تدهورت الحالة الصحية للسبعيني المصري أحمد عباس، منتصف يونيو/حزيران الماضي، بعدما ظهرت عليه أعراض القيء والإسهال، بالإضافة إلى اضطرابات في النوم تبقيه مستيقظًا لأكثر من اثنتين وسبعين ساعة متواصلة، ما حدا بأبنائه لإجراء مسحة فيروس كوفيد-19 له بعد نصيحة من طبيبه، وبالرغم من أن النتيجة كانت سالبة لكن حالة الحاج عباس لم تتحسن بعد مضيّ عشرة أيام، ما دفع الأبناء إلى التوجه لأحد المشافي الخاصة في التجمع الخامس شرقي القاهرة، غير أن القائمين على المشفى رفضوا استقبال المريض قبل أن يجري مسحة الكشف عن كورونا، وأشعة مقطعية على الرئة، وتحليل صورة دم كاملة، وللمرة الثانية جاءت النتيجة سالبة، إلا أن الأشعة المقطعية أظهرت وجود تجلطات في الرئة، كما أن المختبر أوعز لقسم الاستقبال برفض إدخاله استنادا إلى نتائج فحوصات أجريت على عينة الدم، حتى حُسم الأمر أخيرا بعد وساطة طبيب، بإجراء فحص في المعامل المركزية بوزارة الصحة، ليتبين أن الحالة موجبة عقب أسبوعين من الانتظار وإنفاق عشرة آلاف جنيه (625 دولارا).
وتجري المختبرات والمشافي الخاصة اختبارات كوفيد-19، في مخالفة لقرار وزارة الصحة المصرية التي أعلنت في فبراير/شباط 2020 عدم السماح للقطاع الخاص بإجراء اختبار PCR، وأيضا سحب بلازما دم المتعافين من فيروس كورونا المنطبق عليهم شروط التبرع، وخصصت لذلك عددا محددا من المراكز على مستوى الجمهورية، بعد إجراء عمليات الفحص الشامل للبلازما المسحوبة للتأكد من سلامتها، واستمرت الوزارة في التأكيد على عدم التصريح لأي من المختبرات أو المستشفيات الخاصة بإجراء الاختبارات المتعلقة بكوفيد-19 خلال يونيو الماضي.
تسليع الخدمات الصحية يتفاقم في ظل عجز المصريين عن الدفع وتكلفة كبيرة لإجراء فحص الفيروس
متاجرة بآلام المرضى
أزمة دقة مسحات فيروس كورونا في المعامل والمستشفيات الخاصة وإجراء عمليات فصل بلازما المتعافين من كورونا، ونقلها لمصابين بشكل يخالف تعليمات وزارة الصحة، وثقها معد التحقيق عبر جولة ميدانية إذ توجه إلى مشفى خاص يُجري عمليات سحب الدم والتبرع بالبلازما، بالرغم من منع وزارة الصحة له، وطلب إجراء تحليل فحص أجسام مضادة لفيروس كورونا، للتبرع بالبلازما لصالح مريض، ورحب المشفى بطلب إجراء تحليل الأجسام المضادة، وأكد العاملون في قسم الاستقبال أن للمتبرع الحق بالتبرع بالدم في صورته المعتادة، أو طلب فصل البلازما عن الدم، كما أن من حقه أخذ الدم والبلازما بعد التبرع أو تركهم للمصابين في المشفى.
وأجرى المشفى الخاص تحليل الأجسام المضادة لمعد التحقيق بقيمة 500 جنيه مصري، أي ما يعادل 31 دولارا أميركيا، على الرغم من أن تكلفته الفعلية لا تتجاوز 8 دولارات، كما يؤكد مصدر يعمل في المعامل المركزية التابعة لوزارة الصحة المصرية، قائلا لـ"العربي الجديد" إن التحليل تجريه المستشفيات والمعامل الخاصة باستخدام الكاشف السريع أو ما يعرف بـ رابد تيست rapid tests والذي من المفترض أنه يعطي النتيجة خلال مدة تتراوح بين 10 دقائق وساعتين، واصفا إياه بضعيف الفاعلية إذ لا يكشف في كثير من الأحيان عن الإصابة بالفيروس، ومع ذلك فإنه يجري استخدامه على نطاق واسع، كما أن العديد من الجامعات الحكومية والخاصة والمستشفيات والمختبرات الخاصة، تجري اختبار تحليل الأجسام المضادة (رابد تيست) على مرأى ومسمع الحكومة، ومنها جامعة عين شمس الحكومية التي أعلنت عن إجرائها التحاليل الخاصة بالكشف عن فيروس كورونا الجديد بنظام "درايف ثرو"، أي خدمة إجراء اختبار للأشخاص داخل مركباتهم، مقابل 450 جنيها (28 دولارا) لرابيد تيست و2000 جنيه (125 دولارا)، لاختبار PCR وتظهر نتيجة التحليل خلال يوم، الأمر نفسه، تطبقه الجامعة الأميركية في القاهرة، والتي بدأت في 24 يونيو الماضي، بتفعيل خدمة "درايف ثرو"، بالتعاون مع وزارة التعليم العالي وإحدى شركات الخدمات الطبية.
وبالرغم من رفض المشافي الخاصة للتسعيرة التي وضعتها وزارة الصحة المصرية لاختبارات كورونا، بحسب ما قاله خالد سمير عبد الرحمن، عضو مجلس إدارة غرفة مقدمي الخدمات الصحية للقطاع الخاص باتحاد الصناعات المصرية، إلا أنها تجري جميع الاختبارات المتعلقة بالفيروس ونقل بلازما الدم رغم حصر الأمر بمراكز الدم القومية، وفقا لمدير عام خدمات نقل الدم القومية في وزارة الصحة المصرية، إيهاب سراج الدين، الذي شدد على معيارين أساسيين للتبرع بالبلازما، وهما عدد وكفاءة الأجسام المضادة في دم المتعافي، لكن نقل بلازما المتعافين للمصابين بالفيروس لا يصلح لكل المرضى، وهناك فئة محددة يمكنها فقط الاستفادة من العلاج بالبلازما، مؤكدا أهمية التأكد من كفاءة البلازما وفعاليتها عبر عمليات دقيقة جدا تقوم بها معامل بنوك الدم، قبل نقلها من المتعافي للمصاب، وهذا هو سبب حصرها في مراكز الدم القومية.
الكواشف غير الدقيقة تنشر فيروس كورونا بين المواطنين
أدوات اختبار "مضروبة"
يصف المصدر المطلع في المعامل المركزية بوزارة الصحة المصرية غالبية أنواع كاشف "رابد تيست" الموجودة في مصر، بـ "المضروبة"، أي أنها غير فعالة، قائلا: "الدفعة التي حصلت عليها مصر من الصين، مضروبة، ودقة نتائجها لا تتجاوز 35%، ومع ذلك انتشرت بكثافة وعليها إقبال كبير". محذرا من خطورتها، كونها تعطي نتائج خاطئة، قد تؤدي إلى تخفيف المصابين للإجراءات الاحترازية في التعامل مع الوباء.
ووصلت أدوات الاختبار تلك لمصر بواسطة مقاول لديه مختبرات تحاليل كبيرة ويتبع جهة سيادية عليا، وفقا لما كشفه مصدران متطابقان أحدهما مدير أحد المختبرات الخاصة شدد على عدم ذكر اسمه ومختبراته، مضيفا أن المشافي الجامعية حصلت على تلك الكواشف من وزارة التعليم العالي، باعتبارها مسؤولة عن المستشفيات الجامعية، وطلب من معد التحقيق أن ينتظر مدة أسبوعين، لأنه سيحصل على دفعة اختبارات جديدة قادمة من إسبانيا نتائجها أكثر دقة من الاختبارات الصينية المنتشرة في الوقت الحالي. وهي المعلومة التي أكدها المصدر المطلع في المعامل المركزية لوزارة الصحة.
وترتبط أزمة غياب دقة اختبارات الكشف عن فيروس كورونا في المختبرات والمستشفيات الخاصة، المعتمدة على تحاليل "رابد تيست" المنتشرة في مختبرات خاصة، وبعض المستشفيات الخاصة والجامعية، بإجراء عمليات فصل بلازما المتعافين من كورونا لنقلها لمصابين محجوزين في المشافي، وهو ما وثقه التحقيق عبر حالة المصرية الثلاثينية ريم فهمي (اسم مستعار حفاظا على خصوصيتها)، التي لجأت إلى مشفى خاص في محافظة الجيزة شمال مصر خلال يونيو المنصرم، للنجاة بنفسها وجنينها بعد ثبوت إصابتها بالفيروس، عبر نقل بلازما الدم، لكن محاولات البحث عن متبرع بالبلازما من فصيلة الدم O سالب، والتي خاضها أقارب وأصدقاء فهمي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، باءت بالفشل، لتتوفى متأثرة بإصابتها بعد وضع جنينها.
لهذه الأسباب، اعترضت الجمعية المصرية للطب المعملي، على إسناد المسحات والتحاليل الخاصة بفيروس كورونا لشركة برايم الخاصة، التي تشتمل أصولها على مختبرات خاصة تسمى "سبيد لاب"، بموافقة المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية، بما يخالف المادة 18 من الدستور المصري التي تؤكد على أن الدولة ملزمة بتوصيل الخدمة الصحية في صورة تأمين صحي أو غيره، لجميع المواطنين بشكل غير هادف للربح، وتقديم الخدمة عبر الشركة الخاصة، بمبلغ مرتفع، لن يجعل غالبية المصريين قادرين على الدفع وفق ما جاء في بيان أصدرته في الأول من يوليو/تموز الجاري، وهو ما يصفه الدكتور علاء غنام، مسؤول برنامج الحق في الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية (منظمة مجتمع مدني)، بـ"تسليع خدمات الرعاية الصحية في زمن الكوارث والأوبئة"، ما يعد انتهاكاً للحق في الصحة، مؤكدا ضرورة ضبط أسعار الكمامات والأدوية والتحاليل والمستشفيات الخاصة، وعدم ترك المواطنين في مواجهة سوق منفلت بلا ضابط.