وحسب مذكرة بحثية أصدرها بنك الاستثمار "فاروس المصري"، مساء الأحد، مستنداً إلى بيانات رسمية، فقد ارتفع صافي الديون المستحقة على البنك المركزي المصري بالعملات الأجنبية ليزيد على ما يملكه من أصول بهذه العملات بنحو 560 مليون دولار، في نهاية شهر سبتمبر الماضي، وذلك أول مرة منذ عام 1992.
وتقول فاروس "يبدو أن الخيار الأسرع أمام الحكومة هو التحكم في الواردات" لتخفيف ضغط الطلب على الدولار غير المتوفر.
وتبحث الحكومة المصرية فرض قيود على الواردات البالغ كلفتها السنوية نحو 60.8 مليار دولار عن العام الماضي مقابل صادرات بقيمة 22 مليار دولار.
وتستورد مصر من الخارج ثلاثة أضعاف ما تصدره، كما يعاني الاقتصاد من صعوبة في إتاحة النقد الأجنبي بعد اضطرابات سياسية متوالية أثرت على تدفق الاستثمارات الأجنبية وحركة السياحة والصادرات وتحويلات العاملين بالخارج.
ونقلت "أصوات مصرية"، خدمة وكالة "رويترز" للشأن المصري، عن هاني جنينة، رئيس قسم البحوث في فاروس، قوله، إن هذا يعني أن كل النقد الأجنبي الذي بحوزة البنك المركزي أصبح مغطى بالديون الخارجية والودائع، "لا يوجد دولار منه غير مستحق السداد في وقت لاحق".
ليس هذا فحسب، بل إن الديون المستحقة على البنك المركزي المصري في أوقات لاحقة، زادت عما لديه حالياً من عملات أجنبية بأكثر من نصف مليار دولار حسب بنك فاروس.
وتراجع الاحتياطي من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي بنحو 1.76 مليار دولار، في شهر سبتمبر الماضي، إلى 16.335 مليار دولار مقارنة مع 18.096 مليار دولار، في أغسطس الماضي، نتيجة سداد مصر سند مستحق أصدرته، منذ عشر سنوات، بقيمة 1.25 مليار دولار، بالإضافة لزيادة مدفوعات واردات الغاز والمواد البترولية، في الوقت الذي لم تقابلها زيادة في حصيلة الدولة من العملة الصعبة، كما فقد الاحتياطي نحو 3.7 مليارات دولار خلال الثلاثة شهور الأخيرة.
وأوضح جنينة أن هذه الالتزامات المستحقة التي على البنك المركزي والتي ترصدها المذكرة البحثية تخص فقط البنك المركزي، وليس باقي البنوك المصرية.
وحسب رئيس قسم البحوث في فاروس فإن الاحتياطي من العملة الصعبة عادة ما يتم بناؤه من خلال شراء البنك المركزي فوائض الدولار لدى البنوك، بالإضافة لما تحصل عليه الدولة من عائدات السياحة والصادرات وتحويلات المصريين في الخارج وقناة السويس، التي تودع لدى المركزي باعتباره بنك الحكومة.
ويضيف " لكن الوضع حالياً هو أن البنوك ليس لديها فائض من الدولارات، بالعكس لديها نقص، نتيجة أن الواردات المصرية أعلى من الصادرات".
ويتكون الاحتياطي من نقد أجنبي (ما يقرب من 80% من إجمالي الاحتياطي)، بالإضافة إلى ذهب وحقوق السحب الخاصة لمصر لدى صندوق النقد الدولي.
واعتبر إسماعيل حسن، محافظ البنك المركزي الأسبق ورئيس بنك مصر إيران للتنمية، أن هذا الوضع لا يمثل خطورة "طالما كانت هذه الأرقام معلنة ومعروف كيف ستتم معالجتها".
وقال حسن لأصوات مصرية، إن العبرة بموعد استحقاق الديون والالتزامات على البنك المركزي وشروطها.
اقرأ أيضاً: أزمة قمح توقف 50% من مطاحن مصر
وتشمل الأصول الأجنبية لدى البنك المركزي ما في حوزته من نقد أجنبي، بالإضافة لمستحقاته لدى غيره، مثل القروض التي يمنحها للبنوك الأخرى بالعملة الأجنبية، كما يوضح حسن.
وتقول سلوى العنتري، المدير العام الأسبق لقطاع البحوث في البنك الأهلي المصري، إنه وفقاً للوضع الجديد فإن الديون (الالتزامات) أصبحت تشكل المكون الرئيسي من الاحتياطيات النقدية، بينما كان مصدر الاحتياطي في أوقات سابقة ودائع تخص المركزي ناتجة عن فوائض في المعاملات الخارجية.
وحصلت مصر على مليارات الدولارات من دول خليجية بعد ثورة يناير 2011، كان آخرها 6 مليارات دولار ودائع من الإمارات والكويت والسعودية تسلمها البنك المركزي في أبريل الماضي، عقب مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، وهو الشهر الذي شهد أعلى ارتفاع لاحتياطيات مصر من النقد الأجنبي ببلوغها 20.5 مليار دولار.
وكانت وكالة موديز الدولية للتصنيف الائتماني قد قالت، في تقريرها، الشهر الماضي، إن مصر "تعتمد على الدعم الخارجي للمانحين في حفظ موازين تعاملاتها الخارجية، وهذا ينعكس بشكل سلبي على تصنيفها الائتماني، وحجم السيولة المتاحة لتعاملاتها مع الخارج".
وقالت ريهام الدسوقي، الخبيرة الاقتصادية المصرية، إن الحكومة ستضطر للاعتماد على الاستدانة فترة في سداد التزاماتها قصيرة الأجل، سواء بطرح سندات في الخارج أو بالحصول على قروض من جهات دولية أو مساعدات خليجية، لأنه لا توجد طريقة سريعة لزيادة موارد النقد الأجنبي".
والالتزامات قصيرة الأجل تشمل الواردات وأقساط الديون المستحقة على مصر، مثل أقساط نادي باريس، التي يتم دفعها بانتظام في يناير ويوليو من كل عام وتبلغ قيمتها نحو 1.5 مليار دولار سنوياً.
وحسب ريهام" أما بالنسبة للأجل الطويل فهناك إصلاحات جذرية يجب أن تقوم بها الحكومة لزيادة الموارد، بحيث يتغير الوضع ولا نظل معتمدين على الاستدانة".
وتسعى الحكومة حالياً لتدبير تمويل دولي في حدود 4 مليارات دولار من خلال الحصول على قروض من البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي، بحسب ما قاله رئيس الوزراء، شريف إسماعيل، في وقت سابق، كما أنها تخطط لإصدار شريحة جديدة من السندات في السوق الدولية بقيمة 1.5 مليار دولار.
كما أعلنت الحكومة عن طرح أراضٍ للمصريين في الخارج تستهدف منها جمع نحو 2.5 مليار دولار.
وترى فائقة الرفاعي، الوكيل الأسبق لمحافظ البنك المركزي، أن الحجم الحالي للاحتياطي يغطي واردات مصر لما يزيد قليلاً على شهرين، بينما يفترض ألا تقل تغطيته للواردات عن ستة أشهر، وبالتالي "لا يجب على المركزي أن يمس هذه المبالغ لتدعيم سعر الصرف".
ويرجع جانب من تراجع احتياطات النقد الأجنبي، خلال السنوات الأخيرة، إلى استخدام البنك المركزي لجزء من تلك الاحتياطيات في دعم قيمة الجنيه المصري.
وتقول فائقة الرفاعي إننا "نحتاج كذلك لمعالجة المشكلة جذرياً من خلال تنمية التصدير لتصبح هناك مصادر إنتاجية وليست ريعية لمواردنا من النقد الأجنبي".
وتعمل الحكومة حالياً على خطة ترشيد الاستيراد وزيادة الصادرات التي تتراجع بشكل مستمر منذ 9 أشهر، لتخفيف العجز في الميزان التجاري الذي يفاقم من أزمة عدم توافر النقد الأجنبي.
اقرأ أيضاً: تحديات كبيرة تواجه مصر لكبح الدولار ووقف نزيف الجنيه