يتوقع أن تعود وتيرة قمع المتظاهرين في العراق بأعلى مستوى لها في الأيام المقبلة، في بغداد ووسط البلاد وجنوبيّها، وذلك مع استمرار التظاهرات وتراجع أغلب الكتل السياسية عن إقالة الحكومة والتسليم بالضغوط الإيرانية التي أجبرت المطالبين بإقالة الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة، على القبول بحزم الإصلاحات والمهلة الزمنية للحكومة لتنفيذها. في غضون ذلك، يتحدث متظاهرون عن معلومات تشير إلى قرب انسحاب تدريجي لأنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من التظاهرات، بمن فيهم أفراد مليشيا "سرايا السلام"، الفصيل المسلح المرتبط بالصدر، الذي كلفه مطلع الشهر الجاري توفير الحماية للمتظاهرين، من دون نفي ذلك أو تأكيده من قيادات التيار في بغداد والنجف.
يأتي ذلك كله مع ترقب سياسي وشعبي واسع لخطبة المرجع علي السيستاني، الذي استعرض قبل يومين مع رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق جنين هينيس بلاسخارت، تطورات التظاهرات، ونقلت الأخيرة عنه تأييده لمطالب المتظاهرين. ودعا الصدر الذي يقيم منذ أكثر من أسبوع في مدينة قم الإيرانية، في بيانٍ مطوّل نُشر يوم الأربعاء إلى وقف الهتاف ضد من وصفها "الدول غير المحتلة"، أو التعرض لبعثاتها الدبلوماسية، في إشارة واضحة إلى إيران. وحمل البيان إشارات واضحة إلى تراجعه عن مطلب إقالة الحكومة، عبر دعوته البرلمان إلى مواصلة إقرار الإصلاحات، كتغيير مفوضية الانتخابات وتشريع قانون جديد للانتخابات.
ووفقاً لعضو في البرلمان، فإن الحكومة والبرلمان ليسا بوارد الحديث عن حل غير الإصلاحات التي أُعلنَت، لافتاً إلى أن رفع السلطات وتيرة القمع مرجحة في الفترة المقبلة، تحديداً مع التقاط أنفاسها والاستقرار أكثر في ظلّ غياب وجود أصوات كافية لإطاحتها في البرلمان، فضلاً عن الدعم الإيراني المفتوح. واعتبر أن التظاهرات الحالية كشفت للعراقيين قبل غيرهم مدى سيطرة إيران على مفاصل العملية السياسية والدولة برمتها.
بموازاة ذلك، يحشد المتظاهرون اليوم الجمعة، في ساحات وميادين وسط وجنوب العراق وبغداد، لتظاهرة مليونية، داعين الجميع إلى المشاركة فيها تحت اسم "جمعة الصمود"، في سبيل الاستمرار بالاحتجاج والمطالبة برحيل كل الأحزاب التي تشاركت في إدارة البلاد، مع إعلان استقالة حكومة عادل عبد المهدي وتشكيل حكومة جديدة توافق عليها الجموع المليونية الغاضبة.
في السياق، قال الناشط أرشد محمد في بغداد، إن "الشباب في ساحة التحرير والخلاني، وحتى المحتجين في محافظات أخرى، لا خيار لديهم سوى الاستمرار بالبقاء في الساحات، لأن العودة إلى المنازل تعني نهاية الأزمة، ونحن لا نريد للأزمة أن تنتهي مع مئات الشهداء وآلاف الجرحى بلا نتيجة"، مشيراً في حديثٍ إلى "العربي الجديد"، إلى أن "الأمر تعدى المطالبة بخدمات، إلى المطالبة بحكومة عراقية غير تابعة أو منقادة لإيران أو غيرها". وأضاف أنه في حال انسحاب عناصر التيار الصدري أو استمرارهم، لن تتوقف التظاهرات، لكونها انطلقت من دونهم.
بدورها، كشفت جهات سياسية، مثل "جبهة الإنقاذ والتنمية" برئاسة أسامة النجيفي، عن اتفاق مع أياد علاوي وحيدر العبادي على توحيد الجهود وتحقيق انتخابات مبكرة بعد إقالة الحكومة الحالية، إلا أن القيادي في تحالف "الفتح" التابع لـ"الحشد الشعبي"، عامر الفايز، أشار إلى أن "الاجتماعات الحزبية بين الكيانات والكتل السياسية، السرية منها والعلنية، لم تؤدّ إلى الاتفاق على انتخابات مبكرة أو استقالة حكومة عادل عبد المهدي، والأمر باقٍ على ما هو عليه".
وأضاف الفايز في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الأحزاب اتفقت على تشريع قانون انتخابي جديد، وتشكيل مفوضية انتخابات جديدة تتألف من خبراء وقضاة ومختصين أكفاء، وتعديل بعض فقرات الدستور، إضافة إلى تشريع عدد من القوانين المتعلقة بالمتقاعدين وتوزيع الأراضي على العراقيين والتعيينات للخريجين، وكلها ستُنفذ بعد أن تهدأ التظاهرات ويستقر الوضع". وتابع قائلاً: "ملف إجراء الانتخابات المبكرة التي يطالب بها بعض المندسين السياسيين ضمن التظاهرات الشعبية في المحافظات العراقية لن تتحقق حتى تعديل الدستور وقانون الانتخابات، وهو بحاجة إلى أكثر من ستة أشهر، وربما سنة".
من جهته، شدّد تحالف "سائرون" الذي ساهم باختيار عبد المهدي العام الماضي لرئاسة الوزراء، على تحضيره لاستجواب رئيس الحكومة في البرلمان بغية التصويت على إقالته، بحسب عضو التحالف رعد المكصوصي، الذي أكد لـ"العربي الجديد"، أن "التحالف ماضٍ بترتيب أوراقه لإقالة عبد المهدي المتهم بقمع المتظاهرين"، لكنه اعترف في الوقت ذاته بأن "التحالف قد لا يتمكن من الوصول إلى الأصوات النيابية الكافية لإقالة عبد المهدي بعد استجوابه بشأن ملف قمع المتظاهرين، لكن الإرادة السياسية مستمرة لتحقيق هذا الهدف". ونفى "تنصّل الصدر من خيار إقالة الحكومة، بفعل إيمان الصدر بالدستور والقانون في حديثه السياسي".
أما تيار "الحكمة" الذي سلك طريق المعارضة لحكومة عبد المهدي خلال الأشهر الماضية، فقد تراجع هو الآخر عن خيار إقالة الحكومة، معللاً ذلك بمنع "الفوضى السياسية والفراغ الدستوري". وبحسب العضو في التيار، علي العبودي، فإن "الحكومة الحالية تمثل التجربة الأخيرة للأحزاب السياسية الحالية مع العمل السياسي، لأن الفشل الذي حصل في حكومة عبد المهدي، تتحمله القوى السياسية التي اختارته لهذا المنصب، وتحديداً كتلتي الفتح وسائرون، ولا سيما أن الكتلتين تتنصلان من كونهما المتورطتين باختياره". وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "استقالة حكومة عبد المهدي أو إقالتها تعني أن العراق يسير باتجاه مجهول، فضلاً عن أن بعض القوى السياسية السنية تقف ضد تنحيه عن منصبه، والكتل الكردية أيضاً، نظراً للمغانم الكبيرة التي حصلت عليها خلال ولاية عبد المهدي، بل حتى سائرون تدعم بقاء عبد المهدي لأنها حصلت على الكثير من المناصب في هذه الحكومة، وإقالته في هذا التوقيت ليس من مصلحة الكتل السياسية والشعب، لأننا مقبلون على إعلان الموازنة المالية العامة لعام 2020، ومن دون عبد المهدي لا يمكن الموافقة عليها، لأن القانون يمنع رئيس حكومة تصريف أعمال من الموافقة على الموازنة المالية".
في المقابل، قال مستشار رئيس البرلمان كامل الدليمي، لـ"العربي الجديد"، إن "الشباب الذي انتفض في الشارع ونادى بـ(نريد وطن)، شعر بأن مستقبله أصبح مهدداً ولا مستقبل له، بسبب احتلال الكتل السياسية كل شيء واستيلائها على كل الدرجات الوظيفية"، مشككاً بفعالية إجراءات الحكومة في تحقيق مطالب المتظاهرين.
ميدانياً، تركزت التظاهرات في مناطق العشّار والمديّنة والزبير في البصرة، أقصى جنوبي العراق والمطلة على مياه الخليج العربي، وأغلق العشرات من المتظاهرين بوابة مقر الشركة العامة للموانئ العراقية القريبة من مبنى الحكومة المحلية في منطقة المعقل وسط البصرة، كذلك احتشد مئات المتظاهرين أمام حقل مجنون النفطي في شمالي البصرة، ورددوا شعارات مناهضة للحكومة، وسط انتشار أمني مشدد.
وخرجت تظاهرات واسعة في العمارة في ميسان، والديوانية في القادسية، إضافة إلى الناصرية والمجر وسوق الشيوخ والغراف، التي فرضت السلطات حظراً للتجوال فيها عقب إحراق المتظاهرين منازل ومكاتب لمسؤولين محليين وسياسيين ونواب برلمان، فضلاً عن كربلاء والسماوة والكوت والنجف، تفاوتت من حيث حدتها وعدد المشاركين فيها. وكان الجديد مشاركة طلاب الجامعات والمدارس في النجف، وتجاوب تجار سوق النجف القديم، أبرز مركز تجاري في المدينة مع دعوات الإضراب، فضلاً عن محال شارع الإمام الصادق، في مركز النجف أيضاً. وهو الأمر ذاته في مركز مدينة السماوة، بمحافظة المثنى. ووفقاً لمصادر طبية، فقد شهدت بغداد مقتل ثلاثة متظاهرين، فضلاً عن إصابة ما لا يقلّ عن 100 متظاهر، بينهم سبعة بحالة حرجة في ذي قار والبصرة.