شهدت أسعار السلع الضرورية في السودان ارتفاعاً متواصلاً خلال الفترة الأخيرة، وفي المقابل بقيت الأجور كما هي بدون زيادة، رغم مساع نقابية لزيادة الحد الأدنى للأجور، حسب الاتحاد العام لنقابات عمال السودان، الذي أعلن الأسبوع الماضي، عن مفاوضات مع مؤسسة الرئاسة في هذا الصدد.
وأكد الاتحاد العام لنقابة العمال، في تقرير حديث له، أن أجور العاملين في الدولة لا تغطي سوى 19% من تكاليف معيشتهم، وقطع بأن الحكومة لا توفر مرتبات مناسبة، وأشار الاتحاد إلى أنه تقديراً لظروف البلاد اقتصادياً تم الابتعاد عن سلاح الإضرابات.
ويعاني السودان من أزمات اقتصادية ومعيشية زادت حدتها بانفصال جنوب السودان وتكوين دولته المستقلة عام 2011، وانسحاب إيرادات النفط جنوبا والتي كانت تشكل نحو 74% من موازنة الدولة.
ويرى اقتصاديون أن الدولة فشلت في إيجاد حلول جذرية لمشكلة تكلفة المعيشة، وأكدوا أن الموازنة لم تعالج الأزمات الاقتصادية واعتمدت على استنزاف المواطن لتحقيق الإيرادات، من خلال زيادة أسعار خدمات المياه والغاز بنسب تتفاوت بين 100 و300% في مقابل دخل لا يغطي سوى خُمس الاحتياجات المعيشية للعمال.
وأوضحوا أن أية زيادة في المرتبات سيلتهمها التضخم.
وأكد الخبير الاقتصادي كمال كرار، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن قضية الأجور لم تعد من اهتمامات السياسة الاقتصادية للدولة منذ وقت طويل لأسباب تتصل بتحقيق الغلبة في هيكل الإنفاق العام على الأمن والدفاع، بجانب الإضعاف المتعمد للنقابات التي تمثل العاملين، ما جعلها في أدني سلم أولويات السياسة الاقتصادية. ويؤكد كرار أن هناك فجوة كبيرة بالنظر إلى حجم الأجور ومعدل التضخم وارتفاع الأسعار.
ويبلغ الحد الأدنى للأجور بالنسبة للعاملين في المؤسسات الحكومية 425 جنيهاً فقط (الدولار = 6.44 جنيهات)، بينما لم تقر الحكومة أية زيادات في الأجور منذ عام 2004، لكنها أقرت منحة مرتين عرفت بـ"منحة الرئيس" بمبلغ مائتي جنيه سددت على دفعات وخلفت مديونات على الحكومة.
وفي عام 2010 حدد المجلس الأعلى للأجور، الحد الأدنى بمبلغ 1947 جنيهاً لأسرة مكونة من خمسة أفراد، ثم عاد وقدرها قبل عامين بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه، إلا أن الحد الأدنى القديم ما زال ساريا حتى الآن.
ويرى كرار، أن هناك تداعيات اقتصادية واجتماعية وسياسية لتدني الأجور، بينها أن تصبح الوظيفة طاردة، ما يجعل من الهجرة بديلا أو الانخراط في القطاع الموازي، ما يؤثر سلبا في انخفاض قوة العمل بالبلاد وتسلل القوة المنتجة إلى الخارج.
وحسب إحصائيات رسمية، بلغ حجم السودانيين العاملين في الخارج ما يزيد عن أربعة ملايين شخص، بينما يهاجر سنويا نحو ثلاثة آلاف طبيب، فضلا عن عدد كبير من الكفاءات السودانية في مختلف المجالات.
ويرجع ارتفاع أسعار بعض السلع بشكل حاد خلال الفترة الماضية، إلى زيادة أسعار العملات الصعبة، حيث تخطى الدولار في السوق السوداء حاجز 13.8 جنيهاً.
وفي إطار شكوى السودانيين من تدني الأجور مقارنة بتكلفة المعيشة، تقول الموظفة وصال، لـ"العربي الجديد"، إنها تعمل في شركة خاصة وتعول أسرة مكونة من أربعة أشخاص بينهم زوجها الذي فقد عمله، وأشارت إلى أن دخلها الشهري يبلغ ألف جنيه، تنفق منه 500 جنيه إيجاراً للمنزل، وباقي المبلغ لا يكفيها خمسة أيام، وأضافت "لولا أن عائلتي تساعدنا لأصبحنا متسولين في الطرقات".
أما سائق سيارة أجرة، عبد الله محمد، فيقول لـ"العربي الجديد"، إنه موظف حكومي واضطر إلى العمل سائقاً كعمل إضافي لعدم كفاية مرتبه، خاصة في ظل عدم تنفيذ الحكومة وعودها بزيادة الأجور.
وأعلن رئيس اتحاد نقابات العمال، يوسف علي عبد الكريم، الأسبوع الماضي، عن جهود يبذلها الاتحاد مع رئاسة الدولة لزيادة المرتبات للعاملين في الحكومة، لكن العمال اعتبروا حديث الاتحاد للاستهلاك السياسي ومحاولة لتهدئة العاملين بالنظر للوعود المتكررة بزيادة الأجور خلال السنوات الماضية من دون التنفيذ على أرض الواقع، فضلا عن الضائقة الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
وعمدت الحكومة إلى تفعيل التعاونيات عبر بيع السلع للعاملين بأسعار مخفضة، فضلا عن توفير احتياجات العاملين، لاسيما في المواسم والأعياد بالأقساط، في محاولة لامتصاص غضبة العاملين.
وارتفعت فاتورة الاستهلاك في السودان بشكل حاد، والتي قدرت في الربع الأول من موازنة الدولة الحالية بنحو 4.5 مليارات دولار، بينما سجلت الصادرات 1.6 مليار دولار فقط خلال نفس الفترة، حسب إحصائيات رسمية.