حقيقة لا تقبل القسمة على اثنين، فلسطين المقاومة.. فلسطين الشعب الأبي الذي عاش عقودا يقاوم الاحتلال الإسرائيلي، تسانده في حروبه وانتفاضاته الشعوب العربية - على الأقل وإن خذلهم الحكام العرب كالعادة - ليخرجوا ما بهم من موجات غضب تجاه ما يحدث لإخواننا ومقدساتنا في فلسطين، ولكن في العامين الماضيين تغيّر الوضع قليلا، فحتى المتنفس الأخير للتعبير عن غضب الشعوب من مواقف بلدانها صار صعبا من قبل حكامنا، وإن لم يدعوهم أن يستنكروا حتى مواقف دولهم تجاه القضية الفلسطينية، والوعي العام الذي كان ينشره البعض بالتوعيه بالقضية الفلسطينية لم يعد مسموحا به.
وإن كان تهويد المسجد الأقصى واقتحام باحاته يحز في نفوس العرب والمسلمين ويدعوهم لاتخاذ مواقف عاجلة وفعالة، إلا أن الأمر لم يلقَ أصداءً وإن كانت حتى مزيفة لإثبات موقف ما تجاه مثل ذلك الحدث.
كيف يتحرك المجتمع الدولي لمطالبة إسرائيل بالكف عن أفعالها تجاه المسجد الأقصى، بينما الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية صار شبه منعدم، حتى الشجب والاستنكار لم يعد كسابق عهده، أي بنبرة أقل وإن وصل لحد الاختفاء، هذا على صعيد حكام الدول العربية، أما على صعيد الشعوب، فهنالك أسباب أدت إلى ضعف حجم التعاطف الموجود تجاه القضية الفلسطينية.
هل كان انشغال الشعوب العربية بالأوضاع الداخلية سببا لنسيان القضية الفلسطينية؟.. الإجابة حتما "لا"، وتدليلا على ذلك أنه في أوج الاحتجاجات العربية بشأن وضعها الداخلي كانت الأعلام الفلسطينية حاضرة في ميادين الثورات العربية لا سيما في أعقاب ثورة 25 يناير 2011 في مصر وما تلاها من تظاهرات حتى أواخر عام 2013، وكذلك الحال في الثورة السورية التي لم تنس الشعب الفلسطيني من همومها حتى مع بدايات مراحل القصف الجوي التي تعرضت له التظاهرات، وتونس أيضا كان لها نصيب من تلك المساندة عقب الثورة التونسية.
إذاً نخلص من تلك الإجابة أنه ظهر التأييد الواضح من ثورات الربيع العربي للشعب الفلسطيني والاستمرار بالمناداة بالقضية الفلسطينية بجوار المطالب التي يحلم العرب بها لبلدانهم، إذ إن الهم العربي كان موحدا وأن القضية الفلسطينية كانت محل اهتمام الثورات العربية.
ولكن في العامين الماضيين بدأ حجم التعاطف ينحدر لأسباب تتعلق بالهزيمة التي تعرضت لها ثورات الربيع العربي قضت فيها على ذلك الحلم الموحد الذي نادت به الشعوب العربية، لتتمكن الديكتاتوريات من كبت أصوات الحريات والتي كانت تنادي بحريتها وبالقضية الفلسطينية أيضا حتى صار الوضع الداخلي لبلدان الربيع العربي لا يسمح بمناصرة القضية في نوع من الأمن بل تعدى ذلك إلى اتهام البعض بالإرهاب لمساندة حركة حماس غير المحببة لدى السلطة في مصر.
ولكن كيف تحوّل محور الاهتمام من التوعية بالقضية الفلسطينية إلى سياسة معاكسة تنشر فكرة المقاومة الإرهابية؟
الإعلام المصري قلب القواعد المترسخة "فلسطين من الحبيب إلى العدو".
بعد عزل محمد مرسي، تعالت الأصوات المنددة بثورة يناير واعتبرها الكثيرون مؤامرة كانت حركة حماس أحد أضلعها، وأن حماس نفسها هي من اقتحمت السجون، - وهي قضية منظورة أمام القضاء المصري ويحاكم فيها الرئيس المصري المعزول مرسي -.
كانت الأداة الإعلامية في مصر متمثلة في القنوات الفضائية والصحف منبرا فعالا للحديث حول نقطة حساسة وهي المعادلة التي لا يمكن أن تتغيّر، ولكن الإعلام المصري كسر كل القواعد بل والتاريخ أيضا وبدأ في نشر فكرة أن المقاومة الفلسطينية ولا سيما حماس، أحد أهم أهدافها ضرب استقرار مصر وأنها تقوم بعمليات داخل الجمهورية، وبالتالي المقاومة الفلسطينية تشكل خطرا على أمن مصر القومي وكذلك سكان قطاع غزة الذين أغلق في وجههم معبر رفح البري، وتعالت الأصوات المؤيدة داخل مصر من ذات الاتجاه بإغلاق المعبر نظرا لأن جبهة غزة هي جبهة إرهاب، ولا ننسى في ذلك حكم محكمة الأمور المستعجلة المصرية حينما قضت في 28 فبراير/ شباط 2015 بإدراج حماس كمنظمة إرهابية إلا أن المحكمة عادت وألغت الحكم في 6 يونيو/ حزيران في ذات العام.
انتقل التأثير الإعلامي إلى نفوس بعض من المصريين ولا سيما هؤلاء الذين يعتبرون حماس جزءا من مؤامر يناير وبدأوا في تصديق أكذوبة "فلسطين الشعب الخائن الذي باع أرضه، وحماس الإرهابية التي تقتل الجنود المصريين في سيناء"، متجاهلين بذلك دور المقاومة الفلسطينية التي تدافع عن أرضها ضد الكيان الصهيوني العدو الرئيسي للعرب، وانقلب مصطلح المقاومة إلى الإرهاب، وأصبح الأمر يتسم بالغرابة واللامنطق، أن يأتي اليوم الذي يتحدث فيه شعب عربي عن أشقائه الفلسطينيين بوصف مقاومتهم بالإرهاب، بل والدفاع عن حق إسرائيل في الرد على حماس، وظهر ذلك في حرب غزة الأخيرة عام 2014.
الخيار الوحيد .. دعوني أقاوم وحيدا
في 15 سبتمبر/ أيلول الجاري دعت حركة المقاومة الفلسطينية حماس إلى عمليات استشهادية ضد إسرائيل بعد اقتحام الجيش الإسرائيلي ومستوطنين باحات المسجد الأقصى، في ظل الصمت العربي والعالمي. هنا قد يحلل البعض أن حماس تتخذ منهج العنف والإرهاب استكمالا لما سبق ذكره من الأكاذيب، ولكن خيار فصائل المقاومة يأتي من منطلق "المقاومة لا غير" دون انتظار شجب أو تنديد لا فائدة له من المجتمع الدولي، وهذا ما يبرر للمقاومة حقها الكامل في الدفاع عن أراضيها ومقداستها الدينية التي هي مقدساتنا نحن كمسلمين ولكننا مكبلو الأيدي بفضل حكامنا.
(مصر)