بعدما خدمت ثماني سنوات كاملة، مديرة عامة لمنظمة "يونسكو" مع ما في ذلك من عمل في ملفات حماية التراث، والتعليم، وغيرها، تبدأ البلغارية إيرينا بوكوفا مهمة أخرى مرتبطة بالتعليم، من خلال "يونيسف"، وهو ما تتحدث عنه إلى "العربي الجديد"
أكدت المديرة العامة السابقة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" (2009-2017)، إيرينا بوكوفا، ضرورة التركيز على التعليم حتى في مناطق النزاع واعتباره جزءاً من المساعدات الإنسانية الأساسية، وليس أمراً يجب أن يجري التعامل معه أو تأجيله إلى ما بعد انتهاء تلك الأزمات. جاءت تصريحات بوكوفا، التي شغلت عدداً من المناصب رفيعة المستوى، من بينها نائبة وزير الخارجية في بلغاريا، وسفيرة لبلادها في فرنسا قبل توليها الإدارة العامة لمنظمة "يونسكو"، على هامش لقاءات عقدت في مقر الأمم المتحدة في نيويورك بمناسبة "اليوم الدولي للتعليم" وهي احتفالية سنوية لـ"يونسكو" في الرابع والعشرين من يناير/ كانون الثاني. واختارها مؤخراً صندوق "التعليم لا يمكن أن ينتظر" الذي أطلقته منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" عام 2016، لتكون سفيرة له إلى جانب المفوض الأوروبي السابق للمساعدات الإنسانية، القبرصي كريستوس سليانديس. وخصت بوكوفا "العربي الجديد" في نيويورك بحديث على هامش تلك اللقاءات.
ففي سؤال، حول اختيارها سفيرة لصندوق "التعليم لا يمكن أن ينتظر" وما الذي تأمل في تحقيقه عبر هذا المنصب الجديد، تقول: "من تجربتي في منصبي السابق مديرةً عامة ليونسكو ذهبت إلى مخيمات اللاجئين ومناطق الأزمات والصراعات، على سبيل المثال هايتي بعد الهزة الأرضية، وباكستان بعد الفيضانات، وجنوب السودان وكثير من المناطق الأخرى. وعندما توليت مهامي مديرةً عامة ليونسكو، عام 2009، نشرنا عدداً من التقارير حول التعليم. وتبنت يونسكو مع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص للتعليم، غوردون براون، فكرة التعامل مع التعليم باعتباره جزءاً من حالة الطوارئ التي يجب دعمها". تتابع: "على أرض الواقع، لم يكن التعليم حاضراً عند التفكير في الأزمات الإنسانية، ولم يُنظر إليه على أنه جزء من مشاريع الاستجابة في حالات الطوارئ من قبل الحكومات والمتبرعين وغيرهم. كذلك، علينا ألاّ ننسى أنّ هناك أكثر من سبعين مليون طفل في مناطق النزاعات والأزمات بحاجة إلى مساعدات للحصول على التعليم".
وحول التحديات التي واجهتها في مهمتها السابقة التي استمرت ثماني سنوات، تقول: "أعتقد أنّ واحدة من التحديات الكبرى كانت صعود التطرف والعنف، مثل تنظيم داعش، في سورية والعراق ومالي وغيرها. ومع صعود التطرف، جاء تدمير التراث العالمي، والهجوم على هويات الناس. أذكر العمل الذي قمنا به في تومبكتو، في مالي، ومحاولة إنقاذ مخطوطات إسلامية يعود عمرها لمئات السنين وهي أساسية للتراث الإنساني والثقافي العالمي في الفلسفة والطب وغيرها. شعرت عندما عدت عام 2015 لافتتاح أماكن الأضرحة التي جرى ترميمها كأنّني أعيد للناس هناك هويتهم. لعلّ الجزء الأصعب كان التعامل مع كل هذه التحديات، والردّ الملائم هو عدم الاستسلام". تضيف: "التحدي الآخر الكبير الذي واجهته كان عندما أوقفت الولايات المتحدة، عام 2011، تمويلها المنظمة بسبب انضمام فلسطين لعضوية يونسكو. على الرغم من ذلك، فقد تمكّنا، معاً مع بقية الفريق، من الاستمرار في دورنا القيادي والعمل على أجندة وأهداف التنمية المستدامة والريادة بما فيها ما يرتبط بالتعليم. العالم معقد وهناك دائماً تحديات، علينا مواجهتها وعدم الاستسلام لها".
وحول توصيفها أنّ تدمير التراث الإنساني جريمة ضد الإنسانية، تقول: "دعيني أذكر أنّه في مارس/ آذار 2017 تبنى مجلس الأمن الدولي القرار 2347 بالإجماع. وينص القرار على أنّ تدمير التراث الثقافي في الصراعات يهدد السلم والأمن الدوليين، ونتيجة لذلك فإنّه جريمة. وطبعاً، إلى جانب مجلس الأمن، هناك أدوات قانونية مهمة تؤيد ذلك". وبالحديث عن مجلس الأمن، والنهج الأميركي الحالي في ظلّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تقول: "لا يمكنني إلاّ التعبير عن الأسف لخروج الولايات المتحدة من عدد من منظمات الأمم المتحدة، ومن بينها منظمة يونسكو وغيرها. وهذا مؤسف لأسباب عديدة بما فيها أنّ الولايات المتحدة كانت من الدول المؤسسة للأمم المتحدة. وقد كان تأسيس الأمم المتحدة ومؤسساتها، ومن بينها يونسكو، فكرة أميركية جاءت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. أحياناً، ونحن منشغلون في النظر إلى الأحداث الآنية، ننسى البدايات وأهميتها. وكما قلت يؤسفني انسحاب الولايات المتحدة من تلك المؤسسات لأنّنا نحتاج الجميع، فالأمم المتحدة عبارة عن مسرح كبير للتباحث حول مواضيع دولية. والمفارقة هي أنّ تلك المواضيع الدولية أصبحت أكثر عالمية وترابطاً في يومنا هذا".
تتابع: "كلّ هذا يأتي في وقت تذهب فيه بعض الدول إلى حلول فردية. لا أعتقد أنّ هذا قابل للاستمرار. أؤمن أنّه، في نهاية المطاف، يجب أن تكون هناك إمكانية لإحياء العمل المشترك، سواء عن طريق الإصلاحات في نظام الأمم المتحدة أو أيّ عمل آخر. لا أرى طريقة أخرى لمواجهة التحديات، فنحن نرى تحديات على مستوى التغير المناخي، وصعوبات اقتصادية وغيرها. كلّ تلك التحديات لا تعرف حدوداً، بما فيها أفواج اللاجئين بسبب الصراعات وأزمات البيئة وغيرها. ولا أرى العالم والإنسانية قادرة على حلّها من دون ذلك العمل المشترك".
وفي شأن التراجع الأميركي عن دعم المنظمات الدولية، ومدى قدرة أوروبا والغرب عموماً على سدّ مثل هذه الفجوة على المستويين السياسي والمالي، تختم بوكوفا حديثها مع "العربي الجديد" بالقول: "أعتقد أنّنا بحاجة إلى قيادة سياسية قوية كي نتمكن من سدّ فجوة الانسحاب الأميركي من اتفاقية باريس للمناخ، على وجه التحديد. أوروبا تحاول أن تبرز كنموذج، وذلك عن طريق إنشاء عدد من المبادرات الخاصة بها، وإظهار التطور الحاصل لدى دولها، على المستوى السياسي في محاولة منها لجذب الآخرين. لكنّنا لم نصل بعد إلى المكان الذي نريد الوصول إليه، بل على العكس تماماً، إذ لم أعتقد طوال حياتي أنّنا سنصل إلى وضع نعود معه إلى الخلف، فقد كنت أعتقد دائماً أنّنا نتخذ خطوات إلى الأمام في قضايا التغير المناخي وفي غيرها، وهذا أمر مقلق للغاية بالنسبة لي".