اتفاق جدة اليمني: الحكومة تنفي التوصل لتسوية وتسريبات متباينة

17 أكتوبر 2019
مصير المليشيات ينال حيزاً واسعاً من المناقشات(نبيل حسن/فرانس برس)
+ الخط -
بعد صمت دام لأيام، وفي ظل تعدد التسريبات بشأن بنود اتفاق جدة الذي تحاول السعودية فرضه كحل للأزمة اليمنية التي فجّرتها الإمارات بعد دعمها انقلاب عدن، نفت الحكومة اليمنية رسمياً، أمس الأربعاء، الأنباء التي تحدثت عن تحديد اليوم الخميس موعداً لتوقيع الاتفاق مع ما يُسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي في العاصمة السعودية الرياض، ووصفت التسريبات بهذا الشأن بـ"المشبوهة". ونقلت وكالة الأنباء الحكومية (سبأ)، عن المتحدث الرسمي باسم الحكومة، راجح بادي، وصفه الأنباء عن تحديد موعد توقيع الاتفاق بأنها "عارية عن الصحة"، نافيا بشدة "ما يتم تداوله في ما يتعلق ببنود ومسودة الاتفاق". وأفاد بـ"عدم صحة كل ما يتم تداوله بهذا الشأن" واصفا إياها بـ"التسريبات المشبوهة". وشدد المتحدث باسم الحكومة على تمسكها بالموقف المعلن من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، بضرورة إنهاء التمرد على مؤسسات الدولة، وقال إن "الموقف الحكومي كان وسيظل ملتزماً بالثوابت الوطنية، ومعبراً عن أحلام وتطلعات شعبنا في إنهاء أي انقلاب أو تمرد على الدولة ومؤسساتها".

ويأتي ذلك بعدما سربت أنباء عن أن العاصمة السعودية الرياض، ستشهد اليوم الخميس، مراسم التوقيع على الاتفاق بين الحكومة اليمنية و"المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي، لترتيب الأوضاع في المحافظات الجنوبية للبلاد، والعلاقة بين اليمن ودولتي التحالف (السعودية والإمارات)، في أعقاب الانقلاب الذي نفذه أتباع أبوظبي من الانفصاليين جنوباً، خلال الأشهر الأخيرة، وانتهى بسيطرتهم على مدينة عدن ومحيطها. وتعززت هذه الأجواء بعد إعلان "الانتقالي" عن سفر رئيسه، عيدروس الزبيدي، إلى السعودية.

في موازاة ذلك، كانت مصادر أخرى تتحدث عن خلافات مستمرة وحوار قائم لحلها. كما كشفت مصادر قريبة من الحكومة لـ"العربي الجديد"، عن تقدّم الإمارات بتعديلات على صيغة الاتفاق وُوجهت بالرفض من الجانب الحكومي، مع تضارب الروايات بشأن الصيغة النهائية التي توصل إليها الطرفان خلال "حوار جدة". كذلك كشفت تسريبات عن ضغوط تمارسها الرياض على الشرعية اليمنية لقبول المبادرة وفرض مصالح أبوظبي، مقابل أحاديث عن أن مسؤولين في الشرعية يفكرون بمصارحة الشعب اليمني وكشف كل أدوار الإمارات والغطاء السعودي لها في حال فكرت الرياض بفرض دور لأبوظبي في مستقبل الجنوب.

وترافق ذلك مع تسريب مسوّدتين للاتفاق المتوقع، الأولى نشرتها قناة "الجزيرة" تحقق شبه انتصار للشرعية، إذ تنصّ على عودة الحكومة إلى عدن، ودمج كافة القوات والتشكيلات المسلحة في الجيش الوطني، بالتوازي مع النظر إلى "المجلس الانتقالي" كأحد المكوّنات من جملة مكوّنات وقوى أخرى في الجنوب وليس الممثل الوحيد للمنطقة، كما يتيح هذا الاتفاق للرياض نصيب الأسد بالوجود الأمني والعسكري والإشراف السياسي على تنفيذ البنود. في المقابل، فإن المسودة الثانية التي سرّبت مقتطفات بشأنها وسائل إعلام سعودية بعدما كانت متداولة منذ أيام على مجموعات مغلقة على وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيق واتساب، ترجّح كفة "الانتقالي" والإمارات، وذلك من خلال "اعتبار المقاومة الجنوبية قوات شرعية جنوبية"، و"أن تتولى النخب والأحزمة الأمن في الجنوب، فيما تتولى النخبة الأمن في محافظة شبوة، بإشراف وإدارة القوات السعودية"، بما يعني عدم دمج هذه التشكيلات في صفوف الجيش التابع للشرعية، إضافة إلى جعل "الانتقالي شريكاً ممثلاً للجنوب في مفاوضات السلام"، وتشكيل لجنة "مناصفة بعضوية الانتقالي والتحالف لمراقبة أداء الحكومة والإشراف عليها". وهو ما ينظر إليه من قبل مسؤولين يمنيين على أنه "مجرد أحلام يسوقها الانتقالي لتضليل الشارع"، لا سيما أن الأفكار التي يروج الانفصاليون أن اتفاق جدة يتضمنها تعني عملياً "إنهاء شرعية هادي والحكومة اليمنية مقابل منح الشرعية للانتقالي".

وإذا ما صحّت المسودة الأولى التي جرى تسريبها، فإن الاتفاق سيتضمّن في خطوطه العريضة، ثلاثة أقسام، أمنية وعسكرية وسياسية، بالإضافة إلى فقرة خاصة بالضمانات، تتيح للرياض الإشراف المباشر على التنفيذ، وبنود خاصة بإلزام مختلف الأطراف الموقّعة على الاتفاق بـ"التهدئة الإعلامية"، وخفض التوتر وغير ذلك من البنود، فيما يبقى الأهم هو تنفيذ أي اتفاق.


أول اتفاق سياسي منذ سنوات

يُعدّ الاتفاق الذي أطلق عليه "اتفاق جدة" وفق المسودة الأولى المسربة، أول وثيقة سياسية منذ تصاعد الحرب في البلاد، لكنه وخلافاً للاتفاقات السابقة التي تناولت قضايا البلاد المصيرية ككل، وكانت أبرزها "المبادرة الخليجية" في العام 2011، ومخرجات الحوار الوطني الشامل في العام 2014، يركز الاتفاق الجديد على الأزمة في الجنوب، ويشمل ترتيبات من شأنها الدخول في مرحلة جديدة، على صعيد خارطة مكوّنات الشرعية اليمنية، وتشكيل حكومة جديدة، وغير ذلك من الخطوات العسكرية والأمنية، التي من المتوقع في حال تنفيذها، أن تفضي إلى واقع مختلف للأوضاع في ما يُعرف بـ"المناطق المحررة" من سيطرة جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، الأمر الذي سيلقي بظلاله على معادلة خيارات الحرب والسلام في البلاد ككل.
ويذكّر الاتفاق الجديد، باتفاق (السلم والشراكة) الذي جرى مع الحوثيين يوم اجتياح صنعاء، وكان محاولة للتغطية على التحول الكبير الذي شهدته العاصمة اليمنية في 21 سبتمبر/ أيلول 2014 ولا تزال البلاد تدفع ثمنه إلى اليوم.



إشراك "الانتقالي" في الحكومة

من أبرز ما يتضمّنه الاتفاق إشراك "الانتقالي"، وهو المجلس الذي يتبنّى الدعوة للانفصال وأسسته الإمارات في مايو/ أيار2017، في حكومة جديدة. ووفقاً لمسودة الاتفاق المسربة بنسختها الأولى، فإن المجلس سيُمنح حقيبتين وزاريتين ضمن الحكومة، بالإضافة إلى منصب محافظ في المحافظات الجنوبية السبع، على أن يتم إشراك ثلاثة مكوّنات جنوبية أخرى، وهي "الائتلاف الوطني الجنوبي" المؤيد للرئيس عبد ربه منصور هادي، وكذلك "الحراك الثوري"، و"مؤتمر حضرموت الجامع"، لتُمنح المكوّنات الأربعة خمس حقائب وزارية وثلاثة محافظين، في حين أن بقية المناصب للوزراء من الجنوب (نصف العدد)، تُمنح للمكوّنات والأحزاب الأخرى، وتذكر نصاً أحزاب "المؤتمر الشعبي العام" و"الإصلاح" و"الاشتراكي اليمني" و"الناصري".

وفيما سعى الانفصاليون، من حلفاء أبوظبي، إلى فرض أنفسهم كـ"ممثلين للجنوب"، يأتي الاتفاق بصيغة تقريبية، تعطي لـ"الانفصالي" أفضلية في التمثيل، لكنها تؤكد على اعتباره مكوناً بين جملة المكونات الأخرى. غير أن الحكم بشأن هذا التوزيع، ينتظر اتضاح البنود النهائية ونوع الحقائب الوزارية التي سيتم منحها.

الترتيبات الأمنية وعودة الحكومة
من أبرز ما سيترتب على اتفاق جدة، وفق التسريبات، العودة إلى ما قبل أحداث أغسطس/ آب الماضي، التي انتهت إلى سيطرة كلية للإماراتيين وحلفائهم في عدن، بوصفها العاصمة اليمنية المؤقتة، كما تقول الحكومة. ويشمل الاتفاق تأكيد عودة الحكومة بكافة أعضائها إلى المدينة، وكذلك بالنسبة لمجلس النواب، بالترافق مع جملة ترتيبات أمنية، أبرزها الحضور السعودي المباشر، إذ يتيح الاتفاق للرياض الإشراف على عملية تشكيل "قوة أمنية محايدة" لفترة انتقالية بسيطة، تتولى حفظ الأمن وتشرف على عملية الانتقال بالاتفاق إلى التطبيق.

في السياق، يؤكد الاتفاق ضمّ كافة القوات الأمنية التي تم تشكيلها في عدن والمحافظات الأخرى خلال السنوات الماضية ضمن قوام وزارتي الداخلية والدفاع، وبناءً على ذلك، فإن قوات "الحزام الأمني" وكافة التشكيلات المندرجة في إطارها يتم ضمها إلى قوام الوزارتين كل بحسب اختصاصه النوعي الأقرب، وعلى أن تخضع كافة القوات الأمنية بعد إعادة هيكلتها لوزارة الداخلية وكافة الأجهزة المتصلة بها. ومن النقاط اللافتة في السياق، بحسب مسودة الاتفاق التي سربتها قناة "الجزيرة"، هي "عملية إعادة هيكلة لكافة الأجهزة الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي والأخرى التابعة للحكومة الشرعية وضمها ضمن قوام أمني واحد يخضع لسيطرة وزارة الداخلية".

الجانب العسكري ومحاربة الحوثيين
غير بعيدٍ عن النصوص الأمنية الخاصة بدمج مختلف التشكيلات الأمنية والعسكرية في إطار مؤسستي الجيش والأمن في اليمن، تشدد مختلف نصوص مسودة الاتفاق الأولى، على أن هدف مختلف القوات محاربة الحوثيين، وتنص على "دمج كافة قوات النخبة الشبوانية والحزام الأمني وكافة الألوية العسكرية ذات المسميات المنفردة والمقاومة التهامية وألوية حراس الجمهورية وألوية العمالقة وكافة الألوية والوحدات ذات الصلة، في إطار الجيش الوطني للحكومة الشرعية".

ومن شأن عموم البنود العسكرية والأمنية، إذا ما طُبقت، ووفقاً للنوايا والأهداف المعلنة، أن تؤدي إلى تصحيح واحدة من الإشكاليات العميقة بالنسبة للشرعية اليمنية، وتتمثل بوجود تشكيلات عسكرية وأمنية نشأت بصورة الأمر الواقع وبدعم من الإمارات، بعيداً عن الأطر الرسمية اليمنية. وعلى العكس من ذلك، فإن تنفيذ الاتفاق جزئياً من دون الانتقال إلى "الهيكلة" والإجراءات الضامنة لتبعية مختلف الأجهزة للحكومة اليمنية، لا يجعل من الاتفاق أكثر من اعتراف بالأمر الواقع، وذلك إذا ما بقيت الولاءات المتعددة دخل التشكيلات.

نفوذ مباشر للرياض

تتضمّن مسودة الاتفاق بنوداً متعددة تتيح للرياض نصيب الأسد بالوجود الأمني والعسكري والإشراف السياسي على تنفيذ البنود، على أن هذا الحضور بدأ عملياً منذ أيام، إذ أكدت مصادر محلية في عدن لـ"العربي الجديد"، تسلّم قوات سعودية لمطار عدن الدولي ومنشآت أخرى في المدينة، فيما وصلت تعزيزات سعودية إلى محافظة شبوة، أمس الأول الثلاثاء، قالت مصادر قريبة من الحكومة إنها في إطار ترتيبات التمهيد لتنفيذ الاتفاق.
وعلى الرغم من أن المسودة الأولى تتضمّن في المقدمة الإشارة إلى أبوظبي كراعٍ، إلا أن العديد من الخطوات تُسند للرياض حصراً، الأمر الذي يمكن اعتباره محاولة استدراك من الأخيرة، بعدما تركت للإمارات تولي زمام الأمور في المحافظات اليمنية غير الخاضعة للحوثيين، وأبرزها عدن، وما نتج عن ذلك من تحوّلات، كان أبرزها انقلاب متكامل نفذته أبوظبي وحلفاؤها في الأشهر الأخيرة.

الأزمة اليمنية الإماراتية
في السياق، لعل من أبرز ما سيخرج به الاتفاق هو تسوية نظرية للأزمة المستفحلة بين الحكومة اليمنية والإماراتيين، على خلفية دورهم في المحافظات الجنوبية، والذي يمكن تلخيصه بحرب شعواء شنّتها أبوظبي لإضعاف الشرعية اليمنية، تبدأ من العراقيل التي وضعت أمام عودتها للاستقرار داخل البلاد، وتمر بالتشكيلات المسلحة الخارجة عن الشرعية، وصولاً إلى الأطماع الإماراتية بالتحكم بالموانئ والجزر الاستراتيجية، بما في ذلك جزيرة سقطرى، الأمر الذي قابلته الشرعية اليمنية بالرفض وعدم الرضوخ للإماراتيين طوال الفترة الماضية. على أن الأزمة ومختلف الممارسات الإماراتية، يمكن أن تستمر بغطاء جديد من الاتفاق، الأمر الذي يرتبط بالضمانات وبمرحلة انتقال الاتفاق من النظري إلى التنفيذ.

الجدير بالذكر في السياق، أن المخاوف تُثار بشأن ما يمكن أن ينتج عن الاتفاق، إذا ما حاولت أبوظبي استثماره على الجانب الآخر، إذ يسمح وجود حلفائها في الحكومة بـ"شرعية يمنية" أضعف من ذي قبل، ويمنح غطاءً رسمياً للتشكيلات المدعومة منها (قوات الحزام الأمني وأمثالها)، من دون أن تجري تغييرات جوهرية في محتوى وولاء هذه القوات.

وفي ظل مختلف القراءات، يبقى المؤكد أن الاتفاق يمثّل بداية مرحلة جديدة بالنسبة للجنوب اليمني والتحالف السعودي الإماراتي، في تلك المحافظات، مع الأخذ بالاعتبار الترقب للصيغة النهائية، التي حملت العديد من التعديلات، إلى جانب أن التنفيذ كما هو حال أي اتفاق أو وثيقة سياسية، يشكّل الامتحان الأهم، خصوصاً أن تجربة اليمنيين في هذا الجانب، لا تحمل الكثير من المبشرات، كما حصل منذ "وثيقة العهد والاتفاق" التي وُقّعت في العام 1993 قبل عام من الحرب الأهلية، أو كما هو الحال في أحدث وثيقة معتبرة وهي وثيقة "مؤتمر الحوار الوطني"، 2014، إذ سارت الأحداث لاحقاً على عكس الآمال التي رُسمت خلال التوقيع عليها.