ابتسام عازم.. ماذا لو اختفى أصحاب الأرض

22 يناير 2020
(ابتسام عازم)
+ الخط -

تلفت الروائية الفلسطينية ابتسام عازم في مقابلة تلفزيونية سابقة مع "التلفزيون العربي" إلى مقولة للمؤرخ الصهيوني بيني موريس بأنه كان من الأفضل لو أكملت العصابات اليهودية مهمّتها وقضت على الفلسطينيين عام 1948 بشكل كامل، وأقيمت "إسرائيل" خالية من أهلها، ومقولة أخرى لإسحق رابين تمنّى خلالها أن يبلع البحر غزّة.

تواردت تلك التصريحات في بال صاحبة رواية "سارق النوم.. غريب حيفاوي" (2011)، لتتفتّق لديها فكرة عمل صدر عام 2014 عن "منشورات الجمل" بعنوان "سفر الاختفاء"، ويقوم على حبكة متخيلة حول اختفاء الشعب الفلسطيني من فلسطين المحتلة فجأة، اختفاءً كاملاً لم تستطع كاميرات وأجهزة الاحتلال رصده أو تفسيره، ما يسبّب حالة من الذعر تجتاح الإسرائيليين الذين يعلنون حالة الاستنفار القصوى.

الرواية التي اعتبرها نقّاد من أبرز الأعمال الروائية الفلسطينية الجديدة، صدرت ترجمتها الإنكليزية مؤخراً بتوقيع الشاعر والروائي العراقي سنان أنطون عن منشورات جامعة سيراكيوز في الولايات المتحدة .

تنطلق الكاتبة من العنف الاستعماري الذي مارسه كيان الاحتلال على الأرض وأهلها طوال سبعة عقود، حيث يستبدّ إحساس الإقصاء ببطل الرواية علاء في حياته اليومية بمدينة يافا المستعمَرة التي توسعت على أنقاضها "تل أبيب"، أو في علاقته مع إسرائيليين يبحثون عن علاقةٍ ما مع الفلسطينيين من أجل ممارسة شكل من أشكال التطهر عبر الادّعاء بأن لهم أصدقاء عرباً.

ولا تغفل أيضاً الحرب التي مورست على المكان نفسه فأُلبست الشوارع والمدن والمناطق قسراً أسماء ليست لها، حيث "يافا المدفونة تحت يافا" وفق تعبيرها، ويأتي السيّاح الغربيون لرؤية من بقي من أهلها باعتبارهم "غريبين" في المكان.

ضمن حبكة مشوّقة وذكاء سياسي تنجح الكاتبة في نسْج تاريخ احتلال المدينة سنة 1948 من خلال رواية ثلاثة أجيال عاشت هذه الواقعة؛ الجدة والأم والحفيد، حتى آلت إلى مدينة لا تشبه نفسها، مكثّفة أفعال المقاومة المختلفة التي يجترحها الفلسطينيون في مواجهة أخطر عملية سطو وإحلال في التاريخ.

تقدّم عازم شهادة حول روايتها الأخيرة ضمن ندوة حوارية ينظّمها برنامج الأدب المقارن في "معهد الدوحة للدراسات العليا" بالعاصمة القطرية عند الثالثة من عصر اليوم الأربعاء تحت عنوان "خارطة سفر الاختفاء: عن الذاكرة والكتابة الإبداعية"، وسيدير اللقاء الباحث والناقد إسماعيل ناشف.

في مداخلتها، تتطرّق الكاتبة إلى مسائل عديدة تشكّل خلفية فكرية وثقافية لا تغيب عن فعل الكتابة، وتشكّل هاجساً دائماً لديها ومنها مخطّطات "إسرائيل" التي تسعى لإتمام التطهير العرقي الذي عجزت عنه في وقت مضى، وهنا يتحمّل الإبداع والفن مسؤولية تقديم تاريخ بديل يمتلك وعياً رافضاً للهزيمة ومتمسكّاً بمواجهة المحاولات المتعدّدة لطمس الذاكرة وإلغاء التاريخ.

تنبني الرواية على مذكرات بطلها الذي يختفي بعد انتهائه من كتابتها فى دفتره الأحمر، ليقع الدفتر في يد صحافي إسرائيلي كان يفترض أنه "صديقه اليساري" الذي ينتقل إلى شقة الفلسطيني المختفي، ويقوم بتغيير "قفل الباب" ليمنع علاء من دخول شقته فى حين أراد العودة.

وتشير أيضاً كيف صاغت تلك الهواجس في روايتها التي تتضمّن تسعة وأربعين فصلاً، وتستمد تفاصيلها من الواقع الذي يحتشد بالتفاصيل اليومية الصغيرة التي تؤسّس لدى الكاتبة فسيفساء مقارباتها حول استعمار فلسطين والصراع مع المشروع الصهيوني المفتوح على كلّ مستوياته، ليتضح للقارئ في نهاية المطاف أن الاختفاء كان رمزياً ومتخيلاً وفانتازياً، لكنه نكأ تلفيق المستعمِر للماضي، وأفزعه من حاضره، وجعله يصطّدم مع أسئلة مصيره الغامضة.

يُذكر أن ابتسام عازم من مواليد بلدة طيبة المثلث شمالي مدينة يافا المحتلّة. حصلت على درجة الماجستير في الأدب الألماني والإنكليزي والدراسات الإسلامية من "جامعة فرايبورغ" الألمانية، وإضافة لأعمالها الروائية نشرت العديد من المقالات والقصص القصيرة، وهي مراسلة موقع وصحيفة "العربي الجديد" في نيويورك.

المساهمون