ارتفاع سقف المطالب لا يقلق الحكومة العراقية: التظاهرات تجاوزت مرحلة الخطر

01 اغسطس 2018
من تظاهرات بغداد الأخيرة (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -
دخلت التظاهرات العراقية أسبوعها الرابع، مسجلة واحدة من أوسع حالات الاحتجاج في الجنوب العراقي المطالبة بتوفير الخدمات وفرص العمل والقضاء على الفساد. وعلى الرغم من تصاعد مطالب المحتجين، وتسبب موجة الاحتجاجات بمقتل 18 عراقياً وإصابة نحو 600 آخرين، فضلاً عن اعتقال مئات الناشطين، أكد مسؤولون عراقيون وسياسيون في بغداد والبصرة والنجف أن "التظاهرات الحالية وموجة الاحتجاجات قد تجاوزت فعلياً مرحلة الخطر، وأنه تمّت السيطرة على ظاهرة التخريب"، في إشارة إلى إحراق واقتحام المباني والمؤسسات الحكومية ومكاتب الأحزاب والفصائل المسلحة من قبل المتظاهرين. في موازاة ذلك أقروا بأن "التظاهرات نجحت في التفات الحكومة للجنوب، فضلاً عن إضعافها فرص رئيس الوزراء حيدر العبادي بالحصول على ولاية ثانية، مع إظهار عجزه عن فتح ملفات الفساد الكبيرة التي تورط بها سياسيون ومسؤولون، من بينهم أعضاء في قائمته الانتخابية نفسها، بعد تسجيله رقماً قياسياً في الوعود التي لأطلقها في السنوات الماضية لمحاربة الفاسدين بقبضة حديدية".

ومنذ تصاعد الاحتجاجات، دفعت القوات العراقية بتعزيزات عسكرية إلى الجنوب، بهدف السيطرة على تلك التظاهرات التي اعتبرها مراقبون "تخطّت الخطوط الحمراء من خلال إحراق مقار الأحزاب الدينية والفصائل المسلحة وترداد شعارات معادية لإيران للمرة الأولى وبشكل علني".


واتخذت الحكومة إلى جانب رفع وتيرة القمع تجاه المتظاهرين، من خلال دفع أكثر من 50 ألف عنصر من الجيش والشرطة إلى الجنوب، إجراءات كثيرة، من بينها قطع الإنترنت والاتصالات عن جنوب العراق وتنفيذ حملة اعتقالات اعتبرتها منظمات محلية "غير مسبوقة". كذلك عمدت الحكومة إلى تشكيل لجان والتحرك نحو زعماء القبائل العربية جنوب العراق ورجال الدين لاحتوائها.





واعتبر قيادي بارز في حزب "الدعوة"، بزعامة نوري المالكي، أن "التظاهرات لم تعد مقلقة بعد التزام المتظاهرين بوصايا المراجع الدينية حيال عدم الاعتداء على الأملاك العامة والخاصة وتجنب عمليات الحرق والتدمير". وبيّن في حديث مع "العربي الجديد" أن "تجمّع المئات أو حتى الآلاف في الساحات العامة لا يمثل خطراً إذا ما استمر لبضع ساعات وغادروا إلى منازلهم من دون أن يتسببوا بأي خلل أمني". وتوقع أن "تستمر التظاهرات كل جمعة بشكل رئيسي ومتفرق بين يوم وآخر"، واصفاً الاعتصامات التي بدأت بالبصرة والسماوة ومدن أخرى في جنوب العراق بأنها "لا تمثل تصعيداً".

وكشف القيادي نفسه عن أن "التظاهرات قلّصت فرص العبادي في ولاية ثانية، لكنها نجحت في لفت الأنظار إلى الجنوب المهمل الذي توزّعت دماءه في كل أجزاء العراق خلال الحرب على داعش من دون أن ينصفه أحد".

بدوره، اعتبر عضو في التيار المدني العراقي في الناصرية، جنوب العراق، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "التظاهرات لن تتوقف وستستمر وحديث بعض السياسيين بالعراق على أنها لم تعد خطرة ما دامت خالية من الاقتحام والحرق، هو ابتزاز ورخص سياسي". وتابع "من البداية لم نحرق ولم نقتحم وما حدث رد فعل غاضب من الشبان والمراهقين الجائعين والضائعين"، مبيناً أن "التظاهرات ستكون لترميم العملية السياسية أكثر من كونها مدمّرة لها، لكن بالوقت نفسه لدينا مراحل تصعيد، من بينها نصب محكمة شعب بالشوارع ورفع صور الفاسدين وأسمائهم وفضحهم أمام الناس". وتابع "من المعيب والمفجع أن تكون أغنى شريحة بالعراق اليوم هم المعممون وأعضاء الأحزاب الإسلامية وأفقرها المثقفون"، مؤكداً أن "الفقر في ذي قار وصل إلى درجات مخيفة".

من جهته، أوضح النائب في البرلمان العراقي المنتهية ولايته ناظم الساعدي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "نستطيع القول إن المتظاهرين ينتظرون تنفيذ المطالب من قبل الحكومة العراقية"، مبدياً اعتقاده بأن "هناك استجابة من الحكومة وأيضاً من المتظاهرين أنفسهم، وتم تجاوز عمليات إحراق المباني في الجنوب، والحكومة ميّزت المتورطين بعمليات الحرق والمتجاوزين على المال العام واعتقلتهم. وهناك وعي حالياً من قبل المتظاهرين حيال هذه النقطة تحديداً".



بدوره، اعتبر القيادي في تحالف الفتح، كريم النوري، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "هذه التظاهرات تختلف عن سابقاتها التي تميزت بالحزبية"، مبيناً أن "مطالبها شعبية، ولم تكن موجهة ضد حيدر العبادي أو الحكومة إنما لكل العملية السياسية بالبلاد. لذا أتوقع، حتى بملف تشكيل الحكومة، أن التظاهرات ستكون ضاغطة ومؤثرة"، مردفاً أنه "حتى لو توقفت مؤقتاً التظاهرات، إلا أنها ستبقى ناراً تحت الرماد".

في غضون ذلك، قال مسؤول عراقي في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن "السلطات الأمنية أطلقت سراح آخر 20 معتقلاً في البصرة قبل يومين بعد انتهاء التحقيقات معهم. وذلك بعد نحو أسبوعين من قيامهم بإحراق صور مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية روح الله الخميني وأعلام إيرانية في البصرة"، مبيناً أن "التهم الموجّهة إليهم كانت الانتماء إلى حزب البعث. غير أن قاضي التحقيق أسقط التهم الموجهة كون عمر أكبرهم لا يتجاوز الـ23 عاماً".

وأضاف أن "هؤلاء آخر من تبقى بسجون الحكومة في البصرة من ناشطي التظاهرات، وجرى التحفظ على نبأ إطلاق سراحهم وأيضاً هوياتهم، خوفاً من انتقام جماعات مسلحة موالية لإيران منهم". وحول المطالب وما نُفّذ منها قال "فعلياً الحكومة جادة في تلبية ما تستطيع، لكن لك أن تتخيل وجود 10 آلاف فرصة عمل بالبصرة وعدد المقدمين على العمل هو 210 آلاف مواطن، لذا سيبقى صوت المطالب مرتفعاً ولا قدرة على تلبية كل شيء حالياً، ولا حتى في السنوات الأربع المقبلة للحكومة الجديدة".

وأضاف أن "خطاب المرجعية رغم أنه أيّد التظاهر إلا أنه ساهم في ضبط وتيرتها ومنع تحولها إلى ظاهرة عنف تجتاح الجنوب، كما حدث أول أيامها، لذا هي حالة تصحيح وضغط أكثر من كونها تهديداً للعملية السياسية في العراق". وتركزت حركة الاحتجاجات العراقية في الجنوب في الساعات الماضية على البصرة وميسان والناصرية، بالإضافة إلى تجمّعات في مناطق أخرى بالجنوب، وسط استعدادات ودعوات على مواقع التواصل إلى تظاهرة جديدة بعد غد الجمعة.

وكان المتحدث باسم الحكومة العراقية، سعد الحديثي، قد أوضح في تصريحات صحافية نقلتها وسائل إعلام محلية في بغداد أن "المعتصمين الآن لا يعبّرون بالضرورة عن كل المتظاهرين الذين خرجوا في الأيام الأولى للاحتجاجات. ومن يرى حجمها ومُددها الزمنية يجد أنها أقل بكثير مما كانت عليه في أيامها الأولى للتظاهر"، مؤكداً "جدية الحكومة في تنفيذ المطالب ودخول بعض الإجراءات حيز التنفيذ". وأردف المتحدث باسم الحكومة أنه "إذا كانت هناك رغبة لدى البعض في الاعتصام فإن ذلك مرتبط بمعايير التظاهر السلمي والقانوني المنصوص عليها". وبيّن أن "اللجنة التي شكّلها مجلس الوزراء لإجراء تقييم شامل وتفصيلي لعمل المفاصل الحكومية من المفترض أن تنجز أعمالها قريباً قبل تغيير الحكومة الحالية"، موضحاً أنه "في حال ثبوت تقصير أو سوء في الإدارة أو هدر للمال العام أو فساد فإنه سيتم رفع أسماء هؤلاء ليتم اتخاذ عقوبات إدارية بحقهم من قبل رئاسة الوزراء والقضاء".

في غضون ذلك، شهدت الاعتصامات في محافظة البصرة، جنوب العراق، أمس الثلاثاء، تطوراً بعد تحول شعاراتها من المطالبة بالخدمات إلى الدعوة لسنّ دستور جديد، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني لإدارة البلاد. وقال مصدر محلي إن "مئات العراقيين اعتصموا أمام مبنى مجلس محافظة البصرة"، مبيّناً في حديث لـ "العربي الجديد" أن "المعتصمين طالبوا بتشكيل حكومة إنقاذ وطني تدير البلاد خلال الفترة المقبلة، بسبب انتهاء مهام الحكومة الحالية". وأوضح أن "المعتصمين رددوا شعارات مناوئة للدستور الذي تسبب بتكريس الطائفية والمحاصصة من وجهة نظرهم، مطالبين بسن دستور جديد يكون عادلاً وضامناً لحقوق جميع العراقيين". وأضاف أن "المعتصمين قالوا إنهم لن يغادروا أماكنهم حتى يتم حلّ مجلس المحافظة، وإقالة جميع المسؤولين الفاسدين في البصرة الذين تسببوا بسرقات هائلة في المال العام"، مشيرين إلى أن "هؤلاء لم يغيّروا شيئاً في الواقع الخدمي والمعيشي في البصرة". ورفض المعتصمون الدعوات التي أطلقها بعض السياسيين إلى تشكيل "إقليم البصرة"، مبيّنين أن "التجاهل الحكومي هو الذي دفعهم باتجاه رفع سقف مطالبهم بعد أن كانت مقتصرة على الخدمات".

المساهمون