إيمانويل ماكرون: "طموحه" انتصر على "وفائه" للرئيس الفرنسي

16 نوفمبر 2016
الانتخابات الفرنسية تعد بمفاجآت كبيرة (ليونيل بونافنتير/ فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من صغر سنه النسبي، إلا أن الوزير الفرنسي السابق، إيمانويل ماكرون، البالغ 38 عاماً، في عجلة من أمره. وكل الذين عمل معهم كانوا يعرفون الطموح الكبير الذي يستبد به، لا سيما رئيس الجمهورية الفرنسية، فرنسوا هولاند، الذي كان يعلم أن ماكرون "وحش سياسي"، وأن "طموحه" لا حد له. لكنه كان يتوقع ألا يظهر ذلك قبل العام 2022، أي بعد أن يكون هولاند، قد انتهى من ولايتيه الرئاسيتين، بسلام، وحينها لا يهم من يأتي بعده، في تقليد لقائده وأستاذه الرئيس الراحل فرانسوا ميتران.


الشيء الذي لم يستطع ماكرون أن يتستر عليه، على الرغم من أن تصريحاته كانت كلها غامضة، وملتبسة، هو أن أفعاله وخرجاته كان تفضحه. فتأسيسُهُ لما يشبه الحزب (حركة "ماضون قُدماً" في أبريل/نيسان الماضي، والتي يحددها بـ"حركة سياسية وسطية وبديلة لا تنتمي إلى اليسار ولا إلى اليمين")، واستقطابه فعاليات اقتصادية ومسؤولين حزبيين سابقين، من اليمين اليسار، وآخرين من المجتمع المدني، كان بمثابة إعلان لما سيأتي، إضافة إلى لقاءاته وزوجته مع الصحافة المخملية، ثم "عثرات اللسان"، المتكررة، التي كانت تنبئ بشيء ما.


وبينما كان قياديون في الحزب الاشتراكي، وحتى رئيس الحكومة مانويل فالس، يرون في إقدام ماكرون على الترشح لرئاسيات 2017 مسـألة وقت فقط، كان الرئيس هولاند يتمترس، دائماً، خلف "وفاء" الرجل له. فقد كان هولاند يتصور، ربما عن قناعة عميقة، وربما ليُطَمئن نفسَه، أنه صانع هذا الرجل وصاحب الأفضال عليه، وبالتالي لن يتجرأ على منافسته على المنصب الرئاسي.


ولكنّ ماكرون، تلميذ الفيلسوف الفرنسي الكبير، بول ريكور، كما يحلو له أن يُقدّم نفسَه، كان يجد الوفاءَ في مكان آخر. ولعلّ، وهذا ما خفي على كثيرين، تصريحاته الرافضة لمشروع قانون تجريد الفرنسيين من الجنسية الفرنسية، إضافة إلى مواقفه المتضامنة مع المهاجرين واللاجئين، في الوقت الذي كان الموقف الرسمي، خاصة مع فالس، هو الصدّ، بل وانتقاد الكرم الألماني تجاه هؤلاء اللاجئين. وتقرأ مواقف ماكرون كنوع من الوفاء لريكور، ونصوصه عن "الغريب" و"ضيافة الغريب".



لا يمكن لأحد، إلا هو طبعاً، أن يعرف القطرة التي أفاضت الكأس، أي الموقف الذي دفعه للإقدام على ترشيح نفسه للرئاسيات؛ ولا شك أنها مواقف كثيرة.


بالتأكيد قرأ ماكرون كتاب المحاورات التي أجريت مع الرئيس، فرانسوا هولاند، والتي استشفّ فيها إلى أي درجة غاب "وفاء" الرئيس تجاه وزرائه، بل وأقرب المقربين إليه. فكيف يُعقل أن يشهر فرانسوا هولاند سلاح "وفاء" بوجه ماكرون، في الوقت الذي لم يَسْلم أحدٌ، تقريباً، من خنجره؟


كما أن ماكرون، وبحكم عمله في الحكومة، اكتشف "خراب" الحزب الاشتراكي الحاكم، وصعوبة انبثاق قائد "طبيعي" يخرُجُ من صلبه وقادر على وضعه على سكة الحرب والمواجهة سنة 2017. ولا يمكن لعاقل، على الرغم من تَسارُع الاتهامات الاشتراكية، أن يتهمّ ماكرون بتحطيم حزب سياسي، خسر، منذ أربع سنوات، كلّ الاستحقاقات الانتخابية، ولم يستقرَّ، بعدُ، على مُرشح رسمي واحد.


ماكرون قارئ جيد للخريطة السياسية الفرنسية، ولا شك. والدليل أنه محاطٌ، أيضاً، بشخصيات متحدرة من اليمين والوسط. ومثل كثير من الباحثين السياسيين، اكتشف في الانتخابات الفرعية لليمين الفرنسي، التي عرت عيوب وعورات كل المرشحين، غياب مرشح يميني "طبيعي" لهذا التيار.


وإذا كان المرشّح والرئيس السابق، نيكولا ساركوزي، هو أشد منتقدي ماكرون و"خيانته" للرئيس هولاند، فلعلّ أخبار التمويل الليبي حملته السابقة، تقضي على مستقبله السياسي.


ووفق استطلاعات الرأي، يبقى نوع من التشابه في البرنامج الاقتصادي بين إيمانويل ماكرون ومرشح اليمين والوسط القوي، ألان جوبيه. وتحدثت بعض المصادر عن لقاءات بينهما، لكنّ لا شيء يؤكد وصول اتفاق ما بين الطرفين، خصوصاً حين أعلن ماكرون، قبل أسابيع، أن فرنسا بحاجة إلى سياسيين شباب ونُزَهاء، وهو ما يُكنس، بضربة واحدة، كلَّ مرشحي اليمين.


في ظل يسار مشتت ويمين يُدمّر بعضُهُ بعضاً، وهي فرصةٌ لن تُعوَّضَ، يستطيع تلميذ بول ريكور أن يمضي، قُدُما، نحو مصير قد يكون مجيداً، وأن يغلّب طموحه الجارف على "وفاء" قد يكون تعهَّد به للرئيس الفرنسي، ذات يوم.