يبدو للوهلة الأولى أنّ الكفة مالت لصالح الاتحاد الجزائري لكرة القدم في قبضته الحديدية مع وزارة الشباب والرياضة بعدما تمكن من تنظيم جمعيته العمومية "الافتراضية" بالمراسلة، وحصل على موافقة الأغلبية على إنهاء الموسم الكروي الحالي، بإعلان شباب بلوزداد بطلاً، وإلغاء الهبوط للدرجات الدنيا، مع إقرار صعود أصحاب المراتب الأولى إلى مختلف الأقسام، وكذلك استحداث قسم ثان بمجموعتين من 36 فريقاً، لكن كل المؤشرات السابقة والحالية تنذر بتصاعد التوتر على خلفية العناد الذي حصل بين الطرفين في الآونة الأخيرة، سيفضي لا محالة إلى رحيل رئيس الاتحادية بقرار من السلطات العمومية التي ترفض تغيير نظام المنافسة وترفض استمرار المكتب الحالي في تسيير شؤون الكرة باعتباره جزءاً من منظومة فساد سابقة.
المشكلة اليوم ليست في الاستشارة التي نظمها الاتحاد مع أعضاء الجمعية العمومية ولا في القرارات التي تبقى من صلاحيات المكتب الفدرالي طبقاً للمادة 82 من القانون الأساسي التي تخول له اتخاذ ما يراه مناسباً في الحالات الاستثنائية الطارئة، لكن الأزمة تكمن في التداعيات التي ستخلفها القبضة الحديدية ومصير العلاقة بين الوزارة والاتحادية في ظل التجاذبات التي حدثت حتى الآن، منذ رفضت الوصاية التصريح بعقد جمعية عمومية استثنائية لتغيير اللوائح والقوانين، وهو الأمر الذي اعتبرت الوزارة أنه "خرق قانوني وارتجال ومراوغة" يراد استعمالها لأغراض دعائية انتخابية قبل أقل من سنة عن موعد الجمعية العامة الانتخابية، بينما استغلها المكتب الفدرالي لتمرير بعض مشاريعه و إرضاء رؤساء الأندية المحترفة من خلال تغيير نمط المنافسة دون المرور على الجمعية العامة.
المشكلة تكمن أيضاً في استمرار رفض الوزارة لأي تغيير على نمط المنافسة وفي تركيبة الجمعية العمومية حفاظاً على القوانين العامة وعلى مصداقيتها التي تزعزعت من خلال تمرير المكتب الفدرالي لقراره بتغيير صيغة المنافسة الموسم المقبل، بعد إقرار الصعود وإلغاء النزول، ما سيؤدي إلى زيادة عدد النوادي في كل الأقسام، وزيادة أعضاء الجمعية العمومية بعدما تلتحق نواد جديدة بدوري المحترفين بقسميه الأول والثاني، وهنا قد تجد الوزارة مبرراً للتدخل وفرض احترام القانون وعدم المساس بنظام المنافسة وعدد أعضاء الجمعية العمومية بعدما تبين أن الاتحادية تحايلت وغيرت نظام المنافسة دون اللجوء إلى جمعية عامة استثنائية، وهو الأمر الذي وصفته الوزارة بالمراوغة و الخرق القانوني.
في انتظار رد فعل الوزارة الوصية، فإنّ كل المعطيات تشير إلى أنّ ما حدث يشكل قنبلة موقوتة ستنفجر قبل بداية الموسم المقبل الذي سيكون من أصعب وأطول المواسم الكروية حتى ولو بدأ غداً، لأنه لن ينتهي في موعده بسبب زيادة عدد نوادي القسمين المحترفين الأول والثاني، وبالتالي زيادة عدد الجولات التي ستصل 38 جولة في دوري الدرجة الأولى، يضاف اليها توقفات تواريخ "فيفا" والمسابقات القارية للأندية وكأس الجزائر، دون أن ننسى نقص المرافق الرياضية والملاعب ورفض السلطات الصحية الترخيص باستئناف المنافسات الرياضية، مع إمكانية تأخير موعد انطلاقة الدوري بسبب وباء كورونا المتفشي في الجزائر بشكل كبير أدى إلى إعادة فرض اجراءات الحجر والحظر في عديد الولايات ومنع تنقل الأشخاص بين عديد المدن.
البعض يعتقد أنّ الظرف الراهن الذي يميز الأوضاع الاجتماعية الصعبة قد يفرض على الوزارة التريث وتجاوز الأمر مؤقتاً، حفاظاً على الاستقرار والسلم الاجتماعيين، لكن دون إنهاء الصراع القائم منذ مدة، والذي سينتهي لا محالة بترحيل الرئيس والمكتب الفدرالي بمجرد نهاية العهدة الانتخابية الحالية، ومنعه من الترشح مجدداً، وهو الأمر الذي يعرفه جيداً رئيس الاتحاد منذ مدة، لكنه يدفع بالمقابل بأحد أعضاء مكتبه وبعض المحيطين إلى الواجهة في وسائل الإعلام لتبييض صورته وتبرير خياراته، أو السعي نحو ترشيح عضو المكتب الفدرالي عمار بهلول لقطع الطريق على أي مرشح من خارج المكتب، بما في ذلك رئيس الرابطة المحترفة الذي أدرك أنّ النهاية اقتربت فأعلن رفضه العلني للاستشارة والضمني للقرارات المتخذة، على غرار رؤساء أندية محترفة أخرى ستصعد من رفضها في الأيام المقبلة.
توقيف الدوري قد يكون منطقياً في نظر المتتبعين لأنّ السلطات لم تسمح بالاستئناف، لكن باقي القرارات الأخرى يعتبرها البعض شعبوية دعائية، انتخابية وغير قانونية، ستعقد من مشاكل الكرة الجزائرية، ولن تحل الأزمة بين الاتحادية والوزارة، بل ستزيدها تعقيداً وتوتراً.