صفحة جديدة من المواجهات بين الحكومة السودانية والمعارضة السلمية، سيفتتحها الاتفاق الأخير الذي وقعته الجبهة الثورية التي تضم فصائل متمردة ضد الحكومة، بينها الحركة الشعبية- قطاع الشمال والحركات الدارفورية من جهة، مع تحالف قوى المعارضة وحزب الأمة المعارض بزعامة الصادق المهدي ومجموعة من منظمات المجتمع المدني من جهة ثانية، والذي أطلقت عليه "نداء السودان".
وحمل الاتفاق الذي وقعه عن الجبهة الثورية رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، وعن حزب الأمة الصادق المهدي، وعن تحالف المعارضة رئيس الهيئة فاروق أبوعيسى، تفاهمات بشأن تفكيك النظام الحالي وإقامة نظام ديمقراطي جديد حددت ملامحه. وأُقرّت آليتان لتحقيق ذلك الحوار مع النظام الحاكم في الخرطوم أو الانتفاضة الشعبية في حال تعنّت النظام.
ولم تتأخر السلطات الأمنية في السودان، في الردّ على الاتفاق، فاعتقلت أمس الأحد، رئيس هيئة تحالف قوى المعارضة فاروق أبوعيسى، إلى جانب عدد من الموقعين على الإتفاق.
علماً أن المعلومات أكدت أن اتفاق "نداء السودان" وقّع بدعم دولي وإقليمي كبير من قبل لاعبين أساسيين، ينظرون إلى توحّد المعارضة السلمية والمسلحة على أنه فرصة لتسريع الحل السياسي في البلاد ودفع عجلة الحوار، على اعتبار أنه يشكل ضغطاً على الحكومة في الخرطوم.
ويرى هؤلاء أن طرح الحكومة للحوار كان تكتيكياً، ولا سيما أنها تمضي في ترتيبات إجراء الانتخابات العامة في الثاني من أبريل/نيسان المقبل. وهو الأمر الذي يساهم في تأزيم الوضع الداخلي في البلاد.
ويعتبر مراقبون أن توقيع اتفاق "نداء السودان"، من داخل مقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، يحمل مؤشراً مهماً، على اعتبار أنه من الصعب أن يتم في أراضي أثيوبيا اتفاق مثل ذلك من دون أن توافق عليه أو أن يتم من دون علمها. والأخيرة عادة ما تجري تحركاتها بشأن ملف السودان بتنسيق دولي وإقليمي، لكن الحكومة الأثيوبية سارعت إلى التنصل من أي علاقة لها بالاتفاق. وأوضحت على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية، دينا مفتي، أن أديس أبابا لم تقدم أية دعوة للمعارضة السودانية، وأن لا علاقة لها باتفاق نداء السودان. وذكرت أن الأطراف التي حضرت إلى أديس أبابا ووقعت على الاتفاق، بحسب علمهم، جاءت بدعوة من الآلية الأفريقية الراعية للمفاوضات السودانية.
والمراقب لتحركات الحكومة السودانية، يجد أن الأخيرة كانت تخشى أي تقارب بين المعارضتين المسلحة والسلمية، وهو ما دفعها في مرات عديدة إلى عرقلة سفر بعض قادة التحالف لأديس أبابا في فترات سابقة للقاء الحركات المسلحة.
ووجد الاتفاق الأخير ردة فعل قوية، إذ وصف على مستوى رئاسة الجمهورية بـ"خيانة السودان". واعتبرت لقاء المعارضتين "لقاء الشيطان" الهادف إلى إسقاط المشروع الإسلامي في الخرطوم.
وعبأ نائب رئيس الجمهورية، حسبو عبد الرحمن، ضد الاتفاق أمام حشد من المجاهدين المنضوين تحت ما يعرف نظامياً بـ"الدفاع الشعبي" الذي يضم متطوعين للقتال في مسارح العمليات العسكرية في السودان. ورأى أن القصد من الاتفاق "إطفاء نور الله" في إدارة "النظام الإسلامي الذي يحكم البلاد حالياً".
ووجّه في ذات الحشد حكام الولايات السودانية بفتح معسكرات التدريب أمام المواطنين، وإعلان حالة الاستنفار والتعبئة العامة لمواجهته. وهي خطوة درج النظام على اللجوء إليها منذ وصوله سدة الحكم في 1989 للدفع بمتطوعين إلى مسارح العمليات.
واعتبر نائب الرئيس السوداني فتح المعسكرات ضروريا للاستعداد سلماً وحرباً، مشيراً إلى أن الموقعين على الاتفاق "تكالبوا وتآمروا ليطفئوا نور الله وينتهوا من هذا المشروع". كما اعتبر أن الوثيقة التي وقّعت هي خيانة للسودان؛ لأن اللجان الحكومية تفاوض الحركات في أديس ابابا حول درافور ومنطقة جنوب كردفان والنيل الأزرق.
ويرجح مراقبون أن يسهم الاتفاق في نسف عملية التفاوض الجارية في أديس أبابا حالياً بين الحكومة والحركة الشعبية- قطاع الشمال للوصول إلى اتفاق سلام في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، فضلاً عن مفاوضات الحكومة مع الحركات الدارفورية التي علّقت بالفعل منذ يوم الخميس إلى أجل غير مسمى، بعد تعنت مواقف الأطراف المتفاوضة.
ووصل إلى البلاد، يوم الجمعة، وفد تحالف المعارضة والمنظمات المدنية التي وقعت على نداء السودان من دون أن يلقي بالاً للنتائج التي يمكن أن يواجهها الموقعون، ولا سيما بعد إعلان الحكومة رفض الاتفاق والتأكيد على محاسبته قانونياً، الأمر الذي يفتح الباب أمام احتمال اعتقالهم في أي لحظة.
ويقول رئيس هيئة تحالف المعارضة فاروق أبو عيسى لـ"العربي الجديد": "نحن جاهزون للمحاكمة التي تتم وفقاً للقانون؛ إذ لا كبير على القانون"، مدافعاً بشدة عن اتفاق "نداء السودان". ويضيف "اتفقنا مع الأطراف الموقعة على وحدة البلاد، والتزمنا أن تتم وفقاً لأسس جديدة، وأن تتضافر الأيدي لنصفّي نظام الحزب الواحد الذي دمّر السودان، ونستبدله بنظام ديمقراطي تعددي قائم على سيادة القانون، إما عبر الحوار أو الانتفاضة الشعبية"، متسائلاً "أي جريمة ارتكبناها في ذلك".
وبالنظر إلى "نداء السودان" والقوى الموقعة عليه والظروف الإقليمية المحيطة بالسودان، فإن الاتفاق سيكون له تأثير على الساحة السياسية السودانية، وسيحدث تحولات كبيرة فيما يتصل بالنظرة تجاه الجبهة الثورية من كونها مجموعات تضم إثنيات لديها مطالبات لمناطق بعينها إلى مجموعة تنشد التغيير بالوسائل السلمية ولكل السودان.
ويقول المحلل السياسي، عبد المنعم أبودريس، لـ"العربي الجديد"، إن الجبهة الثورية منذ توقيعها على "إعلان باريس" مع زعيم حزب الأمة الصادق المهدي، تخلت عن هدفها الرئيسي بإسقاط النظام إلى ما سمّته الآن بتفكيك النظام، الأمر الذي يؤكد بمساهمة التقارب مع المعارضة السلمية تليين مواقف الحركات المسلحة. وهو ما يرى فيه أبودريس أنّ من شأنه أن يفتح باباً لقبول التحالف إقليمياً ودولياً ودعمه، ولا سيما عبر التحركات السياسية التي يمكن أن تقوم بها تلك القوى لتسويق الاتفاق".
وأكد أن الاتفاق سيكون له تأثير داخلي، يتمثل في إعادة تسويق الحركات المسلحة لعامة الناس، باعتبارها حركات تدعو إلى السلام، ولا تعتمد فقط على الخيار المسلح. واعتبر ردة الفعل الحكومية، إذا ما نفذت تهديدتها بشأن مواجهة الموقعين، من شأنها أن تؤثر على دعوتها للحوار الوطني، الأمر الذي قد يقود بعض الأحزاب التي قبلت بالحوار أن تعيد النظر فيه.