إيران وتحديات عامها "المصيري" الجديد: عقوبات أميركية وتهديد عسكري

28 مارس 2019
أجرت إيران 4 مناورات عسكرية في 3 أشهر(فرانس برس)
+ الخط -

لطالما انتظر الإيرانيون عيد النوروز سنوياً بفارغ الصبر، كونه العيد الشعبي الأهم، ويستقبلونه قبل مجيئه بشهر بتقاليد فولكلورية عريقة. إلا أن عيد النوروز هذا العام لم يكن على غرار الأعوام السابقة، إذ استقبل الإيرانيون السنة الجديدة 1398، التي بدأت الخميس الماضي في 21 مارس/آذار 2019، وهم غير قادرين على القيام بتحضيرات الأعوام المنصرمة لاستقباله، نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية في البلاد وتراجع القدرة الشرائية، واحتفلوا به بفرحة ممزوجة بالقلق مما هو آتٍ، في ضوء مجموعة من التحديات والصعوبات التي رحّلها العام الماضي إلى عامهم الجديد.

وتقضي العادة في إيران بأن يتحول آخر شهر في العام القديم إلى شهر للمحاسبة عما تم تحقيقه وما لم يتحقق، والتوقعات للعام الجديد. لكن هذا الأمر بدأ مبكراً جداً، مع تحذير وزير الاستخبارات الإيراني الأسبق المحافظ حيدر مصلحي، خلال الشهر الثالث من العام الإيراني الماضي، أي في يونيو/حزيران 2018، من أن "العدو بكل تأكيد خطط لفتنة في العام 1397 أو 1398". ثم لمّح المرشد الإيراني علي خامنئي، نهاية 2018، إلى "مخطط أميركي في 1398" ضد بلاده، قبل أن يعلن، في مشهد شرق إيران مطلع العام الجديد، رفضه وصف العام الجديد بأنه "عام التهديدات"، معتبراً أنه "عام الفرص والإمكانيات والانفراج"، موضحاً أن "من شأن العقوبات أن تتحول إلى فرصة للبلد، وأن معرفة مَواطن الضعف والنواقص تمثل تجربة غنية للمستقبل ولإدارة البلاد في السنوات المقبلة".

يشار إلى أن الملفات المفتوحة للأحداث والمتغيرات العالمية التي حصلت في العام الإيراني الماضي انتقلت إلى العام الجديد. وكان أبرز المتغيرات دخول الصراع الإيراني-الأميركي مرحلة جديدة "غير مسبوقة" على طول عمره الممتد لأربعة عقود بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979. وكانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب دشنت المرحلة الجديدة بإطلاق استراتيجية "الضغوط القصوى" منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في 8 مايو/أيار الماضي، بإعادة فرض العقوبات على مرحلتين، وهي استراتيجية تمثل "الحرب الاقتصادية" أداتها الرئيسية في الوقت الحاضر، وتهدف، بحسب السلطات الإيرانية ومقربين من ترامب، مثل محاميه رودي جولياني، إلى تغيير نظامها القائم منذ 40 سنة، فيما تصرح واشنطن رسمياً بأن الهدف هو تغيير سلوك إيران في المنطقة.



وتوحي مؤشرات متعددة بأن العام الجديد سيكون حافلاً بالتطورات الكبيرة أكثر من الذي سبقه، وأنه يمثل "عاماً مفصلياً وحاسماً" في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بداية عقدها الخامس، وذلك بالنظر إلى منحى التحديات الذي تواجهه البلاد، داخلياً وخارجياً. ويتصدر هذه التحديات الصراع الأميركي-الإيراني، المتعدد الوجوه والأبعاد، والذي اعتبره أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني أكبر تحدٍ للسياسة الخارجية لطهران. وبحسب محللين إيرانيين، إن عوامل متعددة، في مقدّمِها انعدام وجود أفق للدبلوماسية والتفاوض لحل هذا الصراع، والتصعيد الأميركي المتواصل والإصرار الإيراني على رفض المطالب الأميركية التي تصفها طهران بـ"التعجيزية"، وكذلك متطلبات داخلية أميركية منها الانتخابات الرئاسية في العام 2020، تجعل فرص استفحال النزاع في العام الإيراني الجديد عالية في جميع أبعاده، على رأسها البعد الاقتصادي الذي يُعتبر في الوقت الراهن، الأكثر أهمية بالنسبة إلى الطرف الأميركي. كما أن هذا البعد هو الأكثر حساسية للطرف الإيراني، في الوقت ذاته، بسبب تداعياته على تماسك الوضع الداخلي، إذ اعتبر القائد العام للحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، أن التهديدات الداخلية "أكثر جدية" من الخارجية. وأشار قائد الجيش الإيراني اللواء عبد الرحيم موسوي إلى أن "الحرب الاقتصادية الأخيرة، التي رافقتها عمليات نفسية وسياسية، تعتبر من أعقد وأصعب الحروب. حتى الأصعب من فترة الدفاع المقدس (الحرب الإيرانية-العراقية). نحن تجاوزنا عاماً من الحرب الاقتصادية، وأحبطنا العدو، وأمامنا سنة أخرى لكي نتجاوزها بإدارة قوية وصبر ومثابرة". كما أن خامنئي تطرق، في خطابه لمناسبة عيد النوروز، إلى هذا الأمر، موضحاً أن الاقتصاد يمثل "المشكلة الأساسية والقضية العاجلة والجادة لإيران وأولويتها"، معلناً العام الجديد "عاماً لازدهار الإنتاج كحل لمعضلة الاقتصاد في البلاد".

وفي السياق، يتوقع خبراء إيرانيون أن تتعاظم آثار العقوبات خلال الفترة المقبلة، في ضوء تواصل الخلل البنيوي في الاقتصاد الإيراني واعتزام واشنطن تصفير الصادرات النفطية الإيرانية، ليكون العام الجديد "الأصعب اقتصادياً" على إيران، بما يرفع منسوب اندلاع احتجاجات جديدة في العام الجديد على غرار تلك التي شهدتها البلاد بداية 2018، والتي تقول السلطات الإيرانية إنها ضمن الأهداف الأميركية لإثارة الفوضى وإيجاد شرخ بين الشعب والنظام، وإعادة إيران إلى ما قبل 40 سنة. كما برزت معطيات إقليمية ودولية أخيراً تظهر أن النزاع بين طهران وواشنطن وحلفائها في المنطقة في طريقه نحو تصعيد متدرج وملحوظ في ملفات أخرى، بالتزامن مع الحرب الاقتصادية، لتكتمل الضغوط ومفاعيلها معا. وفي السياق، لا تستبعد تحليلات إيرانية وغربية أن يتخذ الصراع طابعاً عسكرياً في العام الإيراني الجديد في ضوء "عودة خجولة" للحديث عن الخيار العسكري في مراكز صنع القرار الأميركي، مشفوعة بخروج تسريبات غربية في هذا الاتجاه، وسط حديث إسرائيلي عن احتمال استهداف ناقلات النفط الإيرانية. ولعل طهران استشعرت ذلك، إذ أبدت استعدادها للرد عليه عبر المناورات العسكرية الضخمة الأربع التي أجرتها خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.

ويمكن، بحسب المعطيات والتحليلات، اعتبار العام الإيراني الجديد "عاماً مفصلياً ومصيرياً" لطهران، فمن جهة، تنتظر الإدارة الأميركية أن تحصد ثمار عقوباتها وذلك لتحقيق أهداف استراتيجيّة "الضغوط القصوى"، وربما تفكر في الانتقال إلى أدوات غير اقتصادية أيضاً لتسريع مفاعيل ضغطها على طهران. ومن جهة ثانية، تقول طهران إن أمامها هذا العام لتجاوز موضوع العقوبات وإفشالها "كما أفشلتها العام الماضي". وفي حال نجحت طهران في التغلب على العقوبات في عامها الجديد، فإنه يمكن اعتبار أن الأداة الأميركية الضاغطة فقدت تأثيرها في الصراع مع إيران، لكن إن حدث نقيض ذلك، خصوصاً إذا لجأت واشنطن إلى أدوات غير اقتصادية، فإن الوضع سيكون مفتوحاً على جميع الاحتمالات.