لم تهدأ الاشتباكات، منذ أيام قليلة، بين "الجيش الحرّ" ووحدات "حماية الشعب" الكردية التي تحاول السيطرة على طريق الكاستيلو، شريان المعارضة الوحيد من وإلى أماكن سيطرتها في مدينة حلب. اشتباكات تدخلت قوات النظام والطيران الروسي فيها لصالح الوحدات التي اتهمت فصائل في غرفة عمليات حلب باستهداف مدنيين داخل الحي، ما أدى إلى مقتل وإصابة مدنيين. في حين أن المعارضة تتهم الوحدات باتخاذ المدنيين دروعاً بشرية وتمنع خروجهم من الحي. وطرح "الجيش السوري الحرّ"، يوم السبت الماضي، مبادرة لإخراج المدنيين من حي الشيخ مقصود، متعهداً بعودتهم إلى منازلهم فور انتهاء العمليات العسكرية، مشيراً إلى نيّته "طرد" الوحدات من الحي.
وأكدت فصائل "الجيش الحرّ" أنها تريد "تحييد المدنيين عن صراعنا مع القوات الكردية". وأوضحت الفصائل، في بيان لها، استعدادها "لتأمين إخلاء وعبور آمن" للمدنيين في الحي، متعهدة بـ"تأمين وصول آمن لهم إلى مناطق خالية من الاشتباكات". ودعت "المنظمات الدولية إلى الضغط على الوحدات للموافقة على المبادرة، والكف عن استخدام المدنيين لتحقيق أهدافها العسكرية".
ويؤكد عضو المكتب السياسي لحركة نور الدين الزنكي (أحد فصائل غرفة عمليات حلب)، بسام حاج مصطفى، أن الوحدات الكردية تمنع المدنيين من الخروج من الحي، إذ تتخذ منهم دروعاً بشرية وتتاجر بهم أمام الرأي العام من خلال حملات إعلامية للضغط على المعارضة السورية. ويشير حاج مصطفى، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن المدنيين في حي الشيخ مقصود "هم أهلنا"، والقوات الكردية ماضية في تعريض حياتهم للخطر، وتتحمل كامل المسؤولية حيال ذلك". ولقي المسؤول العسكري لوحدات "حماية الشعب" الكردية في حي الشيخ مقصود، المعروف بـ"جيّا"، حتفه، متأثراً بجروحٍ أصيب بها خلال مواجهات مع فصائل المعارضة، على أطراف الحيّ، منذ عدّة أيام.
ويقول مصدر إعلامي مطّلع لـ"العربي الجديد"، إنّ "جيّا (تركي الجنسية) نُقِل عبر مناطق خاضعة لسيطرة النظام من حيّ الشيخ مقصود إلى مدينة عفرين الخاضعة لسيطرة الوحدات، إثر إصابة بليغة تعرض لها أثناء المواجهات، ليفارق الحياة، يوم السبت، ويُدفن في سريّة تامة".
ويوضح المصدر ذاته أنّ "جيّا كان يعتبر من أبرز قادة حزب العمال الكردستاني الذي تصنّفه تركيا منظّمة إرهابية. دخل إلى الأراضي السورية منذ نحو عامٍ، آتياً من مقرّات الحزب في جبال قنديل على الحدود التركية ـ العراقية، ليتسلّم منصباً قياديّاً في وحدات حماية الشعب".
في هذا السياق، يؤكد حاج مصطفى أنّ عدداً من ضباط وقيادات العمال الكردستاني قُتلوا في سورية، مشيراً إلى أنهم جاؤوا بطلب من النظام السوري، إذ قاموا بتأسيس الوحدات الكردية وتدريب عناصرها، نظراً لخبرتهم العسكرية التي اكتسبوها في حربهم القائمة مع تركيا. ويوضح حاج مصطفى أنّ ضباط "العمال الكردستاني" هم أصحاب القرار في الوحدات الكردية، في حين أن الأكراد السوريين المنضوين تحتها "وقود في محرقة لا أكثر"، مشيراً إلى أن أعضاء حزب "العمال" في سورية "مقنّعون، متطرفون، لا يتقنون اللغة العربية".
في المقابل، رفض "الاتحاد الديمقراطي" المبادرة التي تقدّم بها "الجيش الحر" بإخراج المدنيين من حيّ الشيخ مقصود، مطالباً فصائل المعارضة السورية بمغادرة المنطقة. ويقول مستشار الرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي، سيهانوك ديبو، لـ"العربي الجديد"، "هذه ليست مبادرة إنّما ممارسة الجينوسايد (القتل الجماعي) على أكراد في الحي، والعرب، والأرمن وجميع من يسكن في المدينة"، مشيراً إلى أنّ مَن تقدم بالمبادرة "ليسوا بالجيش الحر، وإنما جبهة النصرة والجماعات المسلحة المرتبطة بها"، على حدّ تعبيره. ويضيف ديبو أنّه "إذا كانت هناك من مبادرة فليغادروا تلك المنطقة، لأنهم يعلمون أي المناطق التي يسقط فيها النظام؛ إذا كان بالأساس يهمهم إسقاط النظام"، وفقاً له.
وينفي ديبو وجود قيادات من حزب "العمال الكردستاني" في حي الشيخ مقصود، معتبراً أنّ "ما يتم تداوله عن هذا الأمر، أسطوانة مشروخة لا قيمة لها"، مضيفاً، أنّ "مثل هذه الأقاويل هي نفسها التي تطلقها تركيا على الحالة المتقدمة من التنظيم والاستقرار في عموم شمال سورية". ويعتبر ديبو "الجماعات حول الشيخ مقصود مأجورة، وتتلقى الدعم والتدريب من قبل النظام التركي، وتعادي أيّ حل للقضية الكردية في سورية"، على حدّ تعبيره. ويعادون، وفقاً له، أي حل ديمقراطي للأزمة السورية بعمومها، ويفتشون عن حجج ومسوغات باتت في نظر الجميع باطلة لا أساس لها من الصحة". وعن مقتل قائد العمليات العسكرية للوحدات الكردية في الشيخ مقصود، وتأكيد مصادر مطلعة أنه من قيادات حزب العمال الكردستاني، يشير ديبو إلى أن اسم جيّا "متوارد بين الكرد"، لافتاً إلى أنّ "هناك وسائل إعلام لن توفر فرصة لتشويه حقيقة الانتصار، والتشويش على المكتسبات المنجزة".
على صعيد متصل، تدور معارك كرّ وفر في ريف حلب الجنوبي بين فصائل المعارضة السورية وقوات النظام ومليشياته التي خرقت اتفاق الهدنة المعلن في سورية، بمحاولتها مباغتة قوات المعارضة للوصول إلى الطريق الدولي الذي يربط بين دمشق وحلب. ويؤكد مدير المكتب الإعلامي في "جيش النصر"، محمد رشيد، لـ"العربي الجديد"، أن قوات النظام تساندها مليشيات من جنسيات مختلفة، حاولت، السبت الماضي، التقدم نحو الطريق الدولي، لكن قوات المعارضة صدّتها، وقامت بهجوم معاكس أدى إلى سيطرتها على نقاط عدة ليل السبت. ويشير إلى أنّ قوات النظام، وتحت غطاء من الطيران الروسي، استعادت، أمس الأول الأحد، هذه النقاط إثر استهدافها بقصف مكثف، بعد سيطرة فصائل المعارضة عليها لساعات عدة.
من جهته، يقول الصحافي عمار بكور، لـ"العربي الجديد"، إنّه "بعد معارك عنيفة في ريف حلب الجنوبي، تقدّمت فصائل المعارضة إلى زيتان، وبرنة، والخالدية، وخان ظومان، والقلعجية، فقام الطيران الروسي بقصف المواقع التي سيطرت عليها المعارضة بالفوسفور، والنابالم، وصواريخ أرض ـ أرض، ما اضطر المعارضة إلى الانسحاب من بعض المواقع والابتعاد عن الأماكن التي يستهدفها الطيران الروسي". ويشير إلى أن المعارضة تمكّنت من قتل العشرات من المليشيات في هذه المعارك، وفقاً لبكور.
وصدّت المعارضة السورية المسلحة صباح الثلاثاء هجوماً وصفه ناشطون بأنه الاكبر من قوات النظام والميليشيات الطائفية، وقوات إيرانية على قرية العيس جنوبي حلب التي استعادتها المعارضة يوم الجمعة. وذكر ناشطون أن العشرات من الميليشيات الطائفية لقوا مصرعهم، كما تم تدمير معظم آليات الرتل العسكري المهاجِم أثناء انسحابه باتجاه بلدة الحاضر التي تعد مقراً للميليشيات الطائفية جنوب حلب.