وصل العشرات من المدنيين السوريين إلى محافظة إدلب (شمال غرب سورية) آتين من بلدة مضايا، شمال غرب دمشق، ونُقل مثلهم من بلدتي كفريا والفوعة الشيعيتين، بالقرب من مدينة إدلب إلى دمشق وريفها (جنوب سورية)، في أحدث عملية "تبادل سكان" تجريها إيران في سورية لإحداث عمليات تغيير ديمغرافي في دمشق العاصمة، ومحيطها.
ولم يعد الدور الذي يؤديه النظام الإيراني في سورية خافياً على المراقبين والمتابعين للشأن السوري، إذ بدأ يتخذ أشكالاً مختلفة ولم يبق في نطاق دعم نظام بشار الأسد عسكرياً واقتصادياً وإعلامياً، بل تعدّاه إلى مستويات أخطر، إذ بدأ سوريون يتحدثون عن احتلال إيراني لبلادهم.
في العاصمة دمشق، يتواجد السكان الشيعة في حارتي الجورة والخراب في قلب المدينة القديمة، وفي بعض أجزاء حي الأمين، وفي حي زين العابدين في منطقة المهاجرين. وتؤكد مصادر أن عددهم لا يتجاوز بضعة آلاف، لكن إيران تحاول خلخلة البنية الاجتماعية والاقتصادية في دمشق، في محاولة منها لطرد أكبر عدد من الدمشقيين خارج مدينتهم.
كما اتخذ النظام الإيراني وبتسهيل من نظام الأسد (الأب حافظ والابن بشار) من بعض المقامات الدينية، ذريعة أخرى، لوضع يده على دمشق ومحيطها. بالتالي تحوّل مقام السيدة رقية في منطقة العمارة إلى "قلعة متقدمة" للنظام الايراني، وجرى توسيعه وإلحاق أراض وأبنية به، ليصبح أرضاً إيرانية لا تسري قوانين نظام بشار الأسد عليها.
وتداولت مصادر دمشقية كلاماً مفاده أن الحريق في منطقة العصرونية، القريبة من منطقة الست رقية، أمس السبت، والذي التهم نحو 70 محلاً من محلات السوق المشهور في دمشق، هو حريق مفتعل، ووضعه البعض في خانة "المحاولات الايرانية لترحيل تجار المنطقة من خلال إجبارهم على بيع محالهم".
ويرى مراقبون أن إيران ماضية في مخطط يهدف إلى تغيير المعالم الديمغرافية لمناطق سورية، خصوصاً في دمشق وريفها، وفي حمص، كونها تدخل ضمن ما يُسمّى "سورية المفيدة"، التي يسعى النظام إلى تأمين حدودها للإعلان عن دويلة طائفية تشملهما مع الساحل السوري، في حال أصرّ المجتمع الدولي على تنحية الأسد عن السلطة.
ولا تألو طهران جهداً لإفراغ مدن وبلدات من سكانها الأصليين، وتوطين سواهم من أقليات سورية، أو مجموعات من جنسيات أخرى، تقاتل إلى جانب قوات النظام. ويصبّ كلام بشار الأسد في هذا السياق، حين قال إن "سورية ليست لمن يحمل جنسيتها، بل لمن يدافع عنها"، ليفتح الباب واسعا أمام المساعي الإيرانية لإجراء عمليات تهجير.
من جانبه، يرى الكاتب والمعارض السوري عماد غليون، أن "التغيير السكاني في سورية منذ بدء الثورة حقيقة ماثلة للعيان"، مشيراً إلى أن "الكثير من السوريين حذّروا منه منذ سنوات". ويشير غليون، ابن مدينة حمص (وسط سورية)، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "أحياء حمص القديمة وهي 16 حياً، تبدو فارغة اليوم من سكانها تماماً. وهي مدمّرة بالكامل، ولا يسمح النظام بعودة الأهالي إليها".
ويلفت إلى أن "حي الوعر الذي كان يستوعب ثلث سكان حمص، لم يبقَ فيه سوى أقل من 100 ألف، محاصرين منذ أكثر من سنتين، كما أنه لم يبقَ في باقي أحياء حمص سوى النساء، وكبار السن، وقد هرب الشباب خوفاً من التجنيد ضمن صفوف قوات النظام. لقد بات أهل حمص أقلية في مدينتهم".
ويوضح غليون أن "هناك مخططاً عمرانياً جديداً، تمّ إقراره من قبل النظام في مناطق غرب مدينة حمص، وقد بوشر البدء به، ويتمثل بهدم أحياء بكاملها من حي بابا عمرو وما يليه"، مشيراً إلى أن "إيران قامت بعملية تغيير سكاني في مناطق عدة في ريف حمص، وأهمها مدينة القصير وريفها، التي استولى عليها حزب الله".
ويلفت إلى أن "عمليات التهجير طاولت التركمان من الزارة، وتلكلخ، وقلعة الحصن غربي حمص، في ظلّ استمرار الحصار على الريف الشمالي لحمص بالكامل". ويرى غليون أن "المخطط الإيراني نجح مرحلياً في إجراء عمليات تغيير سكاني في ظل السيطرة العسكرية الكاملة في مدينة حمص، وعدم وجود حل سياسي يزيح النظام عن السلطة، ويضع حدا لهذا المخطط الذي يستهدف مستقبل سورية برمته".
ويوضح كوش في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "النظام الإيراني يعتمد على تجار سوريين موالين له، لشراء عقارات وأراض في أحياء من العاصمة دمشق وفي حلب وحمص، إضافة إلى توطين عائلات لمقاتلي حزب الله ومليشيات أفغانية في مناطق مختلفة من العاصمة، وفي مناطق من حمص ودرعا والسويداء".
ويرى أن "النظام الإيراني لن ينجح في مسعاه إلا إذا بقيت القضية السورية من دون حلّ لفترة طويلة"، مضيفاً أنه "لهذا تحاول طهران عرقلة أي حل سياسي يزيح بشار الأسد عن السلطة، فهو الضامن الوحيد لمخططها التوسعي في سورية ومحيطها". لكنه يستدرك قائلاً: "بإمكان طهران إحداث إرباكات في التركيبة السكانية السورية من خلال عمليات نقل سكان ينتمون إلى الأكثرية، واستبدالهم بسكان آخرين ينتمون للأقلية الشيعية".