالب بأن تتحلّى بإرادة. ستر ذلك الألم فعل إرادة. كبح صوتك فعل إرادة. ماذا بعد؟! يقول أحدهم أو أكثر إنّه بقليل من الإرادة تتخطّى مشكلاتك. يضيف أو يضيفون بنبرة تنطوي على شيء لا بل كثير من التأنيب: كُن إيجابيّاً. حاول لمرّة واحدة، فكلّ ذلك في رأسك. كأنّما أنت في حاجة إلى من يضاعف شعوراً عارماً بالذنب تكنّه لنفسك. وتؤلمك نفسك تلك، فتجهد لتستر ألمها... ألمك. ربّما تفعل في لاوعيك.

شيء من الإيجابيّة وإرادة صلبة. لا تحتاج إلى أكثر من ذلك لتبرأ من حالتك تلك... يُخيَّل إليك أنّها ألم. وماذا عن فلان الذي يصارع ذلك المرض الخبيث منذ نحو عامَين اثنَين؟ هل تعلم إلى أيّ حدّ يتألّم؟ أنت تتألّم كذلك. وتشعر بشيء من الخجل. كيف تجرؤ على الشكوى؟ لكنّك لم تشتكِ. كلّ ما فعلته هو أنّك صرّحت بأنّ ثمّة ألماً يجتاحك. كان من الحريّ بك أن تبقي ذلك مكتوماً. كان من الحريّ بك أن تعبّر عن امتنان ما، فأنت لست فلاناً.




"ارفع صوتك". تحت هذا العنوان، أحيت كندا قبل أيّام أسبوعها الخاص بالصحّة النفسيّة. فدعت كلّ هؤلاء الذين يعانون من ألم ينهكهم، ألم لا يشبه تلك الآلام التي تُسلّم المجتمعات بحصريّتها، إلى رفع أصواتهم وتبيان ما هو المرض النفسيّ. كندا ليست وحيدة في ذلك. المملكة البريطانيّة على سبيل المثال، تخصّص هذا الأسبوع للتوعية حول الصحّة النفسيّة، فتركّز على موضوع "الضغط النفسيّ". هو الضغط النفسيّ الذي نشكو جميعاً منه اليوم، ونجعله - بكثير من التهكّم - شمّاعة لحالات كثيرة قد تصيبنا، من دون أن ندرك حقيقة المشكلات الكبرى التي قد تنتج عنه. من جهتها، حدّدت الولايات المتّحدة الأميركيّة مايو/ أيّار شهراً وطنياً للصحّة النفسيّة وركّزت هذا العام على "اللياقة النفسيّة". بلدان أخرى ارتأت تواريخ مختلفة خارج شهر مايو/ أيّار، تحيي خلالها أسابيع أو أشهراً خاصة بالصحّة النفسيّة، إلى جانب اليوم العالميّ للصحّة النفسيّة الذي تحتفي به الأمم المتّحدة في العاشر من شهر أكتوبر/ تشرين الأوّل من كلّ عام.

ارفع صوتك. لا بدّ من أن تفعل. ارفع صوتك واحكِ عن ألمك ودعْ من حولك يدركْ معاناتك. الأمر ليس عيباً. وتبقى الصحّة النفسيّة أكثر القضايا التي يُساء فهمها على الإطلاق. ارفع صوتك. هذه مسؤوليّتك... فلتتحمّلها.
دلالات
المساهمون