22 فبراير 2016
اختيار محمد محمود!
أكثر ما يحزن القلب، في الذكرى الثالثة لمواجهة محمد محمود الدامية، أن الذكرى لم تعد، للأسف، تخص إلا أهلها، مع أن الشعب المصري، بأكمله، كان يحتاج إلى تأمل دروس تلك المواجهة، ولو حتى من منطلق عملي نفعي، يدرك أنه لا يمكن تجاوز مناخ الصدام والوصول إلى مناخ الاستقرار اللازم للتنمية، إلا بفهم أسباب مناخ الصدام، خصوصاً حين يزيد نظام السيسي من تعقيد هذه الأسباب، بمواصلة خلق أعداء جدد، من جيل الشباب الذي لم يعد لديه خيار إلا أن يقاوم من أجل امتلاك مستقبله.
لا يبدو نظام السيسي مشغولاً بفهم ما جرى في محمد محمود 2011، التي كانت مؤسِّسةً لكثير مما جرى بعدها، بقدر انشغاله بإعادة كتابة ما جرى منذ 25 يناير 2011، ليتناسب مع رغبته في حسم الموقف لصالحه، بشكل يظن أنه سيكون أبدياً عبر طريق قتل السياسة، والاكتفاء بالإعلام كسلاح متعدد الأذرع، وبرغم تعدد تلك الأذرع بين، شرشوح قارح، وعقلاني متسامح، وجامع بين الشرشحة والعقلانية، إلا أن جميعها في توافق غير مريب تجاهل فتح ملف محمد محمود، ولو حتى بما درجت عليه بعزف نغمة "الإخوان باعونا في محمد محمود"، ولم يسمح حتى بظهور بعض الأصوات الخافتة التي كانت تدعو إلى خطورة غلق جروح الماضي من دون تطهيرها بالمصارحة والاعتراف، ليسهل السير في طريق (الحقيقة والمصالحة) الذي سلكه غيرنا من الشعوب المأزومة.
في تسريب شهير، رأينا السيسي يسأل بانفعال نخبة من الضباط "هو مين اللي قتل الناس في محمد محمود؟". وهو سؤال لم تستعده أذرعه الإعلامية في ذكرى محمد محمود، ولو لمعرفة هل توصل السيسي إلى إجابة عن سؤاله؟ فالمطلوب من الجميع أن يقتنعوا أن رئيس أقوى الأجهزة السيادية لم يكن يعرف ما يجري في محمد محمود، وأنه لم ير الفيديوهات المسجلة لضباط الداخلية، وهم يقومون بقنص المتظاهرين في أعينهم وصدورهم، ولم يتابع اشتعال المواجهة، بسبب قيام الداخلية بسحل عدد قليل من المعتصمين في ميدان التحرير، لتشعل غشوميتها غضباً ظل يتأجج لأشهر بفعل المعالجات الخاطئة والقرارات الغبية التي كان العقلاء يحذرون من أنها ستدفع إلى صدام حتمي، سيخرج منه الكل خاسراً، وهي تحذيرات قوبلت بالتعالي والتخوين من المجلس العسكري وحلفائه من الإخوان والسلفيين، حتى وصلنا للأسف إلى ماسبيرو، ثم محمد محمود، ثم مجلس الوزراء، وغيرها من محطات طريق الآلام، الذي ما زلنا نواصل السير فيه حتى الآن.
وفي حين حرصت قلة من الثوار، من الأجيال الأصغر سناً، على إحياء "ذكراها، غير مبالية بكل من تنكر وتغير أو حتى تعب، ما زال بعض أنصار جماعة الإخوان يتوهمون أن جماعتهم، بعون الله، أقوى من سانجام، وأنها إذا لم تتمكن من استعادة "الشرعية" فلا مانع أن ينهدم الوطن على رؤس الجميع، في حين تظن قلة من أنصارها أن سياسة "الدهلكة" يمكن أن تحل مأزق جماعتهم التاريخي في محمد محمود، متوهمين أن دعوات توحيد الصف المفاجئة يمكن أن تقنع عاقلاً بتجاوز جرائمهم التي كانت مؤسسة لما حدث في حقهم من جرائم بعد ذلك، ولأن سكة "الانقلاب يترنح" لم تعد مقنعة حتى لأغلب حلفائهم، يتصور هؤلاء أن بإمكانهم استبدالها بسكة الوحدة من أجل ثورة جديدة، ولو باستخدام منطق "بعناكم في محمد محمود، وبعتونا في رابعة، نبقى خالصين"، وهو منطق كاذب أساساً، لأن جماعة الإخوان لم تقم أصلاً بمراجعة مواقفها علناً، من مذابح ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء، في حين راجع كثير من خصومها مواقفه من نظام السيسي بعد مذبحة رابعة، وتحملوا من أجل إيمانهم بمبادئهم، ورفضهم سياسات العقاب الجماعي، كل أشكال القمع والتشويه والتخوين.
ومع أن هذه الصورة الكئيبة مؤهلة للاستمرار فترة أطول، لكنها قطعاً لن تظل هكذا إلى الأبد، لأن مرارة التجارب وبؤس الواقع سيدفعان بمعظم المصريين إلى إدراك أنه لا خلاص لمصر إلا بخلق نموذج مدني ديمقراطي، مبني على قواعد الحرية والعدالة الاجتماعية، نموذج يستلهم اختيار محمد محمود، الذي يقف بالقوة نفسها ضد نموذج حكم العسكر والمؤسسات القمعية، وضد نموذج الحكم الديني، اللذين عانت مصر منهما كثيراً، سواء وهما في حالة تحالف، أو في حالة عداء، لأن طريقة كل منهما في التفكير كانت منذ 1952 جزءاً من المشكلة. ولذلك، لا يمكن أبداً أن تكون جزءاً من الحل، هذا إذا كنا نبحث لمصر عن حل شامل، بدلاً من الاستمرار في سياسة "التغيير على وساخة" التي لا تنتج إلا المزيد من التسلخات.
عاش اختيار محمد محمود.
لا يبدو نظام السيسي مشغولاً بفهم ما جرى في محمد محمود 2011، التي كانت مؤسِّسةً لكثير مما جرى بعدها، بقدر انشغاله بإعادة كتابة ما جرى منذ 25 يناير 2011، ليتناسب مع رغبته في حسم الموقف لصالحه، بشكل يظن أنه سيكون أبدياً عبر طريق قتل السياسة، والاكتفاء بالإعلام كسلاح متعدد الأذرع، وبرغم تعدد تلك الأذرع بين، شرشوح قارح، وعقلاني متسامح، وجامع بين الشرشحة والعقلانية، إلا أن جميعها في توافق غير مريب تجاهل فتح ملف محمد محمود، ولو حتى بما درجت عليه بعزف نغمة "الإخوان باعونا في محمد محمود"، ولم يسمح حتى بظهور بعض الأصوات الخافتة التي كانت تدعو إلى خطورة غلق جروح الماضي من دون تطهيرها بالمصارحة والاعتراف، ليسهل السير في طريق (الحقيقة والمصالحة) الذي سلكه غيرنا من الشعوب المأزومة.
في تسريب شهير، رأينا السيسي يسأل بانفعال نخبة من الضباط "هو مين اللي قتل الناس في محمد محمود؟". وهو سؤال لم تستعده أذرعه الإعلامية في ذكرى محمد محمود، ولو لمعرفة هل توصل السيسي إلى إجابة عن سؤاله؟ فالمطلوب من الجميع أن يقتنعوا أن رئيس أقوى الأجهزة السيادية لم يكن يعرف ما يجري في محمد محمود، وأنه لم ير الفيديوهات المسجلة لضباط الداخلية، وهم يقومون بقنص المتظاهرين في أعينهم وصدورهم، ولم يتابع اشتعال المواجهة، بسبب قيام الداخلية بسحل عدد قليل من المعتصمين في ميدان التحرير، لتشعل غشوميتها غضباً ظل يتأجج لأشهر بفعل المعالجات الخاطئة والقرارات الغبية التي كان العقلاء يحذرون من أنها ستدفع إلى صدام حتمي، سيخرج منه الكل خاسراً، وهي تحذيرات قوبلت بالتعالي والتخوين من المجلس العسكري وحلفائه من الإخوان والسلفيين، حتى وصلنا للأسف إلى ماسبيرو، ثم محمد محمود، ثم مجلس الوزراء، وغيرها من محطات طريق الآلام، الذي ما زلنا نواصل السير فيه حتى الآن.
وفي حين حرصت قلة من الثوار، من الأجيال الأصغر سناً، على إحياء "ذكراها، غير مبالية بكل من تنكر وتغير أو حتى تعب، ما زال بعض أنصار جماعة الإخوان يتوهمون أن جماعتهم، بعون الله، أقوى من سانجام، وأنها إذا لم تتمكن من استعادة "الشرعية" فلا مانع أن ينهدم الوطن على رؤس الجميع، في حين تظن قلة من أنصارها أن سياسة "الدهلكة" يمكن أن تحل مأزق جماعتهم التاريخي في محمد محمود، متوهمين أن دعوات توحيد الصف المفاجئة يمكن أن تقنع عاقلاً بتجاوز جرائمهم التي كانت مؤسسة لما حدث في حقهم من جرائم بعد ذلك، ولأن سكة "الانقلاب يترنح" لم تعد مقنعة حتى لأغلب حلفائهم، يتصور هؤلاء أن بإمكانهم استبدالها بسكة الوحدة من أجل ثورة جديدة، ولو باستخدام منطق "بعناكم في محمد محمود، وبعتونا في رابعة، نبقى خالصين"، وهو منطق كاذب أساساً، لأن جماعة الإخوان لم تقم أصلاً بمراجعة مواقفها علناً، من مذابح ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء، في حين راجع كثير من خصومها مواقفه من نظام السيسي بعد مذبحة رابعة، وتحملوا من أجل إيمانهم بمبادئهم، ورفضهم سياسات العقاب الجماعي، كل أشكال القمع والتشويه والتخوين.
ومع أن هذه الصورة الكئيبة مؤهلة للاستمرار فترة أطول، لكنها قطعاً لن تظل هكذا إلى الأبد، لأن مرارة التجارب وبؤس الواقع سيدفعان بمعظم المصريين إلى إدراك أنه لا خلاص لمصر إلا بخلق نموذج مدني ديمقراطي، مبني على قواعد الحرية والعدالة الاجتماعية، نموذج يستلهم اختيار محمد محمود، الذي يقف بالقوة نفسها ضد نموذج حكم العسكر والمؤسسات القمعية، وضد نموذج الحكم الديني، اللذين عانت مصر منهما كثيراً، سواء وهما في حالة تحالف، أو في حالة عداء، لأن طريقة كل منهما في التفكير كانت منذ 1952 جزءاً من المشكلة. ولذلك، لا يمكن أبداً أن تكون جزءاً من الحل، هذا إذا كنا نبحث لمصر عن حل شامل، بدلاً من الاستمرار في سياسة "التغيير على وساخة" التي لا تنتج إلا المزيد من التسلخات.
عاش اختيار محمد محمود.