24 سبتمبر 2020
إيران وحسابات ما بعد العودة؟
لم تعد إيران دولة مارقة، ولم تعد من دول محور الشر.
ماذا يعنى ذلك للعرب، ولدول الخليج العربية خصوصاً؟ وماذا يعني لمنطقة الشرق الأوسط بكل ما يحيط بها من مشروعات لإعادة الهيكلة، سعياً إلى تخليق شرق أوسط جديد؟
بعيداً عن كل الانفعالات العاطفية التى صاحبت الإعلان عن توقيع الاتفاق التاريخى بين السداسية الدولية وإيران حول الملف النووى الإيرانى، بعد جولات عديدة من التفاوض الصعب، وسنوات عديدة من الحصار والعقوبات المتعددة، الدولية والأوروبية والأميركية، على إيران، مع التهديد والتلويح الصريح باستخدام القوة العسكرية لفرض الإرادة الغربية على إيران، سواء من أميركا وحلفائها، أو حتى من العدو الإسرائيلي، لتدمير مقومات المشروع النووي الإيراني، والقضاء على طموحاتها فى عضوية النادي النووي، وامتلاك التكنولوجيا التى تجعلها في مصاف الدول الكبرى بحق؟
جاء هذا الاتفاق مع إيران، ليمثل المتغير الرئيسي فى المنطقة، بعد أن بقيت المنطقة وكل دولها التي تعاني من الاضطراب، لا تُراوح أماكنها، على الرغم من الضجيج الكبير الذي يحمل فى ظاهره الحركة، بينما في باطنه لا يعدو أن يكون تعبيراً عن الحركة في المكان! وتكفي مراجعة شاملة للمشهد على مدى آخر عامين، سنجد المشهد ثابتاً من دون تغير، أو تطور حقيقي على أرض الواقع، في العراق وسورية وليبيا ومصر وتونس، مع الفارق بين الدول، طبقاً لطبيعة الظروف المحيطة بها. وجاءت بوادر تغيير في المنطقة، أخيراً، بسبب إيران، بعد التوقيع، بالأحرف الأولى، على الاتفاق النووي في لوزان، في أبريل/نيسان 2015، وكانت السعودية قد استبقت التوقيع بأيام عدة، فأطلقت عملية عاصفة الحزم بمباركة واشنطن التي تم الإعلان منها عن بدء العمليات في مؤتمر صحافي للسفير السعودي فيها وقتها، والذي أصبح وزيراً للخارجية لاحقاً، فانطلقت عاصفة الحزم، مستهدفة نظام تحالف الحوثي في اليمن، والمدعوم إيرانياً، في إشارة واضحة إلى وقوف السعودية ودول الخليج العربية في وجه تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة، وأن هناك خطوطاً حمراء لا يمكن لإيران تجاوزها، وبدعم وتنسيق مع واشنطن، على الرغم من تطور العلاقات المحتمل بين طهران وواشنطن، في ظل التوصل إلى اتفاق. والذي تم بالفعل، في 14 يوليو/تموز الجاري، في ڤيينا، بالتوقيع على الاتفاق النهائي ما بين مجموعة 5+1 وإيران، وخرجت على العالم فيديريكا موغيريني، مفوضة الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، والى جوارها محمد جواد ظريف، وزير خارجية إيران، لتعلن، في كلمات مقتضبة، التوصل إلى الاتفاق النهائي، وأعقب ذلك بيان من الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في واشنطن، وبيان من الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في طهران، ورحب كل منهما بالاتفاق، واعتبره إنجازاً من وجهة نظره، ثم تبع ذلك عرض الاتفاق على مجلس الأمن، وإصدار قرار دولي بالموافقة عليه، كما تم إرساله إلى الكونغرس الأميركي للتصديق، وسارع المسؤولون الأوروبيون بالتوجه إلى طهران، لتجديد العلاقات، وفى مقدمة تلك الدول ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وبالطبع روسيا والصين بحكم العلاقات الموصولة.
فماذا يعني هذا الاتفاق بالنسبة لإيران، وماذا يعني بالنسبة للعرب ومنطقة الشرق الأوسط؟ بداية، علينا استعادة الموقف قبل هذا الاتفاق، والحال التي كانت عليها إيران؟ منذ عام 1979، ونجاح الثورة وقيام الجمهورية الإسلامية، تحولت إيران الإمبراطورية من الدولة الحليفة، ليس فقط للغرب، بل، أيضاً، للنظم العربية الرئيسية، وفي مقدمتها المملكة السعودية ومصر في عصر أنور السادات، وكذا علاقات وثيقة على المستوى الإقليمي مع كل من تركيا وباكستان، وأيضاً العدو الإسرائيلي، تحولت إيران الثورة الإسلامية إلى دولة معادية، وتم تصنيفها دولة مارقة.
وهبت على الشرق الأوسط عواصف عديدة، الحرب العراقية - الإيرانية ( 1980- 1988) وأعقبها غزو صدام الكويت وحرب تحرير الكويت 1990/1991، وانكشفت العواصف عن عراق منهك، وإيران تسعى إلى التقاط أنفاسها، ومنطقة تسودها الغيوم، واتجهت الأنظار نحو الجنوب الغربي لآسيا، حيث أفغانستان ودعوات الجهاد الإسلامي التي بدأت في مواجهة الغزو السوڤييتى في أواخر السبعينيات، واستمرت طوال عقد التسعينيات، وأفرزت حكم طالبان الذي وفر ملاذاً آمنا للقاعدة، وجاءت ضربة الحادي عشر من سبتمبر/أيلول فى العام الأول من الألفية الثالثة، عملية إرهابية غير مسبوقة، استهدفت برجي التجارة في نيويورك ومقر البنتاغون في واشنطن، لتهتز أميركا، ويهتز معها العالم، وتبدأ الحرب الأميركية على الإرهاب بغزو أفغانستان. وهنا، بدأت إيران تتحسس طريقها نحو واشنطن، بدعمها في حربها، ونذكر هنا تصريح هاشمي رفسنجاني، الرئيس الإيراني الأسبق، ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، عن قتال الإيرانيين، كتفاً إلى كتف، مع الأميركان في أفغانستان! ثم جاء الزلزال الذي ضرب العالم العربي بالغزو الأميركي للعراق، وإسقاط نظام صدام بالقوة الأميركية في سابقة جديدة، ليختل النظام العربي تماماً، وتلتقط إيران الخيط، على الرغم من كل مشكلاتها مع الغرب، والحصار، والعقوبات، والأزمات الاقتصادية، وانعكاساتها المجتمعية، والتي بلغت مداها في السنوات الأخيرة، طبقاً لتصريح روحاني أن معدل التضخم كان قد بلغ 40%، ومعدل التنمية كان بالسالب، وذلك عندما تولى الرئاسة من عامين فقط. في ظل كل تلك الظروف، تمكنت إيران من مد نفوذها عبر أذرع عديدة في قلب الأمة العربية وقضاياها القومية، من بغداد إلى دمشق، ومن بيروت إلى غزة، وأخيراً إلى صنعاء وسواحل باب المندب؟
تلك هي إيران، في ظل خضوع ملفها النووي لمجلس الأمن تحت الفصل السابع، والعقوبات الدولية والأميركية والأوروبية، والحصار الخانق، وانعكاسات ذلك كله على المجتمع الإيراني.
فماذا سيكون عليه الحال، بعد سريان الاتفاق مع مجموعة الدول الكبرى في عالمنا اليوم 5+1، والذي بدأت تباشيره سريعاً، بتسابق العواصم الأوروبية الكبرى إلى طهران، حتى قبل صدور القرار الدولي، بالمصادقة على الاتفاق، وقد صدر بالفعل تمهيداً لرفع العقوبات الدولية، وزيارة وزير الدفاع الإميركى إلى تل أبيب لاحتواء غضبها، ودعوة ألمانيا طهران بالتواصل مع تل أبيب؟ وهو ما يعني عودة إيران إلى الساحة الدولية، وهي كاملة الأهلية، اقتصادياً، وسياسياً، وأيضاً عسكرياً.
لا أعتقد أن هناك من يملك إجابة وافية عن هذا السؤال، على الرغم من كل الاجتهادات، والتي بدت مرتبكة، ومتعجلة، وانفعالية؟ ولكن، ما يمكن قوله بكل ثقة أن الحل بات في الملعب العربي، فلم يعد المهم ما يمكن أن تفعله إيران، بل ما يجب أن يفعله العرب، وهل هم قادرون، أو لنكن أكثر دقة: هل من يحتلون سدة الحكم والسلطة في أقطارنا العربية قادرون على اتخاذ القرارات الصعبة، بإتاحة الفرصة أمام عقد اجتماعى جديد، يُعيد إلى الشعوب سيادتها، ويمكنها من فرض إرادتها، فتصبح قادرة على التصدي لمشروع إيراني قادم بأسرع مما نتصور؟
بعيداً عن كل الانفعالات العاطفية التى صاحبت الإعلان عن توقيع الاتفاق التاريخى بين السداسية الدولية وإيران حول الملف النووى الإيرانى، بعد جولات عديدة من التفاوض الصعب، وسنوات عديدة من الحصار والعقوبات المتعددة، الدولية والأوروبية والأميركية، على إيران، مع التهديد والتلويح الصريح باستخدام القوة العسكرية لفرض الإرادة الغربية على إيران، سواء من أميركا وحلفائها، أو حتى من العدو الإسرائيلي، لتدمير مقومات المشروع النووي الإيراني، والقضاء على طموحاتها فى عضوية النادي النووي، وامتلاك التكنولوجيا التى تجعلها في مصاف الدول الكبرى بحق؟
جاء هذا الاتفاق مع إيران، ليمثل المتغير الرئيسي فى المنطقة، بعد أن بقيت المنطقة وكل دولها التي تعاني من الاضطراب، لا تُراوح أماكنها، على الرغم من الضجيج الكبير الذي يحمل فى ظاهره الحركة، بينما في باطنه لا يعدو أن يكون تعبيراً عن الحركة في المكان! وتكفي مراجعة شاملة للمشهد على مدى آخر عامين، سنجد المشهد ثابتاً من دون تغير، أو تطور حقيقي على أرض الواقع، في العراق وسورية وليبيا ومصر وتونس، مع الفارق بين الدول، طبقاً لطبيعة الظروف المحيطة بها. وجاءت بوادر تغيير في المنطقة، أخيراً، بسبب إيران، بعد التوقيع، بالأحرف الأولى، على الاتفاق النووي في لوزان، في أبريل/نيسان 2015، وكانت السعودية قد استبقت التوقيع بأيام عدة، فأطلقت عملية عاصفة الحزم بمباركة واشنطن التي تم الإعلان منها عن بدء العمليات في مؤتمر صحافي للسفير السعودي فيها وقتها، والذي أصبح وزيراً للخارجية لاحقاً، فانطلقت عاصفة الحزم، مستهدفة نظام تحالف الحوثي في اليمن، والمدعوم إيرانياً، في إشارة واضحة إلى وقوف السعودية ودول الخليج العربية في وجه تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة، وأن هناك خطوطاً حمراء لا يمكن لإيران تجاوزها، وبدعم وتنسيق مع واشنطن، على الرغم من تطور العلاقات المحتمل بين طهران وواشنطن، في ظل التوصل إلى اتفاق. والذي تم بالفعل، في 14 يوليو/تموز الجاري، في ڤيينا، بالتوقيع على الاتفاق النهائي ما بين مجموعة 5+1 وإيران، وخرجت على العالم فيديريكا موغيريني، مفوضة الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، والى جوارها محمد جواد ظريف، وزير خارجية إيران، لتعلن، في كلمات مقتضبة، التوصل إلى الاتفاق النهائي، وأعقب ذلك بيان من الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في واشنطن، وبيان من الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في طهران، ورحب كل منهما بالاتفاق، واعتبره إنجازاً من وجهة نظره، ثم تبع ذلك عرض الاتفاق على مجلس الأمن، وإصدار قرار دولي بالموافقة عليه، كما تم إرساله إلى الكونغرس الأميركي للتصديق، وسارع المسؤولون الأوروبيون بالتوجه إلى طهران، لتجديد العلاقات، وفى مقدمة تلك الدول ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وبالطبع روسيا والصين بحكم العلاقات الموصولة.
فماذا يعني هذا الاتفاق بالنسبة لإيران، وماذا يعني بالنسبة للعرب ومنطقة الشرق الأوسط؟ بداية، علينا استعادة الموقف قبل هذا الاتفاق، والحال التي كانت عليها إيران؟ منذ عام 1979، ونجاح الثورة وقيام الجمهورية الإسلامية، تحولت إيران الإمبراطورية من الدولة الحليفة، ليس فقط للغرب، بل، أيضاً، للنظم العربية الرئيسية، وفي مقدمتها المملكة السعودية ومصر في عصر أنور السادات، وكذا علاقات وثيقة على المستوى الإقليمي مع كل من تركيا وباكستان، وأيضاً العدو الإسرائيلي، تحولت إيران الثورة الإسلامية إلى دولة معادية، وتم تصنيفها دولة مارقة.
وهبت على الشرق الأوسط عواصف عديدة، الحرب العراقية - الإيرانية ( 1980- 1988) وأعقبها غزو صدام الكويت وحرب تحرير الكويت 1990/1991، وانكشفت العواصف عن عراق منهك، وإيران تسعى إلى التقاط أنفاسها، ومنطقة تسودها الغيوم، واتجهت الأنظار نحو الجنوب الغربي لآسيا، حيث أفغانستان ودعوات الجهاد الإسلامي التي بدأت في مواجهة الغزو السوڤييتى في أواخر السبعينيات، واستمرت طوال عقد التسعينيات، وأفرزت حكم طالبان الذي وفر ملاذاً آمنا للقاعدة، وجاءت ضربة الحادي عشر من سبتمبر/أيلول فى العام الأول من الألفية الثالثة، عملية إرهابية غير مسبوقة، استهدفت برجي التجارة في نيويورك ومقر البنتاغون في واشنطن، لتهتز أميركا، ويهتز معها العالم، وتبدأ الحرب الأميركية على الإرهاب بغزو أفغانستان. وهنا، بدأت إيران تتحسس طريقها نحو واشنطن، بدعمها في حربها، ونذكر هنا تصريح هاشمي رفسنجاني، الرئيس الإيراني الأسبق، ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، عن قتال الإيرانيين، كتفاً إلى كتف، مع الأميركان في أفغانستان! ثم جاء الزلزال الذي ضرب العالم العربي بالغزو الأميركي للعراق، وإسقاط نظام صدام بالقوة الأميركية في سابقة جديدة، ليختل النظام العربي تماماً، وتلتقط إيران الخيط، على الرغم من كل مشكلاتها مع الغرب، والحصار، والعقوبات، والأزمات الاقتصادية، وانعكاساتها المجتمعية، والتي بلغت مداها في السنوات الأخيرة، طبقاً لتصريح روحاني أن معدل التضخم كان قد بلغ 40%، ومعدل التنمية كان بالسالب، وذلك عندما تولى الرئاسة من عامين فقط. في ظل كل تلك الظروف، تمكنت إيران من مد نفوذها عبر أذرع عديدة في قلب الأمة العربية وقضاياها القومية، من بغداد إلى دمشق، ومن بيروت إلى غزة، وأخيراً إلى صنعاء وسواحل باب المندب؟
تلك هي إيران، في ظل خضوع ملفها النووي لمجلس الأمن تحت الفصل السابع، والعقوبات الدولية والأميركية والأوروبية، والحصار الخانق، وانعكاسات ذلك كله على المجتمع الإيراني.
فماذا سيكون عليه الحال، بعد سريان الاتفاق مع مجموعة الدول الكبرى في عالمنا اليوم 5+1، والذي بدأت تباشيره سريعاً، بتسابق العواصم الأوروبية الكبرى إلى طهران، حتى قبل صدور القرار الدولي، بالمصادقة على الاتفاق، وقد صدر بالفعل تمهيداً لرفع العقوبات الدولية، وزيارة وزير الدفاع الإميركى إلى تل أبيب لاحتواء غضبها، ودعوة ألمانيا طهران بالتواصل مع تل أبيب؟ وهو ما يعني عودة إيران إلى الساحة الدولية، وهي كاملة الأهلية، اقتصادياً، وسياسياً، وأيضاً عسكرياً.
لا أعتقد أن هناك من يملك إجابة وافية عن هذا السؤال، على الرغم من كل الاجتهادات، والتي بدت مرتبكة، ومتعجلة، وانفعالية؟ ولكن، ما يمكن قوله بكل ثقة أن الحل بات في الملعب العربي، فلم يعد المهم ما يمكن أن تفعله إيران، بل ما يجب أن يفعله العرب، وهل هم قادرون، أو لنكن أكثر دقة: هل من يحتلون سدة الحكم والسلطة في أقطارنا العربية قادرون على اتخاذ القرارات الصعبة، بإتاحة الفرصة أمام عقد اجتماعى جديد، يُعيد إلى الشعوب سيادتها، ويمكنها من فرض إرادتها، فتصبح قادرة على التصدي لمشروع إيراني قادم بأسرع مما نتصور؟