إيريك زمور... العنصري دائماً

25 سبتمبر 2018
يتماهى مع اليمين المتطرف (جويل ساجيه/فرانس برس)
+ الخط -
ما كان سيحدث حدث. منذ سنوات عديدة لم يتوقف الصحافي الفرنسي، من أصول يهودية جزائرية، إيريك زمور، عن تكرار توصيفَه للفرنسي الحقيقي، وعن فهمه للاندماج بل والذوبان في المجتمع الفرنسي، كما يراه. ودائماً يُكرر الشرط نفسه الذي يتقاسَمه مع اليمين المتطرف، خصوصاً مع حزب "التجمع الوطني" (الجبهة الوطنية سابقاً)، ألا وهو ضرورة اختيار العائلات في فرنسا لمواليدها أسماءَ لاتينية، حصريّاً. 

يُشكل إيريك زمور (60 عاماً)، مع يهود فرنسيين قلائل، من بينهم ألان فينكلكروت، فرادة في المشهد السياسي الفرنسي. إذ يحظى بشعبية كبيرة في أوساط اليمين المتطرف، وهو ما يجعله يتقاسم معهم مواقف عنصرية يعاقب عليها القانون الفرنسي. وبالفعل صدرت عدة أحكام قضائية ضد زمور.

وآخر مواقف هذا الصحافي الذي أصدر حديثاً كتابه عن "القدَر الفرنسي" (حين ينتقم التاريخ)، والذي جاء بعد كتابه عن "الانتحار الفرنسي"، تهجمه في برنامج تلفزيوني على صحافية ومذيعة تلفزيونية فرنسية من أصول أفريقية (سنغالية)، حفصتو سي، مُعيباً عليها اسمها "الذي لا ينسجم مع تاريخ وثقافة فرنسا"، ومقتَرِحاً عليها اسماً آخَر.

ولم يشفع في شيء، في نظر زمور، تاريخُ عائلة الصحافية حفصتو سي في فرنسا ولا إسهام آبائها وأجدادها، السنغاليين، في بناء فرنسا، ولا إسهام المستعمرات الفرنسية السابقة، والمتواصل في تاريخ و"قَدَر فرنسا".

إيريك زمور ليس في محاولته الأولى في هذا المجال. فقد لام رئيس الجمهورية الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي لأنه أطلق اسم "جوليا" على ابنته من زوجته كارلا بروني. كما أنه انتقد وزيرة العدل في حكومة نيكولا ساركوزي، الفرنسية من أصول مغربية وجزائرية، رشيدة داتي، لأنها أطلقت اسم زهرة على ابنتها، من والدها رجل الأعمال والملياردير دومينيك ديسانييه.



يمقُتُ إيريك زمور ومن هم على شاكلته، من اليمين الفرنسي وأيضاً من التيار الصهيوني، مصطلح "التعددية الثقافية"، ويعتبرونه العدو الأكبر لفلسفتهم ورؤيتهم لفرنسا، وهو ما تعبّر عنه كل يوم مقالاتهم في صحف ومجلات "لوفيغارو" و"كوزور" و"فالور أكتويال".
ولكنّ حظّ إيريك زمور، هذه المرة، مع حفصتو سي، لم يكن كما السابق. فقد وجد أمامه سيدةً قررت التصدّي لهذا النوع من الخطاب العنصري والتحقيري، فتحدّت كل القوانين الداخليّة التي تربطها بالبرنامج وفضحت كواليس ما جرى، ومن بينها لقطة تمّ قطعها في المونتاج لقسوتها: "إن اسمك (حفصتو) إهانةٌ لفرنسا. فرنسا ليست أرضا عذراء. إنها أرضٌ لها تاريخٌ، وماضٍ. والأسماء الشخصية تجسّد تاريخ فرنسا"، رغبةً منها في الانتهاء من هذا الاعتداء المزمن، مُناشِدةً وسائل الإعلام الفرنسية عدَمَ توجيه الدعوة لهذا الشخص، حتى لا يبث سمومه وأفكارَه الرجعية.

بعيداً عن حفنة من صحافيين هرعوا لنصرة إيريك زمور، كانت الأغلبية في فرنسا إلى جانب الصحافية حفصتو سي. وتم التعبير عن هذا التضامن من خلال أشكال متعددة. فقد بادرت الصحافية والإعلامية الفرنسية، من أصول تونسية، عايدة طويهري، إلى نشر تغريدة قالت فيها: "اسمي عايدة طويهري، وأزعج إيريك زمور"، فتلقفها العديد من الفرنسيين والعرب، معبّرين عن افتخارهم بأسمائهم، التي يعتبرونها أسماءَ فرنسيةً، على غرار الأسماء الأخرى، لاتينية أم غير لاتينية.
والشيء نفسه انتقل إلى مجال "فيسبوك" الذي انتشرت فيه الإدانة لإيريك زمور، والدعم والتقدير لهذه الصحافية الشابة المهددة بفقدان وظيفتها.


كما أنّ جمعيات مناهضة للعنصرية بادرت إلى دعم حفصتو سي. والمفاجئ أن جمعية "ليكرا" المعروفة بتوجهها الصهيوني والمؤيد لإسرائيل، تبرأت هي الأخرى من تصريحات ومواقف زمور. ونشر رئيسها، ماريو ستازي، بياناً بعنوان: "ضد زمور"، الذي عبّر عن امتعاضه الشديد من تهجمه على الصحافية، مذكّراً بتصريح سابق يطالب فيه زمور بـ"فرض أسماء مسيحية" على الجميع في فرنسا.
وأضاف أن زمور هو قبل كل شيء، سجاليّ، لا وجود له خارح السجال والتلاعب. وإن من يُوجِّه له الدعوات في ساعات مشاهدة جماهيرية ومن يملأ واجهات المكتبات بكتبه، وإنّ من يبثّ انحرافاته اليومية يساهم في رواجه، ويجب الاعتراف بأنهم يستفيدون، بكلبية، من العائدات التي تولّدها مُقاوَلَتُه الرجعية الصغيرة.

ثم استشهد بتصريح لوالي الأمن، فريديريك بوتيي: "لينظر (زمور) إلى قائمة العسكريين الفرنسيين الذين قتلوا من أجل فرنسا، والذين يعتَبِرُهم عارَ تاريخ فرنسا: إنهم يُدعَون هياري، بيتشا وهيمانا وكيزان ومحمد وجوزيف وميلام وإيهور وسهام وهافيرو وكمال وألان… إن أسماءهم تجسّد، رغم أنف زمور، تاريخَ وشرَفَ فرنسا".



كما أن الصحافية حفصتو سي أطلقت في موقع "تشاينج" (change.org) حملة تواقيع لإدانة زمور، و"دعوة وسائل الإعلام لتحمل مسؤولياتها في ما يخص دعوة إيريك زمور، الحامل لخطابات تحث على الكراهية"، تقترب من 200 ألف توقيع، وهي في تزايد مستمر، تكشف عن إحساس بالضجر من استمرار هذا النوع من الخطابات التي تفرق بين الفرنسيين.
وعلى الرغم من هذه الحملة والتعاطف الكبير الذي حظيت به الصحافية حفصتو سي، إلّا أن الصحافي إيريك زمور يحظى بدعم من وسائل إعلامية مهمة، ومن تيارات يمينية ومحافظة. كما أن كتبه السياسية والسجالية تحقق مبيعات عالية.

يبقى من الصعب، في ظل غياب قانون ملزم، حظرُ وجود هذا الصحافيّ في وسائل الإعلام التي ترغب في تحقيق أرقام قياسية في المشاهدات. وهو ما عبّرت عنه الصحافية الفرنسية المقتدرة، أودري بُولْفار، في تغريدة لها: "إلى متى ستواصل وسائل الإعلام الفرنسية منح حرية الظهور لعنصرية زمور تحت مبرر إنجاز البوز؟ عارٌ على مسؤولي ومسؤولات وسائل الإعلام الذين نسوا، على ما يبدو، معنى كلمات من نوع (المسؤولية التحريرية)، هل كان المجلس الأعلى للسمعي البصري موجوداً في القاعة؟".
دلالات
المساهمون