ابتهاج دولة... لاجئة فلسطينية عايشَت النكبة ولا تزال تتنفس هواء يافا المحتلة

15 مايو 2019
هويات وأوراق ثبوتية لا تزال تحتفظ بها (العربي الجديد)
+ الخط -

لم تغب مدينة يافا، ولو دقيقة واحدة، عن مخيلة اللاجئة الفلسطينية ابتهاج علي دولة "أم خَطاب"، منذ اللحظة الأولى للنكبة، وتهجيرها مع عائلتها وأبناء مدينتها قسراً عام 1948 على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي.

ذكريات "عروس البحر"، وهو لقب مدينة يافا، لا تقتصر عند الثمانينية أم خطاب على ذكرى النكبة الفلسطينية السنوية والتي تصادف اليوم 15 مايو/أيار الجاري، بل تراها في أحلامها، ويقظتها، وصورها حاضرة دوماً في مخيلتها.

تفاصيل وملامح وشوارع وممرات وحارات، وحتى بحر مدينة يافا "تعَشش" في مخيلة ووجدان أم خطاب، التي ما زالت تشم رائحة السمك اليافوي، والطعام الفلسطيني، والعادات الفلسطينية الأصيلة في المدينة المُحتلة.

وطُرد الشعب الفلسطيني من أرضه ومدنه وقراه، وخسر وطنه عام 1948 والذي يطلق عليه الفلسطينيون "عام النكبة"، لصالح إقامة دولة الاحتلال الإسرائيلي على أنقاضه وبيوته المدمرة وعائلاته المشردة.

وتعتبر مدينة يافا من أقدم وأهم مدن فلسطين التاريخية، وتقع اليوم ضمن بلدية "تل أبيب - يافا" الإسرائيلية، على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، حسب التقسيم الإداري للاحتلال الإسرائيلي، وتبعد عن القدس نحو 55 كيلومتراً إلى الغرب.

صورة تجمع والدة أم خطاب وشقيقها (العربي الجديد) 

وتقول ابتهاج دولة (85 عاماً) إنها شهدت قبل عام النكبة حرباً سبقتها عام 1936، كانت تسمى "حرب الإنكليز"، قضت خلالها مدينة يافا نحو ستة شهور في العتمة، والقلق، لكنها خرجت إلى النور.

وتبيّن أن عائلتها كانت تعمل في البحر، مضيفة: "كان لنا بيت مكون من ثلاث طبقات، وفيه حديقة مزروعة بمختلف الأشجار، وكان جدي ريّساً في بحر يافا، كذلك أبي (...) كانت الحياة هادئة مستقرة، نأكل من كدّ جبيننا، ونتقاسم اللقمة بيننا، وسط أجواء من المحبة والوئام".

وتتابع "يافا أم البلاد كلها، بتذكر السينما، والبحر، والأكلات، وليالي الأفراح، والمودة بين الأهالي والجيران"، معتبرة أن "كل هذا الجمال يدفعني حتى اللحظة إلى عدم تصديق ما جرى، ويعطيني أملاً قوياً بأننا سنرجع يوماً إلى يافا".

الأمل بالعودة إلى يافا لم يفارقها يوماً (العربي الجديد) 


وعن تفاصيل ما جرى معها ومع عائلتها خلال عام النكبة، تقول لـ "العربي الجديد": "كنا نقف جميعاً عند مدخل البيت، وإذ بحافلة كبيرة تقل جنودا توشحوا بالوشاح الأحمر، اعتقدنا حينها أنه الجيش العراقي، وبدأنا بإطلاق الزغاريد، إلى أن فوجئنا بأنها قوات إسرائيلية تنكرت بزي عربي".

وتضيف بعد أن فشلت في منع دمعها الذي سال على خدها المجعد: "تحولت المنطقة في لحظة إلى ساحة حرب، أصيب حينها شقيقي، حملناه مسرعين نحو قوارب البحر لعلاجه، ولحق بنا أبناء الحي، هرباً من إطلاق النار المتواصل بهدف القتل".

وتتابع أم خطاب: "ما زلت أذكر تفاصيل ذلك المشهد المروع، والذي لم يغب لثانية عن مخيلتي، كان الموت يحيط بنا من جميع الجهات، ما اضطرنا إلى ركوب البحر أملاً في النجاة وعلاج شقيقي".

يافا القديمة قبل النكبة (فيسبوك) 

وقالت: "هناك مشهد لا يمكنني نسيانه، حين كنا على متن القارب، توفي ابن شقيقتي، وتوقف المركب عن السير، فاضطررنا لرميه في البحر، كان مشهداً مؤلماً حين شاهدنا الطفل وهو يطفو، وتتقاذفه الأمواج".

وتوضح أم خطاب التي تقطن بيتاً متواضعاً غرب مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين، أن القارب الذي أقل عائلتها وجيرانها حط في مدينة بور سعيد المصرية، ومن ثم للقنطرة، وبعد وقت قصير توجهت عائلتها إلى مخيم المغازي للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة، وتنقلت عبر عدة مراحل، إلى أن وصلت للبيت الذي حصلت عليه عائلتها من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".

مدينة يافا "عروس البحر" (فيسبوك) 

قبالة المُسنة أم خطاب هناك صورة بالأبيض والأسود لوالدتها وشقيقها، وتتجه بين اللحظة والأخرى لصندوق قديم، وضعت فيه "الكواشين، وشهادات الوفاة، وجوازات السفر، وصور الهويات الخاصة بأفراد عائلتها، إذ لم يبقَ سواها على قيد الحياة".

وتأمل أم خطاب أن تكحل عيونها مجدداً برؤية يافا وشوارعها وحواريها القديمة، إذ إن التغييرات التي حصلت بفعل الاحتلال الإسرائيلي هي تغييرات شكلية، لا يمكنها تغيير روح وجوهر مدينة يافا العتيقة، مختتمة حديثها بالقول بلهجتها الفلسطينية: "اللي بينسى أرضه بينسى عرضه، وإحنا مش رح ننسى".

ويتطلع اللاجئون الفلسطينيون الذين هاجروا وهُجِّروا من فلسطين بفعل العمليات العسكرية للمليشيات والقوات الصهيونية عام النكبة، إلى العودة، واندحار الاحتلال الإسرائيلي عن مدنهم وقراهم.