قبل أربع سنوات، في لندن، ولدت روزي وروبي فورموزا. توأمان سياميّان. حالة نادرة. واحدة من بين مائتَي ألف ولادة. هكذا أتى التشخيص. أمّا فرص نجاتهما، فوُصِفت بالضئيلة جداً، لا بل كادت أن تكون معدومة.
كان ذلك قبل أربع سنوات. المفاجأة الأولى.. إبصارهما النور. أما الثانية، فلم تكن الأخيرة. في ذلك الحين، لم يظنّ أحد أنّ الصغيرتَين الهشّتَين الملتصقتَين ببعضهما بعضاً، سوف تتخطّيان مخاطر عمليّة فصلهما الجراحيّة أو ما يتبعها من مضاعفات متوقّعة أو غير متوقّعة. هما فعلتا. وقبل أيّام عدّة، التُقطت صورهما بزيّ مدرسيّ أزرق وأبيض، خلال يومهما الأوّل في الروضة. في كلّ اللقطات التي وثّقتها وسائل الإعلام البريطانيّة، ظهرتا جنباً إلى جنب وهما تضحكان. تضحكان للحياة. إنّها إرادة الحياة.
ليست النجاة من وضع صحيّ حرج وحدها، انتصاراً يُسجّل. في صباح كلّ يوم جديد، عندما نفتح أعيننا، نسجّل واحداً. قد يُقال إنّه تفاؤل مبالغ فيه. وتتوالى الانتصارات. هل هي فعلاً كذلك؟ وفي وجه من؟ قد نسأل. قد لا نسأل. قد ندرك أنّنا سجّلنا هدفاً. قد لا ندرك أنّنا فعلنا. وفي مرمى من؟
نستمرّ أحياءً، ونتساءل. هل صحيح أنّنا أحياءٌ لمجرّد أنّنا نشهد في كلّ يوم بزوغ فجر جديد؟ أن نكون أحياءً، أبعد من ذلك. أمر مسلّم به. هكذا نقول. هكذا يُقال. لكن، لا بدّ من أنّ في داخل كلّ منّا، إرادة حياة أو بعضاً من إرادة حياة. لو لم يكن الأمر كذلك، لكنّا كتمنا أنفاسنا بألف طريقة وطريقة.. ولكلّ أسبابه. لو لم يكن الأمر كذلك، لما كنّا سجّلنا انتصاراتنا تلك.
إنّها إرادة الحياة. "من لم يعانقه شوق الحياة.. تبخّر في جوّها واندثر"، قال أبو القاسم الشابي. لم يخلُ أيّ من دفاتري أو كتبي خلال المرحلة الثانوية من بيت الشعر هذا، يسبقه بيت آخر "إذا الشعب يوماً أراد الحياة.. فلا بدّ أن يستجيب القدر". كان أبو القاسم الشابي ملهماً في ذلك الزمن. قد يُقال إنّه أنشد إرادة حياة شعب.. إرادة حياة جماعة. كان ملهماً، لأنّه فعل ذلك، تحديداً. هل تكون إرادة الحياة كذلك، إن لم تكن فرديّة أنانيّة قبل كلّ شيء. الأنانيّة هنا أمر محمود. أنانيّة في سبيل الحياة.
إنّها إرادة الحياة. إرادة روزي وروبي كانت فطريّة. أمّا تلك التي قال بها الشابي، فكانت بأمل التحرّر. إرادة الحياة. لا بدّ من أن ترتبط بأمل ما. قد يكون أملاً بلقاء ما. قد يكون أملاً بوعد مأمول. قد يكون أملاً بأمل.
"أعلّل النفس بالآمال أرقبها.. ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل". بيت شعر حفظناه عن ظهر قلب خلال المرحلة الثانويّة كذلك. وإيه.. في أمل.