احتفالية فلسطين: لا يزال الجندي أعلى البرج

14 يونيو 2014
الكاتبة سافاير: الكتابة شهادة
+ الخط -

المبررات التي تساق كل مرة - مع كل مهرجان أو حدث ثقافي - ليست دائماً على اتصال بالواقع الفلسطيني، بل إن معظمها بات فلكلوراً ثقافياً يتعامى عن واقعه ومتطلباته؛ ما يجعل فلسطين عرضة لمزيد من المصادرة، ليس ضمن الشروط الجغرافية والسياسية التي يفرضها الاحتلال فحسب، بل يمتد ذلك إلى عدم تكوين مشاريع ذات طابع تحرري مستمر.

هذه المبررات تأتي كخطوة استباقية لكي تكون ضامنة لوقوع الحدث، دون المساس بالواقع المحتل أساساً، مثال ذلك المهرجانات الكثيرة التي باتت مواسم متكررة، حيث لا يخلو شهر في البلاد من "فعاليات احتفالية" تبرر دائماً بعدم الانغلاق على الذات، والانفتاح على الاتجاهات المعرفية والفنية، وما إلى ذلك من كلام كبير لا يتعدى الملصقات التي يُطبع عليها.

الحاجة إلى فعاليات ثقافية يصحبها غياب حاجات في الفعاليات نفسها، من أجل ترتيب الأولويات بالنسبة لبلد محتل. في المحصلة هناك تنكّر لوجود المستوطنة، والحاجز العسكري في الطريق، والجندي أعلى البرج المراقبة. كل أسباب المصادرة لفلسطين تبارك مصادرتها على يد هذه الفعاليات، سواء أدرك منظموها ذلك أم لم يدركوا.

من هذا الباب، باب الأولويات الفلسطينية، يمكن الحديث عن "احتفالية فلسطين للأدب" (بالفست) التي اختتمت دورتها السابعة أول أمس في غزة، كواحدة من أكثر الاحتفاليات الثقافية التي حققت صلة بالهواجس الفلسطينية. هكذا ستظهر الاحتفالية كجهة معنية بتحقيق شروط العمل الثقافي، دون أن تغفل ارتباط ذلك العمل بالواقع بناءً ووظيفة، فمنذ الدورة الأولى التي افتتحها محمود درويش في عام 2008 لم يغب الهاجس الثقافي/السياسي عن طابعها، إن لم نقل إنه صار هويةً لها، وذلك على اعتبار أن العمل الثقافي فعل حرية وبناء، واستقلال قبل هذا وذاك.


في النسخة الحالية من برنامجها، استضافت "بالفست" مجموعة من الأسماء الأدبية اللامعة ومعظمها لا تخفي موقفها المساند للقضية الفلسطينية مثل الكاتب الكندي السيرلنكي مايكل أونداتجي صاحب رواية "المريض الإنجليزي" 1992، والأميركي من أصل نيجيري تيجو كول، والكاتبة الأمريكية سافاير والكاتبة الدنماركية هانا فيبيكي هولست، والناشر والشاعر البريطاني نيثان هاميلتون، إلى جانب أسماء فلسطينية مثل الشاعرة نتالي حنظل المقيمة في نيويورك، والروائي عاطف أبو سيف من غزة.

وبالطبع لا تغيب عن البال أسماء كبيرة في الثقافة العالمية ارتبطت بالمهرجان مثل الأمريكية أليس ووكر والبريطاني جون بيرجر الذي شاء أن تكون كلمته في افتتاح الاحتفالية عام 2008 هي قراءة لقصة من الكاتب الشهيد غسان كنفاني.

لا يعتمد برنامج الاحتفالية مركزاً فلسطينياً محدداً، بل ينظر إلى الثقافة ذاتها كمركز، وإضافة إلى الدورات التي قدمها والورشات والأمسيات الأدبية والموسيقية كان لدعوة أعلام الثقافة العالميين فرصة لوضعهم في ظروف الحياة الفلسطينية كما هي، ودون أية رتوش؛ في الطريق اليومي الذي يقطعه الفلسطيني بما فيه من حواجز؛ في مشهد جيش الاحتلال الذي تتدخل بنادق جنوده في شؤون الحياة؛ أمام المستوطنات التي تعلن نشازها عن المكان.. إلخ، بحيث يمكن لهم أن يكونوا في خضم ما نعيشه، دونما أية حاجة إلى تحميل الأمر دعاية سياسية. ومن جهة أخرى أتاح للكتّاب الفلسطينين وكتّاب العالم أن يتحاوروا في أسئلة الحرية وشؤون الكتابة ومشاغلها.

"احتفالية فلسطين للأدب" تساهم بهدوء في بناء ثقافة فلسطينية جديدة، تقدّم نفسها من موقع ندّي، لا من موقع التبعية الذي يدمغ جزءا كبيراً من الثقافة العربية.

المساهمون