خريطة كبيرة مفصلة لقرية الكويكات المهجرة مع أسماء العائلات الفلسطينية والأحياء تزين وتملأ حائط غرفة الاستقبال في بيت الحاج علي محمد غضبان المهجر منها، كتبها بيده منذ عدة سنوات قبل أن يضعف نظره، بيد أن ذاكرته الخصبة تحمل قصصاً وأحداثاً يسردها بتفاصيل منذ طفولته حتى عام النكبة.
ولد الحاج غضبان سنة 1927 في قرية الكويكات المهجرة والتي تقع على بعد 9 كيلومترات شمال شرق عكا، ويقطن اليوم في قرية أبو أسنان التي تبعد رمية حجر عن قريته الأصل وعن ملكه وأرضه. فهو موسوعة ومرجعية وتحول بيته مزاراً لكل أهل القرية المهجرين ولكل من يبحث عن معلومات عن القرية.
لقاء "العربي الجديد" مع الحاج غضبان له رونق خاص يعيدنا إلى أيام مضت ورحلت فبداية بعد التحية بدأ الحديث باستحضار الماضي: "مرت علي سنين بعد سنين أبكي وأنعى بلاداً أصبح سكانها البوم والغربان، يا رب يا رافع السماء بلا عمدان يحل السلام في بلادنا ونعيش مع الأهل والخلان".
كانت قرية الكويكات احتلت حيزاً ومكاناً في رواية "باب الشمس" للأديب إلياس خوري وخاصة شخصية أم حسن في مخيم شاتيلا. وجاء في الرواية "سقطت الكويكات في أيدي اليهود، دون أن ندري، ففي ليل 9-10 تموز (يوليو) 1948 خرج الناس من بيوتهم بثياب النوم، كان القصف عنيفاً والمدفعيّة تهدر في ليل القرية التي لم تنم".
كان الحاج غضبان في عام النكبة وعند سقوط القرية متزوجاً من الحاجة آمنة مصطفى شحادة وهي من الكويكات أيضاً، وله طفلة واحدة منها اسمها فايزة.
وعند التهجير ومع احتلال القرية وقصف المدفعيات، تتذكر الحاجة آمنة أنها "ذهبت وحضرت ملابس "وشرايط" لطفلتي لأخذها معي عندما أردنا أن نترك الدار ونحن كنا قد تركنا البيت لنتختبئ من القصف، فسألني زوجي، أين البنت؟ قلت له، نسيتها فكنت قد حملت ملابسها ولم أحملها من الهلع والتوتر والضغط، فدخل زوجي إلى البيت وجلبها وكانت تبكي وتصرخ طفلة بعمر سنة".
غالبية أهالي القرية هجروا إلى مخيمات لبنان برج البراجنة وشاتيلا وغيرهم وبقي فقط ربع أهالي القرية مهجرين داخل وطنهم، فغالبيتهم يقطنون اليوم في قرية أبو أسنان وقرية المزرعة بالجليل.
بعد النكبة خرج الحاج غضبان وقطن في بيت بركية بقرية المزرعة حتى حرب 67 وبعد ذلك أراد أن يبني بيتا في المرزعة، بعدما فقد الأمل بالعودة إلى الكويكات، فجاءت إسرائيل واقترحت عليه السماح بالبناء شرط أن يبيعها أرضه في الكويكات. "قلت لهم لحد هنا وبس، طبعاً لم أبعْ وفي نفس السنة اشتريت دونم أرض في قرية أبو سنان ونقلت العيش هناك"، يوضح الحاج غضبان.
ويسرد الحاج غضبان "سكن القرية 1250 نسمة حتى عام 1948 درست في مدرسة القرية حتى صف الرابع... كانت المدرسة حتى الصف الرابع، ومن يريد الاستمرار بالتعليم يستمر في قرية كفر ياسيف حتى صف الثامن. فدرست العربية والدين والأناشيد الوطنية وحتى الكسر العشري في الرياضيات. كانت مدرستنا جميلة جداً كان لها حديقة كبيرة بحجم 3 دونمات مزروعة ورود قرنفل وجوري، وشجر، وكانت للبنين فقط، وكان فيها ملعب كرة قدم. وكان معلمي اسمه نيازي كان من عكا ينام بحر الأسبوع في الكويكات".
ويتابع "قرية الكويكات كانت زراعية اشتهرت في التين بجميع أنواعه سباعي وبياضي وموازي، كنت أذهب إلى وادي النسناس بحيفا لأبيع التين هناك، فكان تين الكويكات الأكثر شهرة، الناس تنتظره. كنت أضع السلة مع التين على الدابة ونسير إلى مينا عكا سيراً على الأقدام ومن ثم نخرج من بوابة عكا ونستمر حتى نمر جانب مصنع "الفينري" وحتى مدينة حيفا بحي وادي النسناس. وكنا نزرع بها القمح والشعير والحمص والبطيخ".
ويستحضر من ذاكرته "كانت بلدنا الكويكات ناسها موحدين وكانوا يسيطرون في المنطقة، فجميع من كان يحرس محاصيل الأراضي الزراعية في القرى التي تحيطنا من كفر ياسيف عمقاً وأبو أسنان كانوا من الكويكات. فالمعيشة زمان قبل النكبة أيام قريتنا كانت أفضل، كان محبة أكثر وخير أكثر ونقود واحترام الكبير".
ويضيف "نحن خرجنا من قريتنا في آخر يوم بالهدنة لأننا اتكلنا على الجيوش العربية التي ستأتي وتحارب، وكان أفراد العصابات الصهيونية اليهودية قد حاصروا القرية من جميع جهاتها الجنوبية والشمال والغرب وبقيت فقط الجهة الشرقية منها مفتوحة باتجاه قرية أبو أسنان".
ويتذكر أنه "عندما سقطت حيفا كان قائم مقام حسن بيك بيضون، خرج من حيفا إلى البهجة في عكا، كان متجهاً إلى لبنان بعد أن سقطت حيفا ووقف وبكى وشهق سألناه، ما بك قال رأيت الناس تخرج شبه عارية تهرب من القصف وتركب السفن خارجة من حيفا".