07 نوفمبر 2024
احتجاجات الريف وسؤال التغيير في المغرب
يُغْفِل الذين يهتمون بموضوع التحوُّلات السياسية في المجتمعات، في أثناء عمليات رصدهم وتحليلهم أنماط التعبيرات الاحتجاجية، أن هذه الأحداث يمكن أن تُقرأ وتفهم من زوايا عديدة متداخلة ومركَّبة. وأنه لا علاقة للحدث الإحتجاجي هنا وهناك بالمظاهر والصُّوَر التي يتخذها في أثناء بدايات انطلاقه وتشكُّلِه، ثم تطوُّره وما يرافق ذلك كله من مواقف وردود فعل، قد لا تكون واضحةً تماماً في بدايته. كما أن الإسقاطات التي يَقْرِنُهَا الفاعلون والملاحظون بالحدث وسياقاته تؤدي إلى بناء شبكةٍ من المعطيات المتناقضة. يتجلَّى هذا بوضوح في الاحتجاجات التي عرفها الريف المغربي، مُجَسَّمَة في مظاهرات مدينة الحسيمة وشعاراتها، وفي التداعيات المترتبة عنها.
يُجْمِع المتابعون لاحتجاجات الريف المغربي المتواصلة على صعوبة (وتعقُّد) المسارات التي اتخذتها، حيث أصبحنا اليوم أمام اعتقالاتٍ ومحاكماتٍ، من دون أن تُسْفِر نتائج المبادرات الرامية إلى وَقْفِهَا إلى نتائج محدَّدة.
يمكن ربط صعوبة الإحاطة بالاحتجاجات في الريف شمال المغرب، وصور التطور الذي عرفته خلال ما يزيد عن ستة أشهر، بالطابع المركَّب الذي اتخذته منذ بداياتها، فقد ارتبط الحدث الاحتجاجي السلمي، في البداية، بمحاكمة من احتقروا محسن فكري وقتلوه، ثم تطور بعد ذلك، حيث أصبح يُنظر إلى الاحتجاجات السلمية في الحسيمة أنها محاولة لِلِتَّصَدِّي للفوارق
الجهوية في المغرب، وهي الفوارق التي استأنست بها الحكومات التي تعاقبت على الحكم طوال العقود الماضية، حيث ظلت تقسيمات الاستعمار الفرنسي لجهات المملكة معمولاً بها في مغرب الاستقلال، مغرب محاربة اللاتكافؤ القائم بين الجهات. كما يمكن أن تقرأ مطالب شعارات شباب الريف باعتبارها مطالب تتعلق بمبدأ فك العزلة عن منطقة الريف، ووضع سياساتٍ تنهض بمطالب سكانه في التشغيل والصحة والتعليم، وإنشاء البنيات التحتية التي تساعد في عمليات النهوض بالمنطقة وأهلها. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن مشكلات الريف تماثل مشكلات مختلف جهات المملكة، باستثناء ما يعرف "بالمغرب النافع".
لا يعكس التصوُّر الذي رتَّبنا جملة من عناصره حِدَّة الاحتجاجات الحاصلة في شمال المغرب واستمراريتها، ذلك أن ذاكرة أهل الريف تحمل تصوُّراتٍ أخرى تحضر في شعاراتهم ونداءاتهم، كما تحضر في أذهان المتابعين والمهتمين بالاحتجاجات وآفاقها. صحيحٌ أن بعض الشعارات التي ردّدها متظاهرون تشير إلى الطابع الهُوِيَّاتي لشمال المغرب، حيث يتم التلويح بحديثٍ عن شعب الريف وتاريخه، كما يحصل أحياناً التلويح بعلم الجمهورية الريفية، إلا أنه لا أحد يستطيع أن يفكر في الحدث الذي نحن بصدده، من دون مساءلته في علاقته بتاريخ المنطقة، وفي علاقته أيضاً باستمرار فشل السياسات العامة في بلادنا.
لا يمكن أن نستبعد من زخم الاحتجاجات الحاصلة في الأشهر الأخيرة في منطقة الريف بعض آثار الاحتجاجات التي عرفها المغرب في 20 فبراير/شباط 2011، حيث تكشف مواقف وشعارات أن الاحتجاجات المتواصلة تروم محاصرة التراجع الحاصل في المغرب بعد احتجاجات 2011، على الرغم مما حمله الدستور الجديد من مبادئ وقواعد عامة، كان يفترض أن تساهم في تحقيق مشروع التنمية في بلادنا.
ترتبط الصعوبات التي تُواجِه عملية فهم ما يجري في الاحتجاجات المتواصلة في الشمال
واستيعابه بالصراع الذي عرفه المشهد الحزبي والسياسي في المغرب، بعد انتخابات 7 أكتوبر/تشرين الثاني 2016، وما ترتَّب عن ذلك من جدلٍ حول مفهوم الأغلبية والمعارضة وبنية النظام السياسي المغربي. وهنا ليس مستبعداً تأثير هذا الصراع في نمط الاحتجاجات وما تحمله من مواقف وشعارات. صحيحٌ أن أغلب الشباب الذين يقودون مسيرة الاحتجاجات في الحسيمة لا يُمَثِّلُون أحزاباً بعينها، إلا أنه لا يمكن أن ننفي صلتهم المؤكدة بالمجال السياسي وتعثُّراته، كما لا يمكن أن نَفْصِل بين مطالبهم ومطلب الإصلاح والتغيير ومواجهة اللاتكافؤ بين الجهات.
تتواصل الاحتجاجات ويتم تفريق المتظاهرين، إلا أن صور استمرار الاحتجاجات، وانتقالها إلى مدن أخرى، تَتَغَذَّى بقدرة بعض الفاعلين الذين يعتبرون أن المغرب لم يَلِجْ بعد دروب الانتقال الديمقراطي، حيث تتسع صفوف المحتجين من المجتمع المدني، ومن بعض التيارات السياسية وبعض منظمات المجتمع المدني، التي ترى في الاحتجاج مناسبة ثمينة لمواجهة الاستبداد والفساد والظلم.
إن حدثاً تجد كل التصوُّرات والروافد التي ذكرنا طريقها إلى مزيدٍ من تقويته، إضافة إلى فشل محاولاتٍ حكوميةٍ كثيرة في عمليات إيجاد مخارج تُرْضِي الأطراف الْمُحْتَجَّة، أدَّى إلى مزيدٍ من الارتباك في الحدث، وفي التطورات التي لحقته، حيث لجأت الدولة إلى المقاربة الأمنية في مواجهة المحتجين. وتجري اليوم محاكمة متظاهرين وسط تصاعدٍ لا أحد يعرف حدوده، ولا حدود النتائج التي يمكن أن تترتَّب عنه. ومن هنا، فإننا نتصوَّر أنه آن الأوان لاقتراح مقاربةٍ جديدة، تضع الحدث في سياق بناء سياسات عمومية جهوية، تستوعب خصوصيات الريف وتاريخ الإجحاف والعزل الذي لحقه منذ عقود.
يُجْمِع المتابعون لاحتجاجات الريف المغربي المتواصلة على صعوبة (وتعقُّد) المسارات التي اتخذتها، حيث أصبحنا اليوم أمام اعتقالاتٍ ومحاكماتٍ، من دون أن تُسْفِر نتائج المبادرات الرامية إلى وَقْفِهَا إلى نتائج محدَّدة.
يمكن ربط صعوبة الإحاطة بالاحتجاجات في الريف شمال المغرب، وصور التطور الذي عرفته خلال ما يزيد عن ستة أشهر، بالطابع المركَّب الذي اتخذته منذ بداياتها، فقد ارتبط الحدث الاحتجاجي السلمي، في البداية، بمحاكمة من احتقروا محسن فكري وقتلوه، ثم تطور بعد ذلك، حيث أصبح يُنظر إلى الاحتجاجات السلمية في الحسيمة أنها محاولة لِلِتَّصَدِّي للفوارق
لا يعكس التصوُّر الذي رتَّبنا جملة من عناصره حِدَّة الاحتجاجات الحاصلة في شمال المغرب واستمراريتها، ذلك أن ذاكرة أهل الريف تحمل تصوُّراتٍ أخرى تحضر في شعاراتهم ونداءاتهم، كما تحضر في أذهان المتابعين والمهتمين بالاحتجاجات وآفاقها. صحيحٌ أن بعض الشعارات التي ردّدها متظاهرون تشير إلى الطابع الهُوِيَّاتي لشمال المغرب، حيث يتم التلويح بحديثٍ عن شعب الريف وتاريخه، كما يحصل أحياناً التلويح بعلم الجمهورية الريفية، إلا أنه لا أحد يستطيع أن يفكر في الحدث الذي نحن بصدده، من دون مساءلته في علاقته بتاريخ المنطقة، وفي علاقته أيضاً باستمرار فشل السياسات العامة في بلادنا.
لا يمكن أن نستبعد من زخم الاحتجاجات الحاصلة في الأشهر الأخيرة في منطقة الريف بعض آثار الاحتجاجات التي عرفها المغرب في 20 فبراير/شباط 2011، حيث تكشف مواقف وشعارات أن الاحتجاجات المتواصلة تروم محاصرة التراجع الحاصل في المغرب بعد احتجاجات 2011، على الرغم مما حمله الدستور الجديد من مبادئ وقواعد عامة، كان يفترض أن تساهم في تحقيق مشروع التنمية في بلادنا.
ترتبط الصعوبات التي تُواجِه عملية فهم ما يجري في الاحتجاجات المتواصلة في الشمال
تتواصل الاحتجاجات ويتم تفريق المتظاهرين، إلا أن صور استمرار الاحتجاجات، وانتقالها إلى مدن أخرى، تَتَغَذَّى بقدرة بعض الفاعلين الذين يعتبرون أن المغرب لم يَلِجْ بعد دروب الانتقال الديمقراطي، حيث تتسع صفوف المحتجين من المجتمع المدني، ومن بعض التيارات السياسية وبعض منظمات المجتمع المدني، التي ترى في الاحتجاج مناسبة ثمينة لمواجهة الاستبداد والفساد والظلم.
إن حدثاً تجد كل التصوُّرات والروافد التي ذكرنا طريقها إلى مزيدٍ من تقويته، إضافة إلى فشل محاولاتٍ حكوميةٍ كثيرة في عمليات إيجاد مخارج تُرْضِي الأطراف الْمُحْتَجَّة، أدَّى إلى مزيدٍ من الارتباك في الحدث، وفي التطورات التي لحقته، حيث لجأت الدولة إلى المقاربة الأمنية في مواجهة المحتجين. وتجري اليوم محاكمة متظاهرين وسط تصاعدٍ لا أحد يعرف حدوده، ولا حدود النتائج التي يمكن أن تترتَّب عنه. ومن هنا، فإننا نتصوَّر أنه آن الأوان لاقتراح مقاربةٍ جديدة، تضع الحدث في سياق بناء سياسات عمومية جهوية، تستوعب خصوصيات الريف وتاريخ الإجحاف والعزل الذي لحقه منذ عقود.